كشفت مصادر مسؤولة لـ «الراي»، أن ديوان المحاسبة طلب من شركة مطاحن الدقيق، زيادة أسعار منتجاتها الغذائية، وفي مقدمتها الطحين ومنتجاته إلى معدلات تنسجم مع حركة أسعار الغذاء العالمية التي شهدت تغييرات تصاعدية كبيرة أخيراً.وتوفر«المطاحن» وشركتها التابعة (الكويتية للتموين) نحو 50 سلعة غذائية رئيسية متنوعة، أهمها القمح والطحين والخبز والزيوت النباتية والمعكرونة.وأوضح «الديوان» في استفسار وجهه إلى الشركة «لماذا لا تلتزمون برفع أسعاركم، وما سبب عدم رفع أسعاركم منذ سنوات، خصوصا أن معدلاتها الحالية لا تواكب الأسعار العالمية»، علما بأن طريقة تعامل «الديوان» الرقابية مع الجهات الخاضعة لمراجعاته قائمة على أساس توجيه استفسارات في البداية، وفي حال عدم تلقي ردود مقنعة، يقوم بتسجيلها في تقريره ضمن الملاحظات الرقابية.ولفت «الديوان» إلى أن «المطاحن» تحصل على دعم من الدولة مقابل التزامها بتثبيت جميع أسعار منتجاتها الغذائية، وتحديدا أسعار الطحين والقمح والخبز، بما يقارب بنحو 27 مليون دينار.وفي ردة فعل سريعة على استفسار «الديوان»، أوضحت المصادر أن وزير التجارة والصناعة، الدكتور يوسف العلي، رفض قيام «المطاحن» بإجراء أي تغييرات على أسعار منتجاتها، وأمر الشركة بالالتزام بالأسعار المعمول بها منذ سنوات.ولفتت المصادر إلى أن «المطاحن» ردت على «الديوان» في بداية المناقشات المفتوحة بهذا الخصوص، بأنها شركة حكومية بنسبة 100 في المئة، وليس لديها أي توجيهات رسمية تحثها على زيادة أسعار سلعها، موضحة أن الشركة كانت قد بحثت مع الوزارة هذه المسألة في وقت سابق، لكن «التجارة» لم تقبل إجراء أي تغييرات تصاعدية على أسعارها.واستندت الشركة بهذا الخصوص إلى كتاب صادر من «التجارة» في 2011، حمل توجيهات بأن الوقت غير مناسب لادخال أي تغييرات تصاعدية في أسعار سلع الشركة، وذلك دعماً لاستقرارها في الكويت، وأن على الشركة أن تستمر في التزامها بدعم استقرار سوق السلع الغذائية.ورغم استغراب البعض موقف «الديوان» باعتباره جهة رقابية، وليس من حقه إملاء أي سياسات استثمارية للجهات التي يراقب عليها، يرى البعض أن «المطاحن» شركة حكومية، وبالتالي فمن حق «الديوان» أن يبدي ملاحظاته على إيراداتها في حال اعتقد أن مسارها غير مبرر من الناحية المحاسبية.ويكتسي أي تغيير محتمل في سياسة «المطاحن» المحددة لأسعار السلع الغذائية في الكويت أهمية خاصة، فعلاوة على أنها نجحت في تحقيق الأمن الغذائي منذ تأسيسها عام 1961، استحوذت على الشركة الكويتية للتموين منذ العام 1994، وهي شركة لها أهمية كبرى في مجال خدمة المواطنين، باعتبار أنه منوطة بها توفير وتوريد المواد التموينية والإنشائية المدعومة من قبل الحكومة وفقاً لسياسات وقرارات «التجارة»، ما يجعل دورها في الحفاظ على ثبات الأسعار مزدوج الفائدة، سواء للمستهلك عموما أو لحاملي البطاقات التموينية الذين قد يرتفع معدل دعمهم في حال ارتفعت تكلفة حصصهم التموينية.وإضافة إلى ذلك، فإن طلب «الديوان» يأتي في وقت بدأت فيه الحكومة تنفيذ برنامج الإصلاح، والذي تضمن تقنين الدعومات التي تقدمها الدولة على بعض السلع الرئيسية، وفي مقدمتها تعديل أسعار الديزل والكيروسين والكهرباء والمياه، وأخيراً البنزين بجميع أنواعه، ومن ثم سيكون إقرار أي زيادة في أسعار السلع الغذائية بالوقت الحالي، والتي تحافظ «المطاحن»على استقرارها منذ سنوات، معاكسا لسياسة الدولة في تحقيق الأمن الغذائي، وللتوجهات الحكومية لجهة إصلاح هيكل الدعوم تدريجياً.لكن يبدو أن الشركة لم تفلح في إقناع «الديوان» شفويا بتغيير ملاحظته، حيث طلب من الشركة اتخاذ التدابير المناسبة لإعادة النظر في أسعار سلعها بما ينسجم مع المتغيرات العالمية، حيث ستتمكن الشركة في هذه الحالة من تسجيل أرباح سوقية حقيقية، تعزز بياناتها المالية السنوية وربحيتها، بما يساعدها في تفادي احتمالات تحميل الدولة أي أعباء مالية إضافية قد تقر دعما للشركة بسبب سياستها المحافظة على استقرار السوق.ولفت «الديوان» إلى أن الكتاب الذي تعتمد عليه «المطاحن» في تثبيت أسعارها، صادر في العام 2011، ما يجعل العمل به من الناحية الرقابية غير ملزم، معتبراً أنها تحتاج لاستشراف رأي الوزارة في هذا الخصوص مجدداً، لاسيما في ظل المتغيرات القوية التي استجدت على سوق الغذاء العالمي، وفرضت هيكل أسعار جديداً خلال السنوات الخمس الماضية.وأشارت المصادر إلى أنه من ضمن سياسة «المطاحن» في الحفاظ على استقرار سوق السلع الغذائية، لجأت الشركة بعد قبل عشر سنوات تقريبا، وتحديدا بعد ارتفاع أسعار الدقيق عالميا إلى تعويض هذا الارتفاع من خلال تخفيض وزن الخبز دون المساس بأسعاره.وتنفيذا لتوجيهات «الديوان» خاطبت «المطاحن» «التجارة»، حيث سألتها «عما إذا كان هناك أي توجه حكومي لخفض الدعم وزيادة أسعار منتجات الشركة الغذائية بعد مرور هذه السنوات؟».من ناحيته، استفسر العلي من مسؤولي الشركة خلال اجتماع عقد أخيرا لهذا الغرض عن رأيهم الفني والمحاسبي في طلب «الديوان»، حيث أوضحوا أنهم يعتقدون أن الوقت غير مناسب لزيادة أسعار منتجات الشركة، خصوصا وأنها استطاعت توفيق أوضاعها المالية بين حاجتها لدعم استقرار أسعارها، وعوائد أنشطتها التي استدخلتها في السنوات الماضية، واستطاعت بفضلها تقوية مركزها المالي إلى الحدود التي من غير المرتقب أن تحتاج معها إلى تحميل الدولة أي أعباء إضافية في الحفاظ على استقرار منظومة الشركة الغذائية.كما أنه لناحية المطالبات بتحسين العوائد التشغلية، تصدّر «المطاحن» منتجاتها للخارج بالسعر العالمي، وتقوم بخصم أحجام الدعم المقدرة من المكاسب المحققة، فيما يرد الفارق للدولة، ما يعني أن سياسة الشركة الحالية قد تسهم في عدم استنفاد الدعم الغذائي المقرر بالكامل، وربما تنجح لاحقاً في الاستغناء عن الدعم بالكامل.وفيما اتفق وزير التجارة مع «المطاحن»على أن توقيت طلب «الديوان» غير مناسب، بنى العلي رفضه لأي زيادة في أسعار «المطاحن» الغذائية، وفي مقدمتها أسعار الطحين ومنتجاته، على جملة من الأسباب الاقتصادية التي تضعف الحاجة لقيام الشركة بتحديث أسعار منتجاتها الغذائية، بما يستقيم مع حركة سوق الغذاء العالمية.وكحسبة اقتصادية، يرى العلي أنه سيترتب على أي زيادة في أسعار منتجات «المطاحن» في الوقت الحالي ارتفاعا في معدلات التضخم، ما يخالف مساعي جميع أجهزة الدولة المعنية إلى كبح جماحه، موضحاً أن الشركة استطاعت في السنوات الماضية تهدئة الأسعار الغذائية والحفاظ عليها عند معدلات معقولة بعكس العديد من الدول التي انفلتت فيها الأسعار إلى معدلات تضخم تجاوزت 10 في المئة، مقابل 3.6 في المئة بالكويت كما هو في يوليو الماضي.ولفت العلي في نقاشاته مع مسؤولي الشركة، إلى أن سياسة «المطاحن» ومنظومة التموين ساعدت الكويت في التحكم في أسعار السلع الغذائية واستقرارها بمرونة كبيرة، تمكّنت الكويت من خلالها من تفادي التقلبات، وتنامي معدلات التضخم بشكل كبير، والذي تعرضت له العديد من الأسواق من منظور غذائي، كما أن لهذه السياسة أبعاداً اجتماعية لا يمكن تجاهلها.وأضاف الوزير أن سياسة «المطاحن» ساعدت «التجارة» في الإمساك بمؤشرات السوق جيدا، سواء من حيث مواجهة أي زيادة غير مستحقة، أو كبح جماح أي ارتفاع يزيد من أعباء المستهلكين، مشيرا إلى أن عدم تغيير كلفة المنتجات الغذائية في الكويت دليل نجاح على منظومة «المطاحن» وسياسة أسعارها.
اقتصاد
لتنسجم مع الحركة التصاعدية في فاتورة الغذاء العالمية
«المحاسبة» يطالب «المطاحن» برفع سعر الطحين ومنتجاته... والعلي يرفض
09:26 ص