تحدثنا في مقالتنا الأخيرة عن الحرية في شكلها العام، الذي يمس البشر بكل أطيافهم وأفكارهم، وقلنا إن الحرية هي المعنى الحقيقي لكل تقدم وتحضر، في ما حددنا بما لا يدع مجالا للشك بأن هناك ممارسات، قد يراها البعض حرية إلا أنها- في حقيقة أمرها- مساس بحريات الآخرين، وضربنا مثلا على ذلك في موضوع التعرض للآخرين بالشتائم وإطلاق الإشاعات، أو التقليل من شأن فئة أو السخرية من قناعات الآخرين، كما أننا رفضنا الحرية التي يراها البعض في الشكل، واتفقنا على أن الحرية في أساسها مسؤولية كبيرة، يجب أن نكون جديرين بتحمل تبعاتها، وعدم التفريط فيها أو تشويهها، بتصرفات غير مسؤولة.وفي هذه المساحة سنتحدث عن الحرية في الكويت، خصوصا حرية الرأي... تلك الحرية التي أرى- من منطلق رأيي الشخصي- أنها حرية واسعة في اتجاه وضيقة في اتجاه آخر، فهي واسعة في الأمور المتعلقة بتبادل المعلومات، وفي المواضيع المتعلقة بالسياسة، وهذه المسألة، مقارنة بدول عربية شقيقة متطورة بكثير، والحمد لله الكويت تنعم بهذه الحرية، التي- للأسف- أحيانا تتخطى حدودها وتتحول إلى فوضى سياسية، نرى انعكاساتها في الاختلافات على وجهات النظر السياسية، التي ربما تتحول تحت قبة البرلمان إلى خلافات، وتبادل للاتهامات.هذه الأمور- أعرف- أن حدوثها في الكويت قليل، لكنها تحدث، فنحن لا نريد أن يستغل البعض الحرية المتاحة له في التضييق على حرية الآخر بالصوت العالي، أو بالإقصاء، أو بأي شكل كان.كما أن حرية الرأي في الإعلام والصحافة- والحمد لله- متطورة جدا، ولا يعوزها إلا الترتيب، والمنهجية العلمية، في ما يخص الموالاة والمعارضة على حد سواء، فهناك قنوات فضائية تبث برامج من الكويت، وتتحدث بحرية تامة في كل ما تريد.وفي المقابل فإن الكويت لا تزال محتفظة بمواثيقها التي مصدرها العادات والتقاليد، مما يجعلها ترفض أنواعا من الحريات، وهذا الأمر واجب الحدوث، فالكويت بلد عربي وله رؤيته الإسلامية، التي لا تقبل بعض الأمور التي قد تقبلها دول أخرى.هذا في ما يخص حرية الرأي في وسائل الإعلام المختلفة... وماذا عن حرية الرأي في المجالات الإبداعية من قصة وشعر ونصوص مسرحية، أعتقد- وقد يتفق أو يختلف معي الكثير في هذا الرأي- أن الكويت متأخرة في هذا المجال، وما يعكس ذلك الرأي هو أعداد الكتب والإصدارات التي تمنعها الرقابة، مع إنها مسموحة في عرف رقابة دول خليجية وعربية مجاورة لنا، ولا أعرف هل السبب في ذلك يعود إلى الرقابة الصارمة في الكويت التي تتحسس من الإبداع، رغم أن أعضاء هذه اللجنة من الأدباء والكتاب المشهود لهم بالتميز، ولكنهم في مسألة الرقابة ربما ينسون أنهم أيضا يمارسون الإبداع، ولقد اطلعت على بعض الكتب الإبداعية التي لم تُجز، فرأيت الكثير منها لا يضم أشياء تجعل لجنة الرقابة لا تجيزها، والقليل يحتاج إلى وقفة ومراجعة.وما أود قوله أن حرية الرأي في الشأن السياسي متطورة وواسعة لدينا، بينما لا تزال حرية الرأي في المجالات الإبداعية وإصدار الكتب متأخرة وضيقة.* كاتب وأكاديمي في جامعة الكويتalsowaifan@yahoo.com