في الشريعة الإسلامية، جعل الله للخيرات والبركات العظيمة أوقاتا معينة تتميز بها عن بقية الأزمان، فهناك أشهر حرم اختارها الله تعالى من كل أشهر السنة لتُعظّم. فمنذ أقل من شهرين، ودع المسلمون الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك ودعوا ربهم أن يعيده عليهم بالخير والإيمان، وها نحن الآن مقبلون على شهر عظيم آخر برز بركن من أركان الإسلام... شهر ذو الحجة.ما معنى «أشهر حرم»؟، هي أشهر خصّها الرب جل جلاله في تحريم القتال فيها وفي مضاعفة الثواب والعقاب فيها، وأتى ركن الحج فيها متماشياً ومتوافقاً مع تعظيم الأجور والذنوب، فالأيام الأولى من ذي الحجة هي أفضل أيام السنة، حتى أنها أفضل من أيام العشر الأواخر في رمضان، بخلاف لياليها. فليالي العشر الأواخر من رمضان، أفضل من ليالي السنة كلها حتى ليالي العشر من ذي الحجة، وهذه العظمة تدفع كل فرد ليتفكر ويتأمل في كيفية تطوير ذاته وترقية نفسه وتزكيتها كما يفعل في رمضان تماماً ومثلما يستعد له، لأن شهر ذو الحجة لم يُخصص فقط لحجاج بيت الله الحرام، بل شُرِع لغير الحاج الصوم في هذه الأيام الفاضلة، وبمقدور كلا الحاج وغيره أن يحجا بقلبيهما قبل بدنيهما سواء بالحج أو بالصيام.معنى كلمة «الحج» هي قصد أمر عظيم، والحاج إنما يقصد ربه وتوحيده ورضاه بقيامه بعدد من المناسك والشعائر، فلربما حج هذا الإنسان حجاً بدنياً شاقاً ومتعباً لكن ليس لقلبه حجة مع بدنه. ولربما صام أحدنا هذه الأيام دونما صوم قلبه قبل معدته، لقد جعل الله الحج لأسباب، أولها وأهمها وأكثرها ذهاباً وغياباً عن أذهاننا، هو قصد التوحيد، أن يقوم العبد بكل أعمال الحاج قاصداً وساعياً لرضا الله تعالى وحده لا شريك له، فيُعظِّم الحرم وعرفة ومزدلفة ومنى ويعظِّم الأوقات التي يقضيها في هذه الأماكن تعظيماً لمن أمره بالحج، ويصوم الإنسان بقلبه ولسانه وتفكيره ومعدته تعظيماً لمن أمره بالصوم، إن الحج ما دام مستقراً ثابتاً في قلب أحدنا لزمه حج البدن، وليس العكس صحيحا أو لازما، وكل ذلك لا يمكن أن يكون إلا بالتهيؤ والاستعداد لهذا الركن العظيم وبتعلمه وفهم مقاصده مع مناسكه لا ينفك فهم أحدهما عن فهم الآخر.إن من تعظيم هذه الأيام العظيمة وتعظيم شعائرها عدم الاستهزاء بما يتعلق فيها، فكما نرى أن للبعض روح دعابة وفكاهة دائمة ومستمرة، فيُشكرون على ما يبثونه في نفوسنا من أنس ومتعة، لكن قلةً منهم لربما اختلطت عليهم الأمور، فراحوا يلقون النكات على الصغير والعظيم في شؤون وأحداث الحياة، لذلك لا بد من وضع الحدود عند ما كرّمه وعظّمه الله عز وجل، فلا نضحك لنكتة عن الأضحية ولا نتفاعل مع رسالة تستهزئ بالهدي.ولنعلم أنه ما دام الإنسان يُكرِّم دينه ومبادئه بأقواله وأفعاله سيجعل لدينه هيبةً وعزةً أمام الغير.‏?‏jasmine_m_alj @