أثار طلب إدارة أملاك الدولة الحصول على 30 في المئة من إيرادات العقارات والأراضي الحكومية المنتفع بها والمؤجرة من الباطن، قبل خصم الاحتياطيات سواءً الاختيارية أو الإجبارية، وقبل التعامل مُحاسبياً مع ما تُسجله من مداخيل، جدلاً واسعاً لدى الجهات التي ينطبق عليها هذا القرار، لدرجة أن بعضها بدأ يفكر جدياً في التخلي عن تنفيذ مشاريع قائمة وأخرى تحت الدراسة.بداية الأزمة كانت مع شركة بورصة الكويت التي تم اختبارها قبل فترة بهذا القرار، حيث أعربت مصادر مقربة لـ «الراي» وقتها أن هذا الرسم يهدد مستقبل الشركة، لكن سرعان ما تحوّلت «البورصة» إلى نافذة في حائط أوسع من المستثمرين الذين يرون أن هذا الرسم بمثابة مشروع أزمة مرتقبة معهم.وفي هذا الخصوص علم أن الهيئة العامة للاستثمار القائمة على تأسيس شركة المستودعات الجمركية، فتحت حديثاً (تحت الطاولة) مع مسؤولين حكوميين، حول إمكانية الحصول على استثناء من هذا التوجه، حيث حذرت في حديثها الذي جاء في إطار غير رسمي من أنها امام خيارين، إما الرضوخ للقرار والمجازفة بمستقبل الشركة، اعتماداً على تمني الحظ الجيد في نتائج أعمالها المستقبلية، وإما العزوف نهائياً عن هذا المشروع لكونه غير مجدٍ لها.وبحسب مصادر، فإن «الهيئة» أبدت خشيتها من أن يكون الخيار الثاني الأقرب إليها رغم أنها قاربت على إنهاء صياغة عقد تأسيس الشركة واستشراف آراء ملاحظات الجهات المعنية عليه.وترى شركة المستودعات العامة والمنافذ الحدودية (المستودعات الجمركية)، والبالغة مساحتها 20.4 كيلو متر مربع، أن طبيعة نشاطها قائمة على إعادة تأجير غالبية أراضيها على مستثمرين، وأن اختصام النسبة المستهدفة من إجمالي إيراداتهما سيقودهما إلى الاصطدم بتعقيدات مالية، قد تمنعهما من تنفيذ خطط تطويرهما المستهدفة، وهذا الأمر ينطبق على شركة البورصة أيضاً، خصوصاً وأن هذه الرسوم تأتي في وقت يشهد تراجعا كبيرا في إيرادات أعمال مثل هذه الجهات، إضافة إلى شح السيولة، وتراجع معدلات الأموال المتداولة في جهة مثل البورصة لمستويات لم تشهدها منذ زمن طويل.من جهتها، تدفع وزارة المالية بمنطقية قرارها، إذ تؤكد على أحقيتها في الحصول على هذه النسبة من الجهات التي تقوم بالتأجير أجزاء من مشاريعها المنتفعة بها من أملاك الدولة لآخرين من الباطن، على اعتبار أن إعادة التأجير من الباطن يستلزم قانوناً دفع رسوم للدولة، لكن في المقابل تعارض العديد من الجهات هذا القرار، وتعتبره من الإجراءات غير الصحية لتحسين بيئة الأعمال.ومن الجهات المتفاعلة عكسيا مع القرار، غرفة تجارة وصناعة الكويت التي رأت منذ البداية أن تطبيق القرار سيؤدي إلى مضاعفة التكلفة على المستثمر من دون وجه حق، فيما ذهبت إلى أبعد من ذلك وشككت في قانونيته لأكثر من سبب.فمن ناحية (اعتبرته الغرفة) يلزم القرار الجهات التي ينطبق عليها دفع 30 في المئة من إجمالي دخلها وليس من الصافي، وهذا يؤثر بشكل كبير على مركزها المالي، كما أن تطبيقه يتعين أن يطول الشركات من الآن فصاعدا وليس بأثر رجعي، ويقصد بذلك الشركات القائمة والتي حصلت على أراضٍ من أملاك الدولة بعقود قديمة دون أن يتضمن تعاقدها ما يشير إلى وجوب دفع هذه النسبة.ورغم أن مرسوم تأسيس البورصة التي تم التعاقد على مبناها منذ السبعينات، يشير إلى أحقية وزارة المالية في تحصيل رسوم من فوائض السوق نظير تأجيرها المبنى، لكنه لم يعن ذلك أن يكون هذا الاستقطاع من صافي أرباحها، والفارق المالي بين الحالتين كبير جداً، فدفع الجهة المستفيدة من المبنى لرسوم سنوية من فوائضها مقابل استغلاله، مقبول، لكن دفع 30 في المئة من صافي إيراداتها أمر مرهق ماليا، ومن شأنه أن يؤثر على برنامجها للخصخصة كونه يخفض من أهميتها الاستثمارية أمام المستثمرين لجهة زيادة أعباء التزاماتها.علاوة على ذلك، فإن طبيعة عمل شركة مثل المستودعات الجمركية يعتمد في الأساس على إعادة تأجير الأراضي التي حصلت عليها من أملاك الدولة بحق الانتفاع، على مستثمرين آخرين، ومع فرض رسم الـ 30 في المئة على صافي مداخيلها من هذه الأراضي ستفقد الفكرة الاستثمارية وهجها، وستتراجع الجدوى منها، ما يدفع إما إلى التخلي عن فكرة تنفيذ المشروع من الأساس، وإما إعادة فرض رسوم إضافية على المستثمرين، وفي هذه الحالة ستزيد التكلفة من المشروع، وسترتفع على المستثمر وكذلك على المتعاملين معها، ما يهدد بفشل مثل هذه المشروعات.اعتبار آخر يزيد من سخونة النقاش في هذا الخصوص، فقد أفادت المصادر أن تطبيق هذا القرار يتعين أن يعتمد على بنود العقد مع الجهة المستثمرة لأملاك الدولة، فإذا قامت الجهة المستثمرة بتأجير الأراضي الحاصلة عليها من الباطن دون أن يتضمن العقد ما يشير لممانعة ذلك، فإنه يتوجب على المستثمر دفع هذه النسبة للدولة، على أساس أن فكرة عمل المستثمر لم تتضمن في التعاقد، ما يشير إلى اعتمادها على مستثمرين من الباطن.أما في حالة إذا كانت بنود العقد تفيد صراحة بأن نموذج أعمال الشركة يعتمد على إعادة تأجير الأراضي المنتفع بها إلى آخرين، مثال «المستودعات الجمركية» فإن ذلك يفترض ألا يستتبع على المستثمر دفع هذا الرسم، لأن ذلك يقود الدولة إلى مخالفة العقد، كما أنه يعزز فكرة أن الدولة انجرت وراء تعظيم إيراداتها، وهذا يخالف فلسفة الدولة الساعية إلى تحقيق غايات عامة، وليس الظهور بمظهر التاجر.وشددت المصادر على أن هذه القرارات ستنعكس على الأسعار الاستثمارية، وستقلل من أهمية الكثير من المشاريع، وهذا ما يحدث بالفعل، حيث أكدت مصادر مسؤولة أنه في حين لن تتراجع إدارة البورصة عن مسار الخصخصة الذي بدأته قبل فترة، إلا أن هكذا قرار يهدد مستقبل طرح أسهم الشركة على المستثمرين، ويفقدهم شهيتهم في هذا الخصوص.