أحمد عبد العزيز السعدون... من لا يعرفه في الكويت وخارجها. سياسي ارتبط اسمه بكل المحطات المعاصرة، مهادناً، موالياً، متعاوناً، محارباً، معارضاً، مشاكساً.من لا يعرف العزيز أبا عبدالعزيز وهو الذي - اتفقت أم اختلفت معه - كان «رمحاً لا ينكسر» كما كتبت «الراي» (تحديداً «الراي») عندما انزلق عن كرسي المجلس قبل أعوام، لأن السلطة الرابعة اعتبرت أن قامته الوطنية ملتصقة بتاريخه السياسي وليس بحضوره المجلسي فحسب... هكذا اعتبرت.اليوم، ومع وجود «أحمد سعدون» آخر، في ساحة سياسية مختلفة، وبلغة جديدة لم نعهدها منه، وبمواقف متناقضة لا تنسجم مع تاريخه، وجبت ربما إعادة النظر في مقاربة هذا التاريخ كي لا تطغى العاطفة على العقل، وحرصاً على صورة رجل لا يريد أحد لها - بمن في ذلك معارضوه - أن تتشوه ولو كان صاحبها اللاعب الأبرز في هذا التشويه.نعرف مسبقاً أن «جوقة» المدافعين عنك (وهي تقلصت كثيراً) ستعزف لحن الشتائم قبل الوصول إلى آخر كلمة في هذا التحليل، فأنت بالنسبة إلى البعض كامرأة القيصر فوق الشبهات. طبعا أنت لا تدعي ذلك لكن ما بقي من أنصارك يتحدثون همساً عن «قدسية» معينة تجعل انتقادك أو حتى إبداء ملاحظة ضدك نوعاً من «الكفر السياسي»، تماماً مثل بعض «شيوخ الطريقة» الذين يعلنون أنهم تحت النقد ومع حرية الرأي والرأي الآخر لكن أنصارهم يتحدثون همساً عن «كرامات» معينة لهم تجعل انتقادهم نوعاً من الكفر الديني.وبما أننا نتحدث في الكويت، وفي السياسة، وفي المنطق، وفي الوقائع والدلائل والتجارب، فلا قدسية لك ولا كرامات، وإنما احترام لقامة وتاريخ ومواقف تمنى كثيرون أن تحافظ عليها وألا تضيعها في معركة يتجه وقودها وجندها وشبابها إلى هدف واحد: العودة إلى كرسي الرئاسة أو الخراب.الواضح في كل مسيرتك السياسية أن «البراغماتية» هي العنوان الوحيد لها، وهي مسيرة غلبت فيها المصالح على المبادئ. بدأتها بدعم من التجار ثم قفزت إلى قارب الرياضة ثم قفزت منه عام 1981 إلى قارب الإسلاميين ثم انتقلت عام 1985 إلى قارب الليبراليين.الكبائر تصبح صغائر عندما تريد والصغائر تصبح كبائر عند الضرورة. فزت برئاسة المجلس عام 1992 بعد انتخابات فرعية جرت في اجتماع للنواب خارج البرلمان (ديوان الصانع) وهذا ما تعتبره اليوم من الكبائر. رفضت أي اجتماع له طابع برلماني سياسي خارج قبة البرلمان عندما لم تكن رئيساً وحضرت الكثير من هذه الاجتماعات عندما عدت رئيساً. وعلى سيرة الفرعيات، لا تنس أنك من صاغ قانون تجريمها وأدخلت الحكومة في صراع مع القبائل ومع ذلك فكتلتك ضمت خريجي الفرعيات كأعضاء.في مجلس 1992 الذي كنت رئيسه تم تمرير لجان التحقيق في كارثة الغزو وسرقات الاستثمارات الخارجية دون توجيه التهمة لأي شخص... ولن نتحدث بالتفصيل هنا عن قوانين الرياضة والإسكان والـ «بي أو تي» والرهن العقاري، وكلها شاركت في صياغتها ثم اتضح لاحقاً أن بعضها أقر لمجرد الإقرار من دون أي متابعة وأن بعضها الآخر أتى بنتائج عكسية.وفي مجلس 1993، ومع تعاظم الـ «أنا» والتفخيم الذي طالما ادعيت أنك ضده، أصدرتم قراراً بإنشاء «ديوان رئيس المجلس» تشبهاً بالديوان الأميري، وعينتم مديرين للديوان ووكيلاً للديوان بدرجة وكيل وزارة، ومستشارين للديوان... وهو الأمر الذي ألغاه المرحوم الرئيس جاسم الخرافي عام 1999.عام 1996 صرحت بعد الانتخابات بأن «هذا المجلس حكومي» ومع ذلك فزت بالرئاسة، وعام 1999 قلت إن «هذا أقوى مجلس مر على الكويت» ولم تفز بالرئاسة.تقدم الخطاب السياسي، محلياً وخليجياً وعالمياً وبات السياسي يفصح عن الأسماء الفاسدة ويحدد مقاصده، إلا أنت بقيت وحيداً تردد الكلمات ذاتها منذ السبعينات متحدثاً في كل المناسبات عن «الرهط التسعة الفاسدين، وقوى الفساد والإفساد» و«سيارات سوداء وبيضاء» و«حقائب تخرج من البنك المركزي»... لتعطي للحكومات أفضل نموذج للمعارضة السياسية المريحة.تحرص على المناسبات الاجتماعية ولكنك تكيل بمكاييل مختلفة وليس بمكيالين، فخصومك يقومون بكل واجباتهم الاجتماعية تجاهك لكنك لا تفعل العكس، وعلى سبيل المثال لا الحصر لم تصافح أو تزر الرئيس محمد العدساني منذ أن نافسك في انتخابات الرئاسة عام 1981 وحتى اليوم.ملأت الدنيا ضجيجاً إن فكر أحد في تعديل اللائحة الداخلية أو بعض بنود الدستور... فقط إن فكر، لكنك قدت مع الغالبية السابقة مشروعاً يتضمن تعديلات كثيرة، ثم قدت مشروعاً جديداً يتضمن تعديلات أكثر. كنت تقول إن «الأمة» ترفض أي تعديل للدستور إلا في ظل الاستقرار والإجماع وهذا صحيح، لكن المشروع الذي طرحته مع رفاقك عرض تعديلات جذرية في قمة اللا استقرار السياسي وفي ظل غياب الإجماع لمصلحة انقسامات حادة... أيضا مفهوم «الأمة» هنا يدور حول المصالح لا حول الثوابت الوطنية.المبدئية لا تعني أن أتحالف مع الإسلامي أو الليبرالي أو القبلي أو الحضري بغطاء وطني ومضمون انتخابي وفق حسبة أصوات الرئاسة. المبدئية لا تعني أن أدعو إلى «انتفاضة» شعبية إن تمت مساءلة مغرد أساء وشتم في الكويت، وأن أؤيد رئيس وزراء تركيا عندما يغلق (تويتر) و(يوتيوب). المبدئية لا تعني أن أقف مع نساء قطر في أول انتخابات بلدية وأن أصوت في الكويت ضد حقوق المرأة السياسية. المبدئية لا تعني أن أعتبر مسؤولاً بعينه رجلاً إصلاحيا فقط لأنه ليس على وئام مع مسؤول آخر خصم لك ثم أكيل له كل النعوت إن تصادق معه. المبدئية لا تعني أن أزايد على الجميع في الدعوة إلى الالتزام بالمؤسسات والعمل من ضمنها ثم أتبنى في لحظات معينة أي حجة ولو مفبركة لأدعو إلى تحركات في الشارع لتغيير المؤسسات وربما... ما هو أكبر.عندما استقرت الأمور بعد تحصين الصوت الانتخابي الواحد قضائيا، لم تترجم دعواتك الدائمة إلى احترام القضاء للعمل والتغيير من داخل المؤسسات، بل استمررت في تجييش من بقي معك في المعارضة ضد الانتخابات وفق نهج فسره العارفون بالشأن الانتخابي أنه نهج «مصلحي» قائم على قناعة بعدم النجاح وبالتالي عدم الوصول إلى كرسي رئاسة مجلس الأمة، وهو كرسي يملكه الشعب أساساً وفق التداول الديموقراطي وليس مسجلاً باسمك.وتأكيداً على أنها «حسبة انتخابية» لا أكثر، يسجل التاريخ بأن السعدون دعم المشاركة في انتخابات 1981 بوجه المقاطعين الذين قادهم الراحل جاسم القطامي الرافض لمراسيم الضرورة التي صدرت في تلك الفترة، ومنها مرسوم تعديل النظام الانتخابي من 10 دوائر إلى 25 دائرة. وعندما راهن على كتلة «الغالبية» باعتبارها «آخر تمثيل شرعي للشعب الكويتي في مجلس الأمة» لم يعط تفسيراً واضحاً لشرعية مشاركته في مجالس برلمانية منذ العام 1981 جاءت بعد تعديل النظام الانتخابي بمرسوم ضرورة، ولم يظهر أي احترام للحشود الشعبية التي ذهبت للإدلاء بصوتها «الواحد» في مراكز الاقتراع.والطامة الكبرى كمنت في انسياق «أسد الخالدية»، المخضرم، والخبير، وحامي الدستور، وراء مشاريع مشبوهة بحثاً عن فرصة جديدة، فوقع في مصيدة شريط الفتنة ليقاد هذه المرة ولا يقود، رغم أن الصغار لم تنطل عليهم الخديعة الكبرى، قبل أن يتراجع بلا اعتذار ويدير الموجة ناحية «المندسين» محملاً إياهم مسؤولية توريطه وتوريط رموز أخرى في أسخف وأحقر فبركة سياسية شهدها التاريخ السياسي الكويتي.انساق السعدون مع جوقة «الشريط» وهو الذي دخل عالم «تويتر» الجديد بعقل قديم لم يتجدد، فانفرد بأسلوب التواري خلف المقاصد، والتغريد بكلمات غامضة لدعم أصحاب الفتنة مثل كلامه عن «الفرنسي يخرع» و«بص العصفورة» في إشارة إلى الكاميرا والتسجيلات المفبركة. وعندما طالب الحكومة باللجوء إلى مؤسسات دولية بعينها لتبيان الحقائق رغم قناعته بالتزوير والتزييف «سايرته» الحكومة وذهبت إلى المؤسسات التي سماها، وعندما أعلنت هذه المؤسسات نتائجها الفاضحة للفبركة لم يكلف نفسه عناء التعليق أو الاعتذار.الخسائر المتلاحقة والضياع والتشتت والانسياق الساذج وراء شريط الفتنة، التي رافقت مسيرته ورفاقه في السنين الأخيرة، أفقدته القدرة على التوازن، فـ «حشد» قواه لمهاجمة «حشد» التي نصبته رئيساً فخرياً لها، مطلقا مواقف داخلية تتعلق بالعضوية وعناوين التحرك السياسي شكلت صدمة مدوية في صفوف «الشعبي» تزامناً مع ما اعتبره رفاقه تخلياً عن «رفيق الدرب» في محنته تاركاً إياه يواجه مصيره منفرداً بلا موقف جاد أو تعليق يليق بعشرة عمر من النضال... انفض الركب من حوله، فانقلب على الرفاق والأقرباء والأصدقاء وأصبح الجميع أعداءً له حتى لمجرد مخالفته الرأي.أراد المحافظة على تماسك آخر قوة سياسية تجتمع في ديوانه لعلها تصمد أمام رياح المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، غير ان العقد انفرط سريعا فجاءوا بـ «صوت واحد» يعلنون المشاركة... «شعبيون» وسلف و«إخوان»، ولا يزال السعدون يرصد المشهد رغم قساوته ومفاجآته التي كانت أخراها إعلان قريبين منه المشاركة ومنهم أحد أهم مسؤولي حملته الانتخابية وآخرون، ما يؤكد أن زمن التأثير «والميانة» السياسية انتهى إلى غير رجعة.دعاه رفاقه إلى الاعتزال قبل الانعزال، لكنه انتفض على ما اعتبره «مؤامرة» إقصاء، ففتح ملفات فساد «الحلفاء» التي كان عليها شاهداً وحاضراً... وصامتاً، مذكراً إياهم بفسادهم في الوزارات وتوسطهم على حساب القانون.ذكرَه رفاقه ببيت الإمام الشافعي: «لسانك لا تذكر به عورة امرئ... فكلك عورات وللناس ألسن»، فاختلت موازينه بعد سنوات طويلة، تأرجح فيها ما بين «اليمين» و«اليسار» و«الشمال» بحثاً عن «الرئاسة» وعندما ضاع «الكرسي»... «ثقلت موازينه».أحمد السعدون، النائب والرئيس و«الزعيم» و«المغرد» والعراب، كان له أن يطوي آخر الصفحات على وقار «وهيبة»، فاختار الردح والتجريح، في ظل سقوط قاس لا يليق بالكبار، وكم هو مؤلم أن تنتهي حكاية «الرمز» بتوقيع «الرموز» الذين رافقوا مسيرته لا بتوقيع خصومه.«رمح لا ينكسر»، كان العنوان عندما انزلقت عن كرسي النيابة. الكويتيون يريدونك أن تبقى رمحا في حضرة المبادئ يا أبا عبدالعزيز لا سهما في قوس المصالح، فالرمح يصمد في المعارك الحقيقية، إنما قد يكسره أيضا هوس الكرسي وتسويق الفبركات والترجمات التي اتضح أنها «ما تخرع»... أما التغريدات الجديدة على وزن «بص العصفورة» فهي لا تليق أساسا بالرماح... حدها أم صجمة!أحمد السعدون ليتك تنظر في المرآة وتسأل صورتك عن... تاريخها!