لم يكن يتوقع من أقر إنشاء مدينة الحرير السكنية في منطقة الصبية، أن يكون القرار ممهدا لاكتشاف كنز عظيم تختزنه المنطقة، وله قيمة عالمية نادرة نظرا لتاريخه الضارب في القدم، وأن العمل في تنفيذ ذلك القرار دون الاخذ بالدارسات الجيولوجية يهدد بتدمير هذا الكنز نادر الوجود، فضلا عن وجود خطر قد يهدد استيعاب مباني مدينة الحرير مستقبلا ان لم تدرس المواقع المرتبطة بالبراكين الطينية في المنطقة وظروف تكونها بشكل تفصيلي.فريق من الجيولوجين أكد لـ»الراي» ان المعالم المكتشفة حديثا في المنطقة نادرة الوجود وتعود لملايين السنين، واصفا اياها بـ»الكنز الجيولوجي» ومحذرا من أنها باتت مهددة بالتدمير، بل قد تم تخريب بعضها بعدما شرعت حفارات مدينة الحرير في التجهيز لبنيتها التحتية، مناشدا المعنيين سرعة وقف تدمير تلك المعالم.وشدد الفريق على أهمية ما تحتويه المنطقة من معالم جيولوجية وأخرى أثرية، لافتا الى عثور متخصصين في علم الآثار على أحفورة لحيوان يقدر عمره بـ 16 مليون سنة وفقا لدارسات سابقة، ووفقا لما اشار إليه الدكتور حسن اشكناني على موقع تراث الكويت. وأكد ان المنطقة تضم مواقع وظواهر جيولوجية نادرة على مستوى العالم، لا تشكل قيمة جيولوجية علمية للكويت وحسب، بل لندرتها فإنها ذات قيمة كبيرة على الصعيد العالمي، مشيرا في هذا السياق لما قام به أستاذ علوم الأرض والبيئة في كلية العلوم في جامعة الكويت البروفيسور مايكل دوين عام 2015 من اكتشاف عدة انواع من البراكين الطينية نادرة الوجود، فضلا عن ملاحظة الجيولوجيين الكويتيين أنواعا أخرى يتوجب دراستها لمعرفة المزيد من التفاصيل في المنطقة، والتي لا تزال تحت الأبحاث وتحتاج لعدة سنوات من البحث الطويل حسب تأكيد الفريق.وأوضح الفريق الجيولوجي الاختلاف ما بين البراكين الطينية المكتشفة في منطقة الصبية، والبراكين النارية المتعارف عليها، لافتا الى ان «البراكين الطينية تفرز عجائن طينية مصاحبة للمياه الساخنة وبعض الغازات مكونة حلقات دائرية مختلفة الأحجام».بداية يؤكد الجيولوجي سيد بهبهاني أن «البراكين الطينية الموجودة في موقع الصبية مدينة الحرير هي براكين نادرة وهي الوحيدة بالعالم المتواجدة على مناطق السبخات».ويضيف أن ما اكتشف من أنواع من تلك البراكين في منطقة الصبية يشكل قيمة علمية كبيرة للكويت، وتمثل احد المعالم الجيولوجية الهامة للباحثين حول العالم والتي يمكن الاستفادة منها علميا والتعرف على تكوينتها. وتابع «رغم أهمية تلك المواقع والبراكين الطينية على المستوى العلمي والثقافي ورغم إن الدارسات التي قامت بها جامعة الكويت مازالت في مراحلها الاولى، لكن فوجئنا عند زيارتنا الميدانية للمنطقة بوجود جرافات تعمل على هدم هذه الظواهر القيمة وتسوية الكثير منها بالارض فهل هذا مقبول؟!».وحذر في هذا الإطار من ان «الظروف التي سمحت بتكون هذه البراكين، كالزلازل والمياه الساخنة يمكن ان تكون قد سببت مسامات فراغية وفجوات في باطن الارض، مسببة بذلك خطورة في استيعاب المباني في بعض المواقع مستقبلا، وعليه نحذر من العواقب والكوراث الجسيمة التي قد تسببها ان لم يتم دراسة المواقع المرتبطة بالبراكين الطينية بشكل تفصيلي».وتكمل زميلته الجيولوجية سارة النومس، أن العمر الافتراضي لهذه الظواهر يعود لعصر الميوسين الجيولوجي، وان الفقاعات الغازية الخارجة من باطن الأرض في الموقع تحمل الكثير من الأسباب والقصص التي تجذب باحثي الجيولوجيا في جامعة الكويت والباحثين في القطاعات النفطية كذلك، فكل ظاهرة وان كانت أمام أعيننا بسيطة جدا فهي تحمل في طياتها الكثير من المفاجآت، وتلك المؤشرات هي بمثابة كنوز تحتاج لاكتمال الابحاث حولها.وتضيف أن «الكويت فقيرة بالمظاهر الجيولوجية فكيف باكتشافات جيولوجية نادرة الوجود؟، لذا وجب علينا ككويتيين أولا، وكباحثين جيولوجيين درسنا وعملنا في مجالنا ان ندافع عما نعمل وندرس من أجله، لذا أتمنى أن يؤخذ الموضوع بجدية وبعين الاعتبار والمحافظة على هذه المنطقة».ويضيف كبير الجيولوجيين مفرح الدخيل «للاسف ليس لدينا صفة رسمية للدفاع عن هذه المعالم، ولا نملك أي جمعية رسمية مصرح بها حتى نلجأ لها لكي تقف وتدافع عما نؤمن به، لكننا نتحدث عنها كوننا باحثين يحتم علينا الواجب الحفاظ على هذه المعالم». ويكمل «بعض تلك المساحات قد يعتقد البعض أنها مجرد صحراء بها صخور، وهي ليست كذلك، فنحن ننظر لها من زوايا أخرى، وعلم الجيولوجيا علم واعد في السنوات القادمة خاصة في مجالات البيئية، وعليه نتمنى مستقبلا أن نقف تحت ظل جمعية جيولوجية اسوة بالجمعيات الجيولوجية في العالم».ويشير كبير البتروفيزيائيين علي أبوغنيج إلى أن «البراكين الطينية تتعرض لخطر الازالة، شأنها كشأن الجرف الكلسي الوحيد في الكويت الذي تمت ازالته من منطقه الخيران بشكل كامل، رغم جميع المحاولات والمساعي التي قام بها مختصون، وعلى رأسهم الأستاذة في علوم الأرض والبيئة بكلية العلوم في جامعة الكويت الدكتورة فوزية حسين والتي قد استنجدت عام 2003 بإنقاذ هذا المعلم الجيولوجي الفريد من نوعه لكن لم تجد لمطالبها أذن صاغية».ويضيف ان «جامعة الكويت كانت تقوم بارسال طلابها لدراسةالجرف الكلسي بشكل دوري، قبل ان تتم ازالته. وقد يحدث الشيء نفسه للبراكين الطينية وحينها لن يجد طلابنا اي كشف جيولوجي قابل للدراسة. وعليه فإننا نطالب بسرعة وقف تدمير تلك المعالم». ويشير الى ان جمعية الاثار الكويتية قامت بتحويط 7 مواقع مجاورة لمواقع البراكين الطينية في المنطقة، حيث تم العثور على تمثال لسفينة قديمة ترجع للعصر العبيدي من قبل عالم اثار بريطاني، وذلك يؤكد ان الاثار مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمكاشف الجيولوجية، اذا ان الاثار لا تتواجد الا على معالم جيولوجية خصبة.وشاركت الجيوفيزيائية منيرة العوضي في الحديث بقولها «إن أبحاثاً قُدمت حول تلك المعالم، ومؤتمرات عالمية قد تُعقد اذا حافظنا على هذه المنطقة، إذ لا نرغب بالشعور بالأسف كما فعلنا سابقا عند تدمير الكتلة الخرسانية في لؤلؤة الخيران، دون احترام لكياننا وللوجود الجيولوجي في دولة الكويت، يالإضافة الى أننا وأثناء دراستنا في جامعة الكويت كنا نقوم بعمل رحلات خارج الكويت لدراسة الظواهر الجيولوجية، فلماذا نقتل ظاهرة فريدة من نوعها ونذهب للخارج لدراستها واستكمال دراساتنا العليا؟».وختمت حديثها مؤكدة ان «المحافظة على تلك المعالم ستزيد من احترام علماء العالم لنا كدولة تحافظ على ثرواتها العلمية المهمة، والتي ستكون موقع جذب لعلماء العالم لإكمال ابحاثهم العلمية في الكويت حول تلك الظواهر الجيولوجية الفريدة».ملاحظات وتمنيات
محليات
حفريات البنية التحتية لمدينة الحرير كشفت براكين طينية نادرة... ومناشدات بالحفاظ عليها لأهميتها العلمية والعالمية
كنزٌ جيولوجيٌ نادر تحت تراب الصبيّة
02:51 ص