أود أن أنقل للقارئ باختصار المحاكمة الدرامية للعالم العبقري غاليليو (1564-1642)، عالم الفلك والفيلسوف والرياضي والفيزيائي والطبيب والمخترع، وقد كانت الكنيسة الكاثوليكية إبان محاكمته تعيش صراعاً وتحدياً سياسياً كبيراً، يقابله صعود البروتستانتية، لذا فإن المحاكمة حقيقة كانت لأهداف سياسية.كان غاليليو في السبعين من عمره عندما أُحضر عنوة للمثول أمام محاكم التفتيش في 22 يونيو 1633، ونص محاكمته يزيد على 10000 كلمة، اقتطعت منها بتصرف ما يلي:«دانتك المحكمة المقدسة منذ 1615 لاعتقادك بصحة نظرية خاطئة تدّعي فيها ان الأرض تتحرك حول الشمس في شكل يومي، ولقنت تلاميذك هذه الآراء، ونشرت بعض الخطابات التي تكلمت فيها عن هذه النظرية، وفضلاً عن اتباعك نظرية كوبرنيك، تسوق بعض القضايا التي تتعارض مع الكتب المقدسة، فإن هذه المحكمة السامية المقدسة ورغبة منها في القضاء على الاضطراب والشر، ونزولاً عند رغبة صاحب القداسة وأصحاب النيافة المطارنة، فقد وضعت نظريتك على النحو الآتي:القول إن الشمس مركز العالم، قول سخيف خاطئ من الوجهة الفلسفية، وكافر من الوجهة الرسمية، لأنه يتعارض صراحة مع تعاليم الكتب المقدسة.القول إن الأرض ليست المركز الثابت، وانها تتحرك في شكل يومي هو أيضا قول سخيف وخاطئ من الوجهة الفلسفية، ويعتبر من الوجهة الدينية تجديف في العقيدة بالباطل.وبما أنك عوملت برحمة سابقاً، حين أمرك المجمع المقدس أمام صاحب القداسة سنة 1616 بأن تتخلى كليا عن تلك الاعتقادات الخاطئة، كما أمرك مأمور المحكمة بأن تتخلى عنها وإلا تعلمها لسواك وألا تدافع عنها، فإن لم تمتثل سُجنت.ورغبة في اقتلاع هذه العقيدة الهدامة اقتلاعاً تاماً، حتى لا تتاح لها أي فرصة للتغلغل الضار بالعقيدة، فقد أصدر المجمع المقدس للرقابة أمراً بمصادرة الكتب التي تشتمل على هذه العقيدة معلنا كذبها ومعارضتها التامة للكتب الالهية المقدسة.وبما أنك اعترفت بعد أن أقسمت اليمين بانك مؤلف وطابع كتاب - محاورات غاليليو غاليلي عن النظامين الرئيسين للعالم: نظام بطليموس ونظام كوبرنيك - واعترفت بأنك بدأت تأليفه منذ عشرة أعوام، وذلك بعد أن تم تحذيرك سابقا، ومع ذلك تجاسرت على أن تلج في آرائك وتثبت انها مرجحة.لذا وبعد النظر والبحث الوافي لقضيتك، بما فيها اعترافاتك واعتذاراتك، خلصنا إلى الحكم النهائي المسطر:باسم المسيح في بالغ قدسيته، وأمه مريم في بالغ مجدها، نعلن حكمنا النهائي بعد ان اجتمعنا للتشاور والحكم باصحاب النيافة أساتذة اللاهوت ودكاترة القانون من مساعدينا، نحكم ونعلن أنك غاليليو المذكور بسبب الأمور التي فصلتها الوثيقة، والتي اعترفت فيها بما سلف، فقد جعلت نفسك موضع الشك الشديد من هذه المحكمة المقدسة بأنك كافر.لأنك صدقت واعتنقت العقيدة الخاطئة، وبذلك استحققت العقوبة المنصوص عليها في الكتب المقدسة والخاصة على المارقين من طرازك.ويسرنا ألا نوقع عليك العقوبات، بشرط أن تقوم في حضرتنا بقلب مخلص وعقيدة صادقة، أن تتعظ وتلعن وتبغض الأخطاء والتجديفات، وكل خطأ يتعارض مع تعاليم الكنيسة الكاثوليكية.لكن خطأك وزيفك الهدامين لن يمرا من دون عقاب، فحتى تكون أكثر حذراً في المستقبل، وحتى يرتدع الآخرون من مثل هذا المروق، أمرنا بمصادرة كتاب - محاورات غاليليو غاليلي - بمرسوم عام، وحكمنا عليك بالسجن الرسمي طيلة المدة التي تروقنا، وأمرناك على سبيل التحية والكفارة بأن تقرأ خلال السنوات الثلاث المقبلة، صلوات الندم السبع مرة كل اسبوع».وهذا بعض مما أدلى به غاليليو: «أنا غاليليو غاليلي ابن المرحوم منسنزيو غاليلي من فلورنسا، وعمري 70 سنة قد حوكمت حضوريا، وأقسم راكعاً أمامكم يا أصحاب النيافة المطارنة، أني دائماً أؤمن وسأظل أؤمن بعون الله بكل ما تؤمن به كنيسة روما الكاثوليكية الرسولية أو تعلمه أو تحث عليه، ولما أمرتني المحكمة أن أتخلى عن الفكرة الزائفة القائلة إن الشمس مركز الكون، ونهتني أن أؤمن أو أعلّم تلك العقيدة الخاطئة، واعترف أني قمت بتأليف وطبع كتاب يتناول تلك الفكرة الفاسدة، لذلك حكم علي بأني من الكافرين، لأنني قلت إن الأرض ليست مركز الكون بل إنها تتحرك حول الشمس، فإني على استعداد أن أمحو من أذهانكم يا أصحاب النيافة الأمجاد تلك الريبة التي تحوم حولي، وبقلب مخلص وإيمان صادق ألفظ وألعن هذه الأخطاء، وكل خطأ لا يتفق مع رأي الكنيسة، وأقسم بأني لن أعود في المستقبل بالمشافهة أو الكتابة في هذا الأمر، وأقسم أني سأنفذ أدق التنفيذ كل الكفارات التي فرضت عليّ، ولو حدث في المستقبل لا قدر الله إن حنثت بوعودي، فإني أعرض نفسي لكل الآلام والعقوبات التي نصت عليها القوانين المقدسة».وللعلم، عقوبة الكافرين والمارقين كانت التعذيب إما بالحرق حياً، أو بتقطيع الأوصال والصلب، لذلك فإن الأمر كان حياة أو موتا.ومع ذلك عاش غاليليو وتخلد اسمه مع نظريته، وذهب إلى مزبلة التاريخ كل من حاكمه ووقف ضده.aalsaalaam@gmail.com
مقالات
ضوء
محاكمة غاليليو
11:46 ص