إذا كان مخرج مسلسل (ذاكرة الجسد) عرض كل أحداث المسلسل في أول 15حلقة وترك آخر 15 حلقة مفرّغة تماما من أي حدث ذي قيمة، مما أغضب كاتبة الرواية، حيث صرّحت لجريدة الشروق التونسية الأحد 26 / 12 / 2010، ص 27، قائلة:«بصراحة النصف الأول من العمل، أي 15 حلقة الأولى كانت جيدة... ثم بحكم إطالة العمل حتى يصل إلى 30 حلقة خرجوا عن النص تماما وأدخلوا شخصيات أساءت إلى العمل.ا.هـ»فيتجه ظني أن مخرج مسلسل (سمرقند) أيضا لم يوفق في توزيع الأحداث توزيعا صحيحا وسليما الذي يحسب على الزمن الفني للمسلسل؛ فجاءت أحداث على حساب أحداث، هناك أحداث لم تتضح فكرتها حتى الحلقة 15 من مثل السياق الثالث وهناك أحداث لم تتضح فكرتها حتى الحلقة 17 من مثل السياق الثاني، وهناك أحداث أبرز فكرتها من ثاني حلقة وهو السياق الأول وهناك أحداث أبرز فكرتها من ثالث حلقة، مما أفقد المسلسل الانسجام والتناغم التصاعدي، وأحدث خللا في تنامي الشخصيات وأثر تأثيرا مباشرا على الحوار.ارتكز مسلسل (سمرقند) على أربعة سياقات شكلت بيئة الحدث المتكامل من (بداية وذروة ونهاية) الحدث الذي تتمحور حوله ثيمة القصة. هذه السياقات التي ينتجها المخرج القائد للعمل الفني، بعيدا كل البعد عن المنجز الأدبي يجب أن توزع توزيعا صحيحا دون محاصصة خاصة إذا كان العمل الفني يتكون من ثلاثين حلقة. يؤخذ على هذه السياقات أنها لم تكن على وتيرة واحدة أو نمط واحد. ونبدأها بالأكثر عرضا وتوقا وشغفا لدى المشاهد.السياق الأول: الفنانة (أمل بوشوشة- نرمين) فنانة صاعدة ومتألقة وفرضت نفسها على الساحة الفنية بجهد ومثابرة وبذكاء خارق في انتقاء أدوارها، والناظر إلى أدوارها التي كانت تدور في فلك الأسر الارستقراطية أو الأسر السياسية بدءا من مسلسل ذاكرة الجسد ومسلسل الأخوة ومسلسل العرّاب... إلخ، عكس هذه المرة فقد جاءها دور مغاير لما مثلته قبلا، فهي ليست بحاجة إلى حظ متمثلا بشخصية صبي ينتشلها من واقعها كجارية متمردة ومتشردة ذات الوشوم الثلاثة تباع وتشترى في سوق النخاسة، وكان حري بالمخرج أن يترك هذا الدور يأخذ بعدا عاطفيا مؤثرا، بمعنى لو تركها توظف ملكاتها الفنية لكي تنتشل نفسها بنفسها دون أن يمد لها يد المساعدة لكان أفضل، ولو مد فترة معاناتها وعذاباتها وآلامها لعشر حلقات لكسب تفاعل جمهورها وسلب قلوب مشاهديها ومحبيها - أيضا - لكان أفضل له، إن مجرد مشهد واحد قامت به الفنانة أمل بوشوشة حينما أرادت أن تمحو آثار الوشم الذي على رقبتها بقطعة من الزجاج، فطرت به قلوب مشاهديها، فما بالك لو تركت بعدة عقد فنية صغيرة تصارعها وتستقوي عليها بأدائها، ولكن نرى المخرج قد قفز على الأحداث معها بالذات، وانتقص شيئا من ملكاتها الفنية حينما قام بإبراز دورها من ثاني حلقة، ترى لماذا أراد أن يبرز دورها من ثاني حلقة وهو يعلم يقينا بأن المشاهد سوف ينتظر بفارق الصبر السياق الذي تكون فيه؟! فضلا عن أن هذا السياق ارتبط بالسحر والشعوذة. وكثير من المشاهدين يتوق إلى مشاهد السحر– ولاسيما – النساء –إذا ما تعلق الأمر بالزوج والبيت وكيان المرأة وكرامتها، فالمرأة لديها استعداد أن تتعاهد من (الجني الأزرق) كما يقولون من أجل المحافظة على زوجها وبيتها وكيانها كامرأة، وهي معذورة في ذلك. الأمر الذي جعل من سياق الفنانة أمل بوشوشة، يطغى على السياقات الثلاثة المتبقية فتهاوت أمامه حتى نهاية الحلقة 15. هذا الدور المملوء وهذه الشخصية النامية والمتطورة تصاعديا،عزف المخرج عن استثمارها وتوظيف ملكاتها وقدراتها لآخر حلقة في المسلسل، محاولا تنميطها بعد الحلقة 15، حينما جعل من الجارية (نرمين) تهيم عشقا في (عمر الخيام) دونما توظيف هذا العشق في سير أحداث المسلسل، كما أن سوء التوزيع أثر على الزمن الفني ما انعكس سلبا على الأحداث؛ شاهدنا في الحلقة الأخيرة مواجهة العاشقيْن كانت فاترة وكان أداء تقريريا عمليا أكثر منه وجدانيا. لفت نظري حس الفكاهة لدى الفنانة أمل بوشوشة وكوميديا الموقف الذي يذكرنا بالفنانة أمل عرفة والفنانة نورمان أسعد.الفنانة (ميساء مغربي- الملكة تركان) شكلت مع الفنان أمل بوشوشة ثنائيا رائعا في الحوار من الأعلى إلى الأدنى ومن الأدنى إلى الأعلى، ولكننا لم نشعر بانفطار قلبها حينما شاهدت ابنتها بعد فراق دام 15 سنة بحال مزرية وبثياب رثة ومهللة وبرجل كسورة وبكدمات تستعمر وجهها، إن دخول الأميرة آتون إلى القصر وهي يائسة بائسة كان مؤثرا، وانضمامها إلى السياق الأول والرئيس المفعم بالإثارة والأحداث هذا الدخول خلا من عنصر الإثارة لما عانته. وشاهدنا استقبالا باردا من الأم الملكة يخلو من عاطفة الأمومة. فالفنانة ميساء مغربي أجادت دور الملكة باقتدار حديثا (نغمة ونبرة) غنجا، لباسا، نظرات موحية مونولوج متقن، رقي في الأداء، ولكنها لم توفق بتجسيد دور الأم. أتساءل: إذا كان (النقاش- الساحر) قد علم بالغاية من زيارة (نرمين) في الحلقات الأولى وأعدّ لها سلفا قنينة تفك سحر (الملكشاه)، وقد عرف أين مكان (الملكة زبيدة) عندما هربت، وعلم بأن (الملكة تركان) سوف تنجب ولدا، فكيف لا يعلم بأن الشعرة ليست هي من شعر (نظام الملك) بل هي شعرة أخذت من شعر ماعز؟!الفنانة (يارا صبري- الملكة زبيدة) قد ملكت ناصية اللغة العربية الفصحى رفيعة المستوى لفظا ومعنى ودلالة. وفي كل حلقة كانت تتألق بأدائها وفي ملء دورها، محاولتها لترويض وحش القصر وتطويع المستحيل كان في منتهى الذكاء للمخرج في إسقاطاته التي أرادها في هذه الشخصية، بغض النظر عن طريقة هروبها. في نظري كان دورها من أقوى أدوار المسلسل أداء ومضمونا، وإن غابت عنا أكثر من حلقة.الفنان(رشيد ملحس- الملكشاه)حاولت أن أكبح النفس عن الخوض في دوره حتى لا تتكسر صورة امرئ القيس في ذهني. ولكنني أجدني مرغما على أقل تقدير أن أطرح سؤالا: هل 15سنة هي فقدان ذاكرة أم سحر؟ فإذا كانت فقدان ذاكرة كيف له أن يسيـّر أمور الرعية؟! وإذا كانت سحرا فلماذا لم يتخلص من (الملكة تركان)؟! كان ينبغي على الفنان الكبير والقدير رشيد ملحس وهو الممثل والمخرج والإعلامي والصحافي أن يتدخل في دوره ويشير على مخرج المسلسل بالموضوعية فـ 15سنة مبالغ فيها. أيضا لم نجد ردة فعل كأب وكملك وليس أي ملك حينما دخلت ابنته بالحال التي عليها، كذلك مملكة مثل أصفان سيطرت على مجريات الحكم في عقر الخلافة العباسية ببغداد، يديرها شخص واحد هو نظام الملك، لا يوجد مجلس وزراء، ولا وزراء ولا حتى شخصيات بارزة في الحكم سواء أكانت عسكرية أم مدنية تستحق الذكر. في نظري هذا الدور كان مسطـّحا حتى نهاية الحلقة 16، ثم ملأه المخرج في الحلقة 17و 18ثم عاد هذا الدور إلى رتابته المعهودة وفقدان موضوعيته. أتساءل: إذا كان (الملكشاه) قد أمر(نظام الملك) أن يختار موظفيه من البيت السلجوقي، فكيف يختار حسن الصباح كاتبا لديوان (نظام الملك) وهو ليس من السلاجقة؟!الفنان عاكف نجم هو نجم بلا شك، ولكن شخصية ( نظام الملك) تنقصها عدة أبعاد منها(الدهاء الإداري، المكر السياسي، المناورة الحرة، الجدل الديني، التسيير الاقتصادي) حتى ترتقي إلى مقام دولة السلاجقة آنذاك.شهادة شكر وتقدير للفنان شيماء السبت فعلى قصر دورها تركت لنا أثرا طيبا وكانت علامة بارزة مثلتنا نحن- الخليجيين- خير تمثيل في هذا المسلسل الضخم.وللحديث بقية.* كاتب وباحث لغوي كويتيfahd61rashed@hotmail.com