لا تخفي مصادر سياسية لبنانية وثيقة الصلة بقوى «14 آذار» خشيتها مما تصفه باندفاعةِ تراكماتٍ واستحقاقاتٍ متعدّدة الجوانب أمنياً واقتصادياً واجتماعياً في الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة، بما يضع الحكومة اللبنانية التي تشكّل المؤسسة الدستورية الأخيرة التي تعمل بأدنى قدراتها أمام واقعٍ شديد الخطورة.وتستند المصادر في إبداء مخاوفها هذه الى ظواهر التراجع المتواصل والمتسارع في أيّ قدرةٍ سياسية داخلية على الحدّ من الانهيارات التي تضرب في الجسم المؤسساتي والتي لم تعد تُدرِجها المصادر في سياق الخلافات والانقسامات الداخلية والعجز عن إنهاء أزمة الفراغ الرئاسي فحسب، بل تتوجّس من ان تكون مخططاً مدروساً يراد له ان يوصِل لبنان الى متاهةٍ يُفرض معها تبديلٌ جذري في طبيعة نظامه.ذلك ان المصادر نفسها تكشف ان بعض ما دار في اللقاءات التي عقدها وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت مع شخصيات سياسية خلال زيارته لبيروت ترك خلاصاتٍ واضحة لدى هذه الشخصيات من ان باريس باتت تقف على مشارف يأسٍ، ولو لم تقرّ به علناً، من ايّ تَقارُب محتمل او ثغرة ممكنة في العقبة الإقليمية التي تمنع انتخاب رئيسٍ للجمهورية في لبنان.وفهمت هذه الشخصيات بوضوح ان المساعي الفرنسية المبذولة والمتواصلة مع ايران والسعودية منذ مدة طويلة لم ولن تبلغ اي مستوى من مستويات الآمال الفرنسية في إمكان تحييد الأزمة اللبنانية عن تداعيات الأزمة السورية.وتبعاً لذلك، استرعت النداءات المتكررة التي كان ايرولت يتوجّه بها الى اللبنانيين، سواء في مجالسه مع الشخصيات السياسية او في تصريحاته العلنية، انتباه غالبية القوى السياسية وبدت بمثابة رفْع التحذيرات الفرنسية للقوى السياسية الى أقصاها بقصْد دفع اللبنانيين الى لبْننة الحلّ بسرعة قبل فوات الأوان.ولكن المصادر لفتت الى ان الواقع الذي رسمه مشهد مجلس النواب الذي عجز في اليوم التالي لزيارة ايرولت عن تأمين النصاب لجلستيْ اللجان النيابية المشتركة التي تدرس ملف قانون الانتخاب وجلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي حملت الرقم 42 أَظهر بوضوحٍ كافٍ ان مخطط التعطيل المنهجي ماضٍ في خطٍّ بياني تَصاعُدي لا قدرة لأحد على وقفه.واعتبرت ان هذا الواقع يرسم مسبقاً شكوكاً عميقة للغاية حول الأهداف التي توجّه قوى التعطيل المؤسساتي في لبنان ولا سيما منها «حزب الله» وحليفه «التيار الوطني الحر» (بقيادة العماد ميشال عون) اللذين يمسكان بورقة التعطيل الضاغطة لفرض انتخاب عون رئيساً للجمهورية. علماً ان للحزب أهدافاً أبعد وذات سقف استراتيجي إقليمي إيراني تحديداً تتجاوز أهداف زعيم «التيار الحر» في الوصول الى قصر بعبدا.وثمة مخاوف متزايدة في هذا السياق من استعصاء التوافق على الرئاسة كما على قانون الانتخاب فيما يمرّ الوقت الضائع. وستكون هناك محطتان مقبلتان من شأنهما إثبات الخوف من إيصال البلاد الى متاهة الفراغ الشامل بقصد فرض واقع قسري، إما عبر فرْض سلة كاملة من الشروط للإفراج عن الأزمة الرئاسية، وإما تهميش موقع الرئاسة أكثر فأكثر في حال بلوغ مايو 2017 من دون انتخاب رئيس والاضطرار الى إجراء انتخابات نيابية جديدة قبل انتخابه. وهاتان المحطتان تتمثلان في الجولة الحوارية المقبلة المحدَّدة ابتداءً من 2 اغسطس المقبل ولثلاثة أيام متعاقبة في مقرّ رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، ومن ثم استحقاق التمديد او التعيين لثلاثة مناصب رئيسية قيادية في مؤسسة الجيش وعلى رأسهم قائد الجيش الحالي العماد جان قهوجي.وتميل المصادر الى توقع فشل جولة الحوار في الاتفاق على قانون انتخاب جديد كما تتوقع مسبقاً التمديد لقائد الجيش بما يعني ذلك من قناعة جميع القوى بتَعذُّر التوصل الى اي تبديلٍ سياسي وشيك من شأنه ان يحمل رئيساً جديداً الى قصر بعبدا.وكان لافتاً، امس، ما أعلنه رئيس البرلمان نبيه بري في افتتاح مؤتمر الاقتصاد الاغترابي اذ شدد على ضرورة «أن تعود مؤسسات الدولة للعب دورها التشريعي والتنفيذي وانجاز الاستحقاقات الدستورية وفي طليعتها انتخاب رئيس للجمهورية»، داعياً إلى «السير في خريطة الطريق عبر انتخاب رئيس واقرار قانون انتخابات نيابية يلحظ موقع الاغتراب وتمثيله والكوتا النسائية وخفض سن الاقتراع، وتشكيل حكومة اتحاد وطني»، مشدداً على ان «اتفاق الطائف ليس قرآنا ولا إنجيلا لكن ليس هناك أفضل منه الآن لذا علينا تطبيقه اولاً ثم العمل على تطويره».واذ أشار الى أن لبنان أفضل من بعض الدول الاوروبية من الناحية الأمنية «لكن هذا لا يجب أن يجعلنا ننام على حرير»، معتبراً «ان تحميل المسؤولية لـ (حزب الله) بسبب ذهابه لقتال الإرهاب في سورية أمر في غير محله، فالارهاب سبق ودق أبواب أقطار عدة في المغرب الى الخليج والاردن وأوروبا وافريقيا وآسيا الى السعودية من دون أن تكون مشارِكة في اي حروب بالاساس، وآن الاوان لنصدّق بعضنا ونصدّق خطر الارهاب».ودعا الى تصحيح العلاقات العربية والخليجية والسعودية تحديداً مع ايران وإعادة بناء الثقة فيما بينها «لان هذا يشكل ضرورة لبنانية وسوريّة ومصريّة وعراقيّة ويمنية وبحرينية اضافة الى كونه ضرورة سعودية وايرانية بل وإسلامية»، داعياً أقلّه الى «سلام بارد» بين السعودية وايران «يبرّد هذه الأجواء حتى نمرّ من هذه الأزمات».