تنتظر بيروت اليوم زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت الذي يأتي في مهمّةٍ محفوفة سلفاً بالشكوك لجهة القدرة الفرنسية على ابتداعِ مخارجَ لأزمة الفراغ الرئاسي في لبنان.ويبدو واضحاً أنّ الجانب الفرنسي حرص بنفْسه على خفْض سقف الطموحات التي تتّصل بتحرّك رئيس الديبلوماسية الفرنسية من دون ان يعني ذلك التقليل من أهمية استمرار باريس في فتْح قنوات الاتصال والمشاورات إقليمياً ولبنانياً في شأن الأزمة اللبنانية التي تعتمل منذ نحو 26 شهراً دخلت خلالها البلاد في نفقٍ مظلمٍ تتداخل فيه عناصر الاشتباك المحلّي مع حروب المنطقة.وعشية وصول ايرولت الذي سيُمضي في العاصمة اللبنانية يوميْن حافليْن باللقاءات مع عددٍ وافرٍ من الشخصيات الرسمية والسياسية والاقتصادية، قالت جهات لبنانية وثيقة الصلة بالتحضيرات للزيارة لـ «الراي» ان الفرنسيين لم يَدَعوا احداً يقع في وَهْمِ تضخيم التقديرات المتعلّقة بتحرّكهم، بمعنى أنهم أفهموا الجميع أنهم لا يُرسِلون أيّ مبادرة محدَّدة او مفصَّلة في جعبة ايرولت الى القوى اللبنانية.ولكن الدلالات البارزة للزيارة تكمن في رأي هذه الجهات في إصرار فرنسا على إشعار الأفرقاء الإقليميين المؤثّرين في الملف اللبناني، وبالأخص إيران والسعودية، بأنها لن تتراجع عن الإلحاح على ضرورة عزْل الأزمة اللبنانية عن تداعيات النزاع الاقليمي وتالياً وضْع حدٍّ للأزمة الرئاسية.وأشارت الجهات نفسها الى انه وسط تَرقُّب ما يمكن ان ينقله ايرولت الى الزعماء والسياسيين اللبنانيين، بدا لافتاً حصول نوعٍ من تَناسُق المواقف بين فرنسا والأمم المتحدة حيال التشديد على مسؤولية اللاعبيْن الايراني والسعودي في حلّ الأزمة الرئاسية اللبنانية. ذلك ان المنسقة الخاصة للأمم المتحدة سيغريد كاغ كانت طالبت في تقريرها عن لبنان الى مجلس الأمن الجمعة الماضي بالتحرك لدى ايران والسعودية من اجل تسهيل الحلول السياسية في لبنان بما يُعتبر اعترافا أممياً واضحاً بالأثَر الكبير لإيران اسوة بالسعودية في لبنان. كما ان باريس تعمل على هذا المحور منذ وقتٍ بعيد ولم توفّر مناسبة إلا وحاولت معها اقناع طهران والرياض بجعل الحلّ الرئاسي اللبناني فاتحة مهادنة بينهما أقلّه في لبنان.ولذلك تقول الجهات المعنية بزيارة ايرولت ان مفتاح الأزمة وقِفلها سيكونان في مكان واحد وهو معرفة ما اذا كانت أجواءٌ او معطيات جديدة باتت تسمح بالرهان الواقعي والجدّي على حلحلة ايرانية - سعودية يمكن لفرنسا كما للاعبين دوليين آخرين ان ينطلقوا منها لإحداث اختراق في الأزمة الرئاسية والمؤسساتية في لبنان.ومن هذا المنطلق، لفتت الجهات الى ان جدول الزيارة يتميّز باتساعٍ بحيث تشمل لقاءات الوزير الفرنسي مروحةً شاملة من القوى بمَن فيهم هذه المرّة رئيس الكتلة النيابية لحزب الله النائب محمد رعد، بالإضافة الى زعماء سياسيين من بينهم المرشّحيْن الأساسييْن للرئاسة العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية.كما أشارت هذه الجهات الى انه بطريقةٍ غير مباشرة سيلتقي ايرولت مرشحيْن بارزيْن آخريْن من خارج نادي مرشحي زعماء الأحزاب، اذ سيكون له لقاء مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في إطارٍ أُدرج رسمياً في سياق البحث في الواقع الاقتصادي والمالي الذي يقلق فرنسا كثيراً ولا سيما في ضوء قانون العقوبات المالية الأميركية على «حزب الله» وما أثاره من إرباك داخلي. كما سيلتقي قائد الجيش العماد جان قهوجي في إطار دعم فرنسا للجيش، ومع ذلك يصعب فصل الإيحاءات الرئاسية كلياً عن هذيْن اللقاءيْن.وبعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي، يضرب البرلمان موعداً مع الجلسة 42 لانتخاب رئيسٍ للجمهورية المحدَّدة يوم الأربعاء، والتي لن يختلف مصيرها عن المحطات السابقة التي خلصت الى عدم توافر النصاب (86 نائباً من اصل 128 يتألف منهم البرلمان) نتيجة تعطيله من «حزب الله» والعماد عون في موازاة رفض المرشح فرنجية المدعوم من الرئيس سعد الحريري النزول الى جلسة لا يشارك فيها «حزب الله».وفي موازاة ذلك تتّجه الأنظار الى جلستين تعقدهما الحكومة، واحدة يوم غد مخصصة للوضع المالي وثانية الخميس لمناقشة جدول أعمال عادي على ان يغيب عنها ملف النفط والغاز، الذي اتخذ منحى انفراجياً مبدئياً من خلال التفاهم حوله بين الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون، وذلك لعدم دراسته بعد من اللجنة الوزارية المختصّة وإفساحاً في المجال امام «تبريد» التحفظات التي برزت لدى بعض القوى السياسية حيال تظهير بري وعون وكأنهما لوحدهما صاحبيْ الحل والربط في ملف حيوي له تداعيات على مستقبل لبنان الاقتصادي والمالي وعلى مجمل موقعه الاستراتيجي في المنطقة.
خارجيات
زيارة إيرولت للبنان اليوم أكثر من «استطلاع» وأقلّ من مبادرة
05:25 م