ليس مستغرباً ان تعيش بيروت «عمى سياسياً» في ظلّ تسليمها بارتباط أزماتها بانقشاع «العاصفة» في المنطقة، ولكن العاصمة اللبنانية تشهد هذه الأيام مستوى أكثر تقدُّما في «سوء الرؤية» وسط طغيان معادلة «الشيء وعكسه» في قراءة تطوراتٍ داخلية، في السياسة والأمن والنفط، ما جعل البلاد تغرق في دوّامةٍ من التكهّنات والسيناريوات المتناقضة.وعشية عيد الفطر، بدا ان أيام العطلة ستكون فسحة لنضوج المقاربات لمناخيْن متقابليْن سادا المشهد الداخلي في الأيام الماضية حيال ملف الفراغ في رئاسة الجمهورية الذي يدور في حلقة مفرغة منذ 25 مايو 2014، الاول أوحى بوجود بوادر انفراجٍ على «الطريق الى قصر بعبدا»، والثاني حمل «رياحاً معاكسة» مفادها ان انسداد الأفق الخارجي ما زال «مانعة حلٍّ» رئيسية.وفي مقلب المقتنعين بأن «شيئاً ما» غير مسبوق يحصل على خط إمكان الإفراج عن الاستحقاق الرئاسي في الأسابيع المقبلة، ارتكازٌ على مجموعة مؤشرات أبرزها:* الحِراك الداخلي الذي أطلقه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع علناً في اتجاه الرئيس سعد الحريري في محاولة لتوفير أرضية داخلية تتيح تعطيل «صاعق التعطيل» الرئاسي الذي يتحكّم به «حزب الله» من خلال رفْضه ممارسة اي ضغوط على حلفائه لضمان انتخاب العماد ميشال عون (مرشح الحزب وتؤيده «القوات») وتذرُّعه ضمناً بعدم قدرته على «تحمُّل» وصول رئيسٍ لا يوافق عليه تيار «المستقبل» الذي يتمسك حتى الساعة بترشيح النائب سليمان فرنجية.وشملت حركة جعجع ايضاً النائب وليد جنبلاط الذي كان أعطى اشارات بالغة الدلالات الى موافقته على انتخاب عون ناصحاً الحريري في شكل غير مباشر بتجرُّع هذه «الكأس المُرة» وحتى «السلّة الكاملة» للحلّ التي اقترحها رئيس البرلمان نبيه بري ومن خلفه «حزب الله» والتي تجعل الرئاسة مدخلاً لترتيبٍ مسبق لمجمل مرحلة العهد الجديد سواء في ما خص قانون الانتخاب والحكومة رئيساً وتركيبة والبيان الوزاري وقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان وموقع لبنان العربي.* حركة المرشّح سليمان فرنجية في اتجاه باريس وما تردّد عن انه التقى فيها قبل أيام ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان وبعض المسؤولين الفرنسيين الذين يستعد من بينهم وزير الخارجية جان مارك ايرولت لزيارة بيروت ابتداءً من 12 الجاري في إطار مهمة ذات صلة بملفيْ الرئاسة والنازحين.* «التفاهم النفطي» المباغت الذي حصل بين بري وعون وأَنزل ملف النفط والغاز من «على رف» الخلافات التي عرقلته لنحو 3 سنوات، وهو ما قرأته دوائر سياسية على انه في سياق تحضير الأرضية لإنجاز الانتخابات الرئاسية وتفكيك «الموانع»، من جانب عون، اولاً داخل بيت «8 آذار» في موازاة معاودة فتح قنوات الاتصال مع الحريري، وسط معلومات عن ان زعيم «التيار الحر» يتحضّر لزيارة رئيس البرلمان الذي يُعتبر من المتحفّظين على انتخابه رئيساً.* الاستقبال البارز من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز للحريري حيث تناول الإفطار على مائدته الى جانب رئيس افغانستان أشرف غني ورئيس الغابون علي بونغو وعدد من الامراء وكبار المسؤولين السعوديين، وسط توقف اوساط سياسية عند جلوس الحريري قرب ولي العهد الامير محمد بن نايف (كما كشف موقع «أم تي في» اللبنانية) الذي كان قيل الكثير عن فتور في العلاقة بينه وبين زعيم «المستقبل».ورغم التعاطي مع هذا التطوُّر على انه قطَع الطريق على كل التشكيك بمكانة الحريري لدى السعودية، فإن الاوساط السياسية ترى ان تكريس زعيم «المستقبل» مجدداً وبصورة لا لبس فيها الزعيم السني الاول في لبنان يفترض ان يرتّب تداعيات على صعيد دعم مقاربته للملف الرئاسي، وإن كانت تقارير في بيروت اشارت الى ان البحث مع القيادة السعودية تناول مجمل وضعية فريق «14 آذار» من ضمن رؤية الرياض للواقع اللبناني ومشروع «حزب الله».وفي موازاة اعتبار الأوساط السياسية عيْنها ان مجمل هذا الحِراك هو «تحمية» تلاقي اللقاءات على صعيد عواصم القرار الاقليمي والدولي الرامية الى ترتيب وضع المنطقة، فإن «المنتمين» الى مناخ التشاؤم يرتكزون على مؤشرات وثوابت أبرزها:* عدم إمكان تصوُّر الإفراج عن الملف الرئاسي بمعزل عن تفاهم اقليمي يبدو بعيد المنال ولا سيما بين السعودية وايران، إلا إذا قررتْ «14 آذار» التسليم لـ «حزب الله» بكامل شروطه الرئاسية وأكثر.* الانطباع بأن «الفيتو» الفعلي لـ «حزب الله» هو أبعد من اسم رئيس الجمهورية بل يركّز أكثر على هوية رئيس الحكومة، وان عودة الحريري الى هذا المنصب لا يمكن ان تكون بمعزل عن انتفاء المبررات الاقليمية الكبرى التي أمْلت الانقلاب على حكومته في يناير 2011.* المعلومات عن ان الرياض قطعت الطريق على طرحٍ ايراني جرت محاولة لتسويقه فرنسياً استباقاً لتغيير الادارة الاميركية في نوفمبر المقبل على قاعدة ربْط الافراج عن رئاسية لبنان بإسقاط «الفيتو» الدولي عن بقاء الرئيس بشار الاسد في الحكم والتفاهم المسبق على اسم رئيس الحكومة اللبناني ومناصب قيادية أمنية ومصرفية، وهو ما رفضته الرياض خلال زيارة الامير محمد بن سلمان لباريس.* الانطباع بأن السلّة التي اقترحها بري هي «هروب الى الأمام» لتفادي إعلان فشل طاولة الحوار الوطني وتبرير بقائها كنقطة التقاءٍ طائفيّ والأهمّ مذهبيّ في منطقةِ «التقاتل على المذهب».وبين المناخيْن المتقابليْن، تخشى دوائر مطلعة ان يكون استهداف تفجيرات انتحارية منطقة القاع المسيحية الاسبوع الماضي فاتحةَ مرحلةٍ أمنية سيكون من الصعب احتواء تداعياتها التي ستضغط بالدرجة الاولى على «تيار المستقبل» لجهة انتزاع مرونةٍ في الملف الرئاسي اذا كان ثمة قرار إيراني بإنجاز الاستحقاق في توقيتٍ باتت تراه طهران ملائماً.
خارجيات
تقرير / حركة داخلية وكوابح إقليمية وتَدافُع بين الانفراج والانفجار
لبنان «الغارق» في «العمى السياسي» يرى الشيء و... ضدّه
05:25 م