الرحمة...الله خلقنا وصورنا في أحسن صورة، خلق الرحمة ليستحوذ على تسع وتسعين منها، ووضع رحمة واحدة في الأرض مقسـّمة على جميع مخلوقاته، رحمة واحدة نتعايش بها، رحمة الأمهات على أولادهن، ورحمة الآباء على أبنائهم، ورحمة الأبناء على الوالدين، ورحمة الأخوة والقرابة والصداقة والجيرة والأزواج، ورحمة الديانات والمعتقدات، ورحمة الدول فيما بينها تجدها في الكوارث فالكل يهب إلى مساعدة الآخر، بصرف النظر عن تباين الديانات والمعتقدات واللغات، ناهيك عن رحمة الرفق والرأفة بالحيوانات والبيئة، يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم «إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف» صحيح مسلم. وعن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «عـُذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ سجنتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» رواه مسلم. ورحمة الحيوانات فيما بينها، والقصص كثيرة في هذا الشأن. فما بالك برحمة الله عز وجل التي بلغت تسعا وتسعين، قال تعالى: ?الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ? الفاتحة: 2و3، فهو عز وجل رحمن الدنيا والآخرة، وقد سمى سورة باسمه هي سورة الرحمن وبدأها بقوله عز وجل ? الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ? الرحمن: 1- 4، وهو عز وجل رحيم على عباده ومخلوقاته، قال تعالى: ? وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ? المؤمنون: 118.والله حينما خلقنا كان رحيما حتى في من يختاره ليكون رسولا له في الأرض يدعو إلى الإيمان بالله. فالله يختاره واحدا من بيننا ليتلمس أحاسيسنا، ويشعر بآلامنا، ويرفع من معنوياتنا، قال تعالى: ? لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ? التوبة: 128، وقال تعالى: ? فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ... ? آل عمران: 159. ورحمة الرسول صلى الله عليه وسلم وصلت إلى قوله عليه أفضل الصلاة «ألا أنبئكم بما هو خير لكم وأفضل من أن تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربون رقابكم ؟ ذكر الله».- بر الوالدين: تربية سماوية إسلامية أخرى تحث على طاعة الوالدين، فقد ربط الله عبادته بالإحسان إلى الوالدين، تشريفا لمكانتهما عند الله – ولاسيما – عند تقدمهما في السن، وهذا ما امتاز به الدين الإسلامي وهو ارتباط الفرد بوالديه والقيام على خدمتهما إلى آخر العمر، قال تعالى: ? وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ? الإسراء: 23.خصوصية بر الأم: ? وَ وَصَّيـْنـِا الإنـْسـَانَ بـِوَالـِدَيـْهِ حـَمـَلـَتـْهُ أُمُّهُ وَهـْنـًا عـَلى وَهْـنٍ وَ فـِصـَالـُهُ فـِي عـَامـَيْنِ ? لقمان: 14. يحكي لنا أحد الباحثين على لسان أميركي أسلم؛ حينما سـُـئل لماذا اعتنقت الدين الإسلامي؛ قال «أذكر عندما كنت تلميذا في المدرسة كانت أمي عوراء بعين واحدة، وكان منظرها مخيفا ومقززا وقبيحا كونها عوراء؛ فكنت أتحرج جدا أن أمشي أو أخرج أو أرافقها في أي مكان، وغالبا ما كنت في صراع معها إذا زارتني في المدرسة وشاهدها أصدقائي وهي بعين واحدة، ومع قسوتي عليها وإحراجها وقد تصل الأمور بيني وبينها إلى أن أتلفظ عليها بكلمات غير لائقة وبعصبية تفقدني أدب الحديث ولياقته، كانت في المقابل تحن عليّ وتتقبل مني هذه الهفوات بقلب طيب لا يعرف الحقد والكراهية، لقد تحملتني جنينا وتعبت معي صغيرا وها هي الآن تتقبل مني هذه القسوة. مرّت الأيام وتوالت السنون فقد أنهيت دراستي الجامعية، وذهب للعمل في سنغافورة وهناك تزوجت ورزقني الله بأولاد، وذات يوم وبعد طول فراق بيني وبين أمي التي تركتها في أميركا، اشتاقت إليّ فزارتني فجأة، وعندما طرقت باب بيتي وفتحت لها الباب برفقة أولادي، وحينما شاهدها الأولاد بعين واحدة عوراء انتابهم الخوف والهلع وتداروا خلفي، وهنا وعلى باب المنزل نهرتها وعـنـّـفـتها بقوة لزيارتها لي وتسببها بخوف الأولاد، فبكت، وأفلت راجعة إلى أميركا، ولم تمر السنة حتى جاءني نبأ وفاتها، فذهبت لحضور جنازتها، وقد تركت لي كل شيء؛ وكتبت لي رسالة قبل وفاتها تعتذر فيها عن مجيئها المفاجئ وإخافتها للأولاد، وطلبت مني أن أسامحها على كل ما تسببت لي فيه من إحراج مذ كنت تلميذا، وحكت لي حادثة صارت لي وأنا صغير حيث تعرضت إلى الاصطدام من قبل سيارة مجهولة، فقدت على إثرها إحدى عينيّ، فقامت أمي بالتبرع بإحدى عينيها لي، كي يكون نظري معتدلا ومنظري جميلا، مضحية بنصف نظرها، وبكل جمالها. هنا عرفت أن الإسلام هو الذي يعرف قدر الأمومة، وهو من بين الأديان كلها كرم الأم ليس يوما في السنة أو الشهر أو الأسبوع، إنما كرمها وقدرها في كل لحظة، وفي كل همسة – ما أعظمك يا أمي».* كاتب وباحث لغوي كويتيfahd61rashed@hotmail.com
محليات - ثقافة
مثقفون بلا حدود / في رحاب القرآن الكريم
د. فهد سالم الراشد
10:03 ص