لا تبدو صورة المشهد السياسي في لبنان أقلّ تعقيداً من المشهد الأمني الذي بات الهاجس الكبير الذي يظلل أزماته منذ الاثنين الماضي مع الهجمات الانتحارية التي اقتحمت بلدة القاع المسيحية الحدودية مع سورية.ذلك ان بداية تسليط الأضواء على بعض التحركات والتطورات الداخلية التي حصلت في بحر الاسبوع الماضي لا يزال يكتنفه غموض واسع مع كمّ وافرٍ من الشكوك في الأفق المتاح واقعياً لإحداث فجوة في أزمات هذا البلد الشديدة الترابُط بين وقائع متوازنة سلبياً تجعله يقف دائماً عند حدود الحفاظ على استقرارٍ هش والترنح نحو الانهيار.وفي هذا السياق، لم يكن غريباً ان يثير إعلان اتفاق او تفاهم ثنائي بين حركة «امل» التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري و «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون حول ملف التنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية الاقليمية دهشةً سياسية ويطرح تساؤلات واسعة عن سرّ الدفع القوي الذي مارسه بري للتوصل الى هذا التفاهم مع التيار العوني الذي يناهض رئيس البرلمان انتخاب زعيمه (عون) رئيساً للجمهورية.وبصرف النظر عما اذا كان تَفاهُم الفريقين سيشق طريقه نحو مجلس الوزراء لإطلاق عملية طويلة المدى للبدء في التنقيب عن النفط بعد طول تجميد بسبب الخلافات بين هذين الفريقين تحديداً في الأعوام الثلاثة الأخيرة، فان تساؤلات أبعد طُرحت عن الملف الرئاسي وما اذا كان التفاهم النفطي سيشكل علامة تَحوُّل في موقف بري من ترشيح عون للرئاسة.والواقع ان هذا التطور اتخذ بُعده السياسي في ظل تَزامُنه مع تحرّك بدأه زعيم «القوات اللبنانية» سمير جعجع من خلال لقاءين عقدهما تباعاً مع كل من والزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط الرئيس سعد الحريري. واذ تبيّن ان اللقاءين غلبت عليهما عملية إعادة ترتيب العلاقات بين «القوات» وكل من «تيار المستقبل» والحزب «التقدمي الاشتراكي» فان عنوانيْن كبيرين ظللا تحرك جعجع هما التفاهم مع الحريري وجنبلاط على التوافق على مشروع قانون انتخاب وضعته القوى الثلاث سابقاً وكذلك البحث في أفق تحريك الأزمة الرئاسية على قاعدةٍ طرحها جعجع وهي الدفع نحو انتخاب عون رئيساً للجمهورية.وتقول مصادر واسعة الاطلاع ان اي إشارة عملية لم تصدر عن جانب الحريري او الدائرة المحيطة به تدلّ حتى الآن على انه مقتنع بتغيير خياره في دعم ترشيح النائب سليمان فرنجية ولو ان هناك ارتياحاً واسعاً لدى هذا الفريق الى عودة الحرارة الى قنوات التنسيق والحوار واللقاءات المباشرة مع «القوات اللبنانية». كما ان اوساط «القوات» لا تتحدث عن اختراق في ملف الرئاسة بعد، ما يعني ان مسعى جعجع لا يزال طي المرحلة التجريبية والطرح المبدئي لوجهة نظره.كما ان المصادر المطلعة تؤكد ان الدوائر المحيطة ببري تجزم بأن لا صلة بين تفاهمه مع «التيار الوطني» حول ملف النفط والموضوع الرئاسي ولا صحة تالياً للتقديرات المغالية في تصوير هذا التفاهم جسر عبور لحسم موقف بري ايجاباً من انتخاب عون. علماً ان رئيس البرلمان لا يزال متمسكاً بترْك موقفه من الخيار الرئاسي متفلتاً حتى اللحظة الحاسمة التي تملي عليه إعلان هذا الموقف.وتلفت المصادر نفسها الى انه سيتعين على القوى الداخلية انتظار إشارات معينة تصدر عن الفريق الحريري في قابل الايام، خصوصاً بعد استقبال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للحريري مساء السبت واستضافته الى الافطار في مكة ولو الى جانب ضيوف للمملكة مثل الرئيس الأفغاني. اذ انها المرة الاولى منذ مدة طويلة التي ظهرت فيها صورة خادم الحرمين مستقبِلاً الحريري، وهو أمر له دلالته خصوصاً وسط اشتداد الأزمة المالية التي يعانيها الحريري على رأس شركته في المملكة العربية السعودية، كما في البعد السياسي الداخلي الذي قد تتركه هذه المبادرة متى تبيّن انها كانت مدروسة وتتضمن رسالة سعودية معيّنة حيال وضع الحريري تحديداً.وفي اي حال، لا تبدو المصادر المطلعة مقتنعة بان ثمة افقاً متاحاً لتبديل وقائع الأزمة الرئاسية وتستبعد وفق الواقع القائم اي فرصة واقعية امام تبديل «الستاتيكو» الداخلي لمصلحة ترجيح كفة مرشح رئاسي على آخر خصوصاً ان معطيات الارتباط بين الأزمة الرئاسية والمعطيات الاقليمية آخذة بالاشتداد وليس العكس.وفي هذه الأثناء، لم يخرج الواقع الأمني من دائرة الاهتمام. وفيما حلّ «الويك أند» الأوّل بعد تفجيرات القاع الانتحارية صاخباً بالحياة والسهر في بيروت وغالبية المناطق التي بدا واضحاً انها تجاوزت كل المناخ التهويلي الذي ساد في الأيام الأخيرة حيال المخاطر الأمنية ومخططات استهداف مراكز سياحية وتجمعات سكنية، اتجهت الأنظار الى مغازي ما كُشف عن عملية نفذها «حزب الله» في جرود القاع وأدّت الى مقتل مسؤول العمليات العسكرية لهذه المنطقة في تنظيم «داعش» المدعو «أبو خطاب» مع عدد من مرافقيه، بعد استهدافهم بصاروخ موجّه من مسافة قريبة.واكتسب هذا التطور أهمّيته لأنه أعقب إعلان الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الجمعة «اننا لن نسمح بتهجير أهل القاع، وهي بالنسبة إلينا كالهرمل، وعرسال كاللبوة. وسنكون خلف الجيش، وإذا أراد فسنكون أمامه للدفاع عن أهلنا في القاع».