لسنا ببعيدين عن أي حدث يقع في أي بقعة على الأرض، نتيجة لما تتضمنه المنظومة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في كل دول العالم من ارتباط لا يمكن التخلص منه بسهولة، والأحداث العالمية قديما وحديثا تؤكد ذلك.فحينما وقعت الحربان العالميتان الأولى والثانية، لم يتأثر بهما من افتعلهما ومن شارك فيهما بشكل رئيس، ومن كان يتطلع من خلالهما إلى مصالح بلده، بل إن الحربين جرّت في سياقهما كل العالم، خصوصا في دولنا العربية، التي كانت بعض أراضيها جزءا من ساحة هاتين الحربين.وانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، والذي جاء من خلال تصويت شعبي، وبفارق ضئيل جدا، يدعونا بشكل جدي إلى التفكير في أمور كثيرة... أهمها لمَ تأسس الاتحاد الأوروبي، ولمَ ينفرط عقده الآن، والأهم من كل هذا... لماذا صوت الشعب البريطاني على الخروج من الاتحاد الأوروبي بهذا الفارق الضعيف... وما الأثر الذي يجب أن يتركه هذا القرار في نفوسنا كعرب ومسلمين؟!أسئلة كثيرة تدور في رأسي، وفي حقيقة الأمر لا أجد لها إجابات تريحني، وتجعلني لا أضطر إلى أن أقلق على منظومتنا العربية والإسلامية المشتركة.وما توصلت إليه أن فكرة الاتحاد الأوروبي ربما تأسست كهاجس تتمكن من خلاله الدول الأوروبية لمواجهة اتحاد عربي إسلامي- مزعوم- ربما يتأسس ليواجه بقوته الدول الأوروبية المتفرقة، إلا أن الأحداث المتلاحقة تأكدت لدى الأوروبيين- خصوصا البريطانيين - أن هذا الاتحاد المزعوم لن يتكون في أي فترة من الفترات، لما لمسوه من فرقة وعداء بين مختلف الدول العربية والإسلامية.فالدول العربية على وجه الخصوص تجتمع على لغة وثقافة ومصائر واحدة، هي في حقيقة الأمر لا تتوفر في هذه الدول الأوروبية التي تختلف في ما بينهما في اللغة والثقافة وحتى المصير.فالدول العربية لم تتمكن من إعلاء فكرة الجامعة العربية الرائدة في مفهوم الوحدة ولم تطورها لما هو أكبر من إقامة المؤتمرات والاجتماعات الدورية والطارئة، إلى فكرة الاتحاد الفعلي اقتصاديا وسياسيا. وكذلك الأمر في موضوع مجلس التعاون لدول الخليج العربي.ولقد تبين للأوربيين- مما لا يدعو مجالا للشك - أن فكرة الاتحاد عند الدول العربية والإسلامية غير واردة، لذا جنح البريطانيون إلى الانفصال عن الاتحاد الأوروبي الذي يرون فيه عبئا على اقتصادياتهم، كما أن هناك نظرة تعال تكتنف المجتمع البريطاني في ما يخص الشعوب الأوروبية التي تشاركهم الاتحاد، وهذا التعالي كان من أهم الأسباب التي أدت إلى الانفصال، وهذه النظر- الحمد لله- غير واردة بين شعوبنا العربية كما أنها ممقوتة في مفاهيمنا الإسلامية.ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل ستتأثر بريطانيا بانفصالها عن الاتحاد الأوروبي؟ والإجابة بكل تأكيد على المستوى القريب ستتأثر، إلا أنها ستتعافى بعد ذلك، لان الاتحاد أحيانا ليس قوة، خصوصا في ما يخص دولة في حجم بريطانيا، لديها مساحة كبيرة من الحرية والديموقراطية، والاحترام المتبادل بين كافة أطياف المجتمع البريطاني.والدروس المستفادة من هذا الحدث العالمي أن المجتمعات يمكنها مواجهة المخاطر والأهوال، ليس من خلال الاتحاد مع مجتمعات أخرى ولكن من خلال المخزون الثقافي المتراكم، وهو المخزون الذي يضمن لها الاستقرار الاقتصادي والسياسي. هذا هو رأيي الذي قد يختلف أو يتفق معه الكثير إلا أنه يظل رأيا أردت أن أبوح به.* كاتب وأكاديمي في جامعة الكويتalsowaifan@yahoo.com