الضربة التي تلقاها تنظيم «داعش» في الفلوجة، تعني أنه يمضي في اتجاه خسارة الاراضي، ولا سيما المدن، التي سيطر عليها منذ العام 2014 في العراق وسورية وأقام «دولة الخلافة» فوقها، لكن هل تعني أن التنظيم الذي أدخل الرعب إلى قلوب الناس في كل أرجاء العالم، أصبح في طريقه إلى الزوال؟ما جرى في الفلوجة وما يعد له في الموصل، بالتزامن مع الهجوم على التنظيم في الرقة ومنبج على الجانب السوري من الحدود، يظهر أن قرارا أميركيا اتخذ بتسريع عملية تفكيك «دولة الخلافة». هذا القرار اتخذ قبل الهجوم على نادي المثليين في أورلاندو، والأرجح أنه يأتي ضمن مسعى من الإدارة الديموقراطية لحرمان المرشح الجمهوري المنافس دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، من ميزة أنه الأكثر قدرة على هزيمة التنظيم، وهي ميزة كانت مهمة قبل هجوم أورلاندو، لكنها أصبحت أكثر أهمية بعده، خصوصا أن المأخذ الأساسي على الرئيس باراك أوباما في السياسة الخارجية هو تراخيه في ما يتعلق بالتهديدات، كونه وصل إلى الرئاسة على أساس برنامج يقوم على الحد من التدخلات في الخارج، ولا سيما إرسال قوات برية إلى مناطق النزاعات.في حالة «داعش»، كان هناك تأييد شعبي أميركي للتدخل للقضاء عليه منذ إعلان «الخلافة»، وكان أوباما يمانع في ذلك لأنه يريد أن ينهي ولايته الثانية، ويدخل في سجل الرؤساء كواحد من الذين لم يخوضوا «مغامرات» خارجية تتسبب في عودة الجنود إلى الوطن بالتوابيت من مناطق الصراعات.«دولة الخلافة» ستتفكك ليس فقط بسبب تصعيد الهجوم عليها من هنا وهناك، وبمشاركة العالم كله من خلال تحالفين تقود أحدهما أميركا والآخر روسيا، بل لأنها في الأساس لا تملك مقومات الدولة، والناس الذين يعيشون تحت سلطة «داعش» هم إما ممن اضطروا للبقاء لأن لا مكان آخر يذهبون إليه، أو لأنهم لا يريدون ترك أرضهم وأرزاقهم، وإما من الذين غُرر بهم وصدقوا أنهم عادوا إلى «عصر الخلافة».لكن تفكيك دولة لا تملك مقومات الدولة شيء والقضاء على التنظيم شيء آخر، فالثاني مسألة معقدة جدا، تتطلب معالجة أسباب «القضية» التي يستقطب من خلالها المؤيدين، بالإضافة إلى خلق أجواء تساعد على نشر ثقافة التسامح بدلا من ثقافة العنف. وهذا يتطلب الاستماع لصوت المحبطين في عالمنا الإسلامي، وكذلك لصوت المهمشين في الغرب ايضا من أبناء جالياتنا الإسلامية، ومعالجة القضايا المزمنة التي تجسّد الظلم، ومنها مثلا قضية فلسطين، رغم أن تنظيم «داعش» لم يتخذها عنوانا له. فمثل هذه التنظيمات لا تأتي من فراغ، بل تستغل مشاكل المحبطين والمهمشين، ولذلك نجد أن الآلاف من عناصرها لا يبالون بالموت في سبيل هذه «القضية».بغير ذلك لا يظن أحد أنه بالإمكان القضاء على «داعش». وحتى لو تم إضعافه إلى درجة كبيرة، فقد يفرّخ تنظيما جديدا بنسخة أكثر تطرفا، مثلما فرّخ «القاعدة» تنظيم «داعش» بعد إضعافه واغتيال زعيمه أسامة بن لادن.أكثر من ذلك، قد يكون «داعش» أكثر فتكا إذا خرج من المدن وعاد إلى الصحارى. إذ ستظل لديه القدرة على التجنيد والاستقطاب ما دامت هناك «قضية»، ويساعده في ذلك انه نال من الإعلام ما لم تنله أي مجموعة من قبل، سواء من خلال استغلاله الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي أو حتى من خلال الدعاية المضادة التي يشنها المناهضون له ضده والتي تخدمه في جانب منها. كما أن الصحارى تخفف عنه عبء إدارة دولة ومصاريفها، ولو كانت ستحرمه في المقابل من موارد مثل بيع النفط والجباية وغيرهما.لقد لمح الناطق باسم التنظيم أبو محمد العدناني إلى إمكانية العودة إلى الصحارى في التسجيل الصوتي الأخير المنسوب إليه، حين قال ان التنظيم لن يهزم اذا خسر الموصل او سرت او الرقة او جميع المدن وعاد إلى الصحراء.لا يمني أحد النفس بأن «داعش» سينتهي قريبا، فالأسباب التي نشأ من أجلها لم تنته، بل ازدادت حدة... والحرب ما زالت طويلة جدا.