| القاهرة - من نعمات مجدي |
«هل حكم أطفال أو صغار؟» وهل تقلدوا زمام الأمور ومقاليد الحكم في بلدانهم؟
سؤال قد تكون الاجابة عليه لـ «الوهلة الأولى» لا، أو لا نعرف أو قد لكن من ومتى وأين؟
ونحن نقلب في أوراق قديمة جدا أو قديمة فقط، أو حتى حديثة، كانت المفاجآت تتوالى تباعا حيث اتضح أن الكثير من هؤلاء بالفعل حكموا وصالوا وجالوا وأيضا أخطأوا وارتكبوا مخالفات أثرت على شعوبهم.
ونحن نقلب في أوراق مختلفة أتضح أن كثيرا من المجتمعات «شمالية وجنوبية شرقية وغربية» حكمت من خلال أطفال وفتيان وشبان صغار.
وجدنا هذا في الممالك القديمة «مصر والعراق» ووجدناه في العصر الإسلامي ووجدناه في أوروبا وآسيا وغيرهما.
عثرنا على ما يؤكد أن طفلا في السابعة «حكم» وأن أكبر منه بسنوات قليلة قاد بلده وأن من هم في العشرين «كثر» تقلدوا زمام الأمور.
الأمر مع غرابته لا يخلو حتما من الطرائف والعجائب والمواقف الساخنة والمعارك المشتعلة حتى إن هذه الأمور حفرت في ذاكرة الشعوب أو في مجلدات تراثية.
«الراي» قلبت كثيرا في أوراق تراثية وقديمة ومتوسطة وحديثة واقتربت من حكايات غريبة وعجيبة مع أطفال وصغار وشبان حكموا وفي السطور التالية تفاصيل كثيرة.


ونترك المحروسة... إلى حيث ثلج أوروبا... ونترك القارة السمراء... إلى القارة البيضاء... وهناك أيضا حكام... بل هذه المرة حاكمة أو ملكة على عرش بريطانيا... إنها الملكة فيكتوريا.
ولدت الملكة فيكتوريا في 26 أكتوبر 1816 وعاشت فترة مراهقتها قبل الحرب العالمية الأولى لتتوج ملكة العام 1837 ـ وكان عمرها نحو 21 عاما ـ حتى توفيت في العام 1901 أي لمدة 64 عاما متواصلة فهي من العائلة الملكية... حيث ورثت الحكم بعد وفاة عمها «ويليام الرابع» الذي انتقل إليه العرش بعد وفاة أخيه الملك جورج الثالث الذي ولد في بريطانيا واعتلى العرش العام 1760 وهو أحد أحفاد جورج الأول.
وجورج الأول... هو أحد أبناء الملكة صوفيا ابنة إليزابيث إحدى حفيدات الملك جيمس الأول... وهو الذي ينحدر من إحدى أكبر العائلات النبيلة في ألمانيا وحتى تاريخ تولي الملكة فيكتوريا في بريطانيا كانت إمارة «هانوفر» بألمانيا تابعة للتاج البريطاني إلا أن القوانين والأعراف في ألمانيا كانت تحصر وراثة الإمارة في الذكور فقط.
زواجها من ألبرت
وعندما بلغت الملكة فيكتوريا عامها الـ 21 تزوجت من ابن خالها الأمير ألبرت في العام 1840 وأنجبت منه 9 أبناء وبنات، وكانت تحبه حبا شديدا حتى توفي العام 1861 وهي في ربيع عمرها حيث لم يتجاوز الـ «42» سنة إلا أنها رفضت أن تتزوج من بعده بالرغم من الإشاعات الكثيرة التي أحاطت بحياتها الخاصة وعلاقاتها بأحد خدمها في البلاط الملكي والذي كان يدعى «جون براون».
وقد تزوجت الملكة فيكتوريا من ابن خالها الأمير ألبرت بعد أن وضع لها رئيس الوزراء آنذاك «ملبورن» عدة شروط قاسية لذلك الشخص الذي يجب أن يرتبط بالملكة والذي سيصبح له أبناء من الملكة فيكتوريا سوف يرثون عرش بريطانيا، فلابد أن يكون من سلالة الملوك وأن يكون ليس الصغير أو الكبير... كما يجب أن يكون من أبناء العقيدة البروتستانتينية وهي عقيدة الإنكليز، ويجب أن يكون ملما جيدا باللغة الإنكليزية، وعلى قدر مناسب من الذكاء.
القصر الملكي
عند تتويج الملكة فيكتوريا في العام 1837 انتقلت إلى قصر باكنجهام حيث أصبح المقر الرسمي لملوك بريطانيا.
وقد كان القصر في الأصل منزلا بناه «جون شيفلد» دوق باكنجهام، ثم اشتراه جورج الثالث لورد باكنجهام بمبلغ 28 ألف جنيه إسترليني وأقام فيه وأسرته من بعده، وعندما أصبح جورج الرابع ملكا في العام 1820 أمر بتحويل المنزل إلى قصر فاخر حيث حصل على منحة من البرلمان قدرها 150 ألف جنيه إسترليني، وتم تطويره وإضافة جناح برايتون ذي الهندسة المعمارية الفائقة الجمال.
وعندما تم تتويج الملكة فيكتوريا قامت بتوسيع القصر وتحديثه وأضافت قاعة الرقص على مساحة 122 قدما وارتفاع 40 قدما حيث أصبحت تستخدم في الأحداث الملكية المهمة واستقبال أعضاء السلك الديبلوماسي والحفلات التذكارية، ويضم القصر أكثر من 600 غرفة بما فيها 52 جناحا ملكيا وغرف للنوم لـ 188 موظفا و92 مكتبا و78 حماما.
وللقصر شرفة رائعة يتجمع فيها أفراد العائلة الملكية تظهر فيها الملكة للشعب أثناء اللقاءات الرسمية.
حكم الملكة
حكمت الملكة فيكتوريا بريطانيا لمدة 64 عاما متواصلة وتعتبر أطول فترة حكم للملكة، وتعتبر من أزهى العصور التي عاشتها بريطانيا وفي عصرها بلغت البلاد أوج عظمتها وتوسعها حتى أطلق عليها «الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس».
تزوجت فيكتوريا من الأمير ألبرت حتى توفي بعد 21 عاما من الزواج حيث تزوجته العام 1840 وتوفي العام 1861 ولديها منه تسعة أبناء وبنات... وتنتسب إليها معظم الأسر الملكية والأميرية في أوروبا حتى اليوم وقد كان لها دور فعال في الحياة السياسية حيث شاركت رؤساء وزراء بريطانيا في اتخاذ القرارات المختلفة واحتفظت برأيها الشخصي في الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة البريطانية حتى تحتفظ بالحياد بينها وبالرغم من انسحابها من الحياة السياسية في بريطانيا بعد وفاة زوجها إلا أنها احتفظت بمنصبها الملكي حتى وفاتها العام 1901.
ويرى المؤرخون أن عصر حكم الملكة فيكتوريا أو العصر الفيكتوري هو عصر الثورة الصناعية الأولى في العالم وذروة الإمبراطورية البريطانية من العام «1837 ـ 1901».
وبعد أن حكمت الملكة فيكتوريا بريطانيا صدر «قانون الإصلاح» لديموقراطية البرلمان البريطاني في نصف العصر الفيكتوري الأخير ومع تطابق العصر الجميل في فرنسا ثم الأقطار الأوروبية غير الناطقة بالإنكليزية حيث كان عصرا ذهبيا عم السلام أوروبا حتى مطلع الحرب العالمية الأولى.
وقد ظهرت في هذا العصر الذهبي للمرة الأولى السيارة والطائرة والفوتوغراف والتلفون والسينما وقطارات الأنفاق، كما ظهر العديد من العلماء والمفكرين حيث برز «ماكس بلانك» مبدع نظرية الكم، وأينشتين مبدع نظرية «النسبية الخاصة».
وقد انتقلت بريطانيا في عهد الملكة فيكتوريا من دولة زراعية إلى دولة صناعية ضخمة وفي عهدها ظهر العالم «دارون» صاحب نظرية أصل الأنواع الذي قلب العلوم الحياتية رأسا على عقب وظهر الكاتب الكبير «جورج برنارد شو» الكاتب المرح والناقد الأدبي والموسيقي الكبير.
العصر الفيكتوري
كما شهد العصر الفيكتوري قفزات كبيرة في الفنون وقيام المدارس الأدبية وعلوم الاجتماع وحركات الإصلاح الديني، كما شهد عصرها تحرر المرأة وقيام العديد من الجمعيات النسائية وصدور قانون ممتلكات المرأة المتزوجة حيث اعترف للمرأة بحق الطلاق وحق رعاية الأطفال عند الانفصال.
وبذلك انتقل عصر المرأة في أوروبا من عصر المرأة الجارية... إلى امرأة تنهض في الحياة مثل الرجل، بالإضافة للنهضة الكبيرة الأدبية التي عاصرت الحكم الفيكتوري خاصة بظهور أدباء عظام أمثال شكسبير وتشارلز ديكنز، إلا أن هذا العصر قد شهد ثورة كبيرة باختراع الآلة البخارية واستخدامها في إدارة البواخر والقطارات وكذلك اختراع «جيمس هارغريفز» لمغزل جديد جعل بريطانيا من أكبر مصدري النسيج في العالم.
وقد تغيرت الحياة الاجتماعية في عهد الملكة فيكتوريا حيث كان معظم سكان بريطانيا يتمركزون في القرى الزراعية وعند ظهور الثورة الصناعية اجتذبت المصانع في المدن عمالة كبيرة من القرى وبدأ ظهور مشاكل تحديد أجرة العامل وساعات العمل والعطلات وبدأت البلاد تشهد المظاهرات العمالية.
فقد ظهرت في عهد الملكة فيكتوريا الرأسمالية الصناعية واستغلالها لطبقة العمال ما أدى إلى إصلاحات اجتماعية من بينها منع الأطفال والنساء من العمل في مناجم الفحم والتعليم المجاني للأطفال دون الـ 13 عاما.
فضائح الأحفاد
بعد وفاة الملكة فيكتوريا العام 1901، تسبب مرض نزيف الدم الوراثي الذي انتشر بين أبنائها الذين حكموا أوروبا حيث قام العالمان الشقيفان وليام ومالكولوم بوكس وهما متخصصان في علم الحيوان والأجنة في كل من جامعتي لانكستر البريطانية وكاليفورنيا الأميركية، بعمل بعض الدراسات لمعرفة الجين المسؤول عن هذا المرض وذلك في التركيب الوراثي للملكة فيكتوريا الذي تزوج أبناؤها التسعة من سائر ملوك وملكات أوروبا ولها 35 حفيدا وحفيدة.
ولم يثبت البحث في أنساب الملكة فيكتوريا وأنساب زوجها الأمير «ألبرت» ووالدها دوق «كنت إدوارد» وجود أحد المصابين بهذا المرض ما دفع إلى ظلال من الشكوك حول مسؤولية أم الملكة فيكتوريا عن عشيق لها أكثر شبابا من زوجها الكهل، وكان هذا العشيق مصابا بمرض نزيف الدم الوراثي فحملته فيكتوريا الابنة في جيناتها.
ويرى بعض المراقبين في بريطانيا أنه لو صحت هذه النظرية فيمكن القول إن أم الملكة فيكتوريا قد كلفت أوروبا ثمنا باهظا مقابل لحظات من المتعة غير الشرعية انتقل عن طريقها الجين المريض إلى الجينات الملكية بل ويشككون أيضا في شرعية تولي الملكة إليزابيث الحالية التي قد تفقد عرش بريطانيا.