ليس خافياً على أحد أنَّ القطاعات الإنتاجية في لبنان دخلتْ مرحلة من الجمود القوي بعد اندلاع الحرب في سورية التي أثقلت الواقع الاقتصادي بتحديات ومخاطر على مستويات عدة.وإذا كانت السياحة، الصناعة والزراعة اقتاتَت من «مائدة» الخسائر عيْنها، فإنَّ القطاع العقاري تمكّن من تَجاوُز المطبات التي تحكّمت بلبنان والمحافظة على صلابته، رغم أنَّ الأسعار في بعض المناطق تراجعت قليلاً.وفيما تواترت أنباء في الكواليس العقارية عن حركة واسعة لبيع الخليجيين ممتلكاتهم المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية، فإنَّ ذلك لا يعني أنَّ البلاد تشهد «نزوحاً» عقارياً لهم، وخصوصاً أنَّ اللبنانيين يتمسّكون بوجود هؤلاء في أرضهم ولا يستطيعون تالياً شراء هذه الأخيرة التي تتركّز بغالبيتها في منطقة جبل لبنان، نظراً إلى تفاوت قدراتهم الشرائية.ولا ينكر المطوّرون العقاريون والمعنيون أنَّ القطاع دخل مرحلة من التباطؤ القوي نتيجة الأحداث السورية، بما وضع حركة الشراء على سكّة التراجع، حتى ولو كانت لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.لكنَّ الخبير العقاري رجا مكارم يؤكّد عبر «الراي» أنَّ هذا القطاع «يتمتّع بمناعة صلبة مكّنته من المحافظة على مستويات الأسعار التي حقّقتها قبل بدء الحرب، وتالياً تفادي الانهيار»، مضيفاً انَّ الأسعار توقّفتْ عن النمو في الوقت عيْنه في غالبية الحالات، إذ أطلقت دراسة أجرتها شركة «رامكو - للاستشارات العقارية» مؤشر رامكو العقاري «لمدينة بيروت الذي بيَّن انخفاضاً في أسعار الشقق السكنية قيد الانشاء عام 2015 عن مثيلاتها خلال عام 2014 بـ 1.2 في المئة، فضلاً عن أنَّ هامش التفاوض بين المشتري والبائع وصلت إلى 20-30 في المئة في بعض الحالات».واضاف: «صحيح أنَّ الاعوام الخمسة الماضية كانت عنواناً لجمود متصاعد الوتيرة، الا ان مؤشر الأراضي في العاصمة بيروت أظهر هو أيضاً أنَّ أسعارها لم تتراجع بل حافظت على مستوياتها، هذا إذا لم ترتفع قليلاً».ويعدّد المميزات التي يتميّز بها القطاع العقاري اللبناني والتي ساعدتْه على جبه المطبات طوال تلك الفترة، فيشير إلى أنَّ هذا القطاع «مدعوم من رغبة اللبنانيين - المغتربين والمقيمين - المتواصلة في التملّك في بلادهم، وخصوصاً أنَّ هذا الموضوع يشكّل هاجساً بالنسبة إلى هؤلاء، فضلاً عن أنَّ مساحة (بلاد الأرز) صغيرة بما يساهم في المحافظة على استقرار الطلب».أما من الجانب الخليجي، فإنَّ الإقبال على شراء البيوت والشقق هبط بشكل ملحوظ، إذ همَّ المالكون لعرض ممتلكاتهم للبيع، ولكن ليس بأي أسعار. ويشدّد مكارم على أنَّ عدداً كبيراً من هؤلاء استحوذ على عقارات بموجب مراسيم جمهورية أتاحت لهم التملّك، لكن بعضهم لم يبنِ عقاراً على هذه الأراضي، فتراه يعمل على بيعها قبل أن يجد نفسه مرغماً على ذلك إذا صدرت قوانين تجبره على البيع.ويشير إلى أنَّ في الإقبال العربي على البيع جانبا إيجابيا تتجلّى ملامحه في الواقع الذي قد يبيّن أنَّ الجيل الجديد من العرب «الذي لا يُظهِر تعلّقاً بلبنان مثلما يفعل آباؤه، سيعود ويرى أنَّ الاستثمار في القطاع العقاري اللبناني مجدٍ كثيراً، وربما أكثر من الاستثمار في دول أخرى ومدن أوروبية عريقة»، معرباً في هذا السياق عن إيمانه بعودة هؤلاء إلى ربوع لبنان بعد التأكّد من ذلك.أما بالنسبة إلى رئيس نقابة الوسطاء والاستشاريين العقاريين في لبنان مسعد فارس، فإنَّ الوضع العقاري يقسّم حالياً إلى ثلاثة أقسام: «الشقق التي تبلغ أسعارها ما دون 500 ألف دولار أميركي، والتي هي في وضع جيد بفعل وجود طلب عليها، والشقق التي تبلغ أسعارها ما بين 500 ألف إلى مليوني دولار أميركي، والتي هي في وضع ترقب وبانتظار الزبائن، وأخيراً الشقق التي تبلغ أسعارها ما فوق مليوني دولار والتي تواجه مشكلة لأنَّ إيجاد زبون لها أمر صعب حالياً بسبب وضع البلاد السياسي ووضع المنطقة الأمني».وفي الشقّ الخليجي، فإنَّ لفارس رأياً مختلفاً، إذ يقول إنَّ العرب «يبيعون ويشترون مثلما كانون يفعلون دائماً»، واصفاً تلك العمليات بالـ «عادية»، ومشدّداً على أنَّ «مستقبل القطاع العقاري في لبنان متّجه نحو فورة كبيرة، لأن ندرة الأراضي هي أساس العرض والطلب، فضلاً عن أنَّ القطاع يشهد حالياً حال تصحيح مهمة، ومن المتوقع أن نرى في المستقبل المنظور تنوعاً في السلع، مستودعات، بيوت صغيرة، ومجمّعات سكنية كبيرة ومغلقة خارج المدن، وخصوصاً خارج العاصمة بيروت».وإذ يرى أنَّ «المستثمر والمستهلك الذي لديه القوة الشرائية للاستثمار والتمتع بالشقق الكبيرة الموجودة سيعود»، يشير إلى أنَّ «القطاع العقاري في لبنان يقترب من النضج الكامل، فهو على وشك أن يصبح مؤسسياً إلى حد كبير، ويصبح أداة الاستثمار».وبالعودة إلى الأرقام، فقد أطلقت شركة «رامكو» دراسة للتطورات الطارئة على الأثمان المطلوبة للطوابق الأولى وفقاً لما أعلنه المطورون خلال العام 2015، وشملت الدراسة 248 مبنى سكنياً قيد الانشاء في 61 منطقة مختلفة ضمن نطاق مدينة بيروت.وبيّن مؤشر «رامكو العقاري» الذي أعدّه قسم البحوث في الشركة انخفاضاً في السوق العقارية السكنية في بيروت التي تشهد مرحلة تباطؤ متأثرةً بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية في لبنان. كما انخفضت الأسعار المعلنة للسنة الثانية على التوالي، اذ بعدما كان الانخفاض عام 2014 وصل الى 0.7 في المئة، ازداد انخفاضاً حتى وصل الى 1.2 في المئة في 2015.وأظهرت الدراسة نفسها أن 74 مشروعاً (يمثلون 29.8 في المئة) خفضوا أسعارهم، أي بزيادة 9 في المئة عن العام 2014، علماً أنَّه في 44 في المئة من الحالات لم يتجاوز الخفض الـ5 في المئة. وبلغ عدد المشاريع التي خفضت ما بين 10 و 20 في المئة ستة عشر مشروعاً (16) من أصل 248 مشروعاً شملتها الدراسة.وتجدر الاشارة إلى أن نسبة 13.3 في المئة من المشاريع المدرجة في الدراسة عكست ارتفاعاً في أسعار البيع المطلوبة. بينما غالبية المشاريع قيد الانشاء وبنسبة 56.9 في المئة احتفظت بالأسعار المطلوبة عيْنها خلال العام 2014 من دون أي تغيير.
متفرقات - قضايا
خليجيون يبيعون ممتلكاتهم... ولكن لا «نزوح»
القطاع العقاري في لبنان ... «استراحة» ما قبل «الفوْرة» القريبة؟
«استراحة» ما قبل «الفوْرة»
03:35 م