تصنف إنكلترا دائماً في خانة «كبار القوم» على مستوى كرة القدم، ودائما ما تعتبر مرشحة عندما تشارك في البطولات الكبرى.ثمة قصص وروايات تزخر بها المراجع التاريخية المنغمسة في الحديث عن اصل كرة القدم. البعض يعيدها إلى جذور صينية بيد ان هناك اجماعا على فضل بريطاني في ارساء قوانينها الحديثة.وعندما ولدت فكرة اقامة بطولة كأس العالم مطلع القرن الماضي، رفض الانكليز تحديدا المشاركة فيها على اعتبار ان كعبهم يعلو الجميع، وانه من غير المجدي وضع ريادتهم على المحك.استلزم الامر سنوات قبل ان تترجل انكلترا من عليائها وتخوض غمار كأس العالم، بيد ان سجلها بقي خاويا إلى ان استضافت بطولة 1966 وتوجت بلقبها الاول والاخير على حساب المانيا الغربية على استاد «ويمبلي» القديم في العاصمة لندن.انكلترا نفسها عانت ايضا على مستوى «القارة العجوز» بدليل عجزها التام عن بلوغ اعلى نقطة من منصة التتويج في بطولة كأس الامم الاوروبية التي ابصرت النور العام 1960.لا ينقص كرة القدم الانكليزية ما يحول دون زعامتها لـ «لعبتها» وخصوصا ان ملاعبها افرزت اجيالا من اللاعبين القادرين على صنع الفارق في المحافل الكبرى الا ان الحسم كان دوما حجر عثرة بينها وبين المجد.ولا شك في ان الحظ ساهم في تفعيل النكسات المتلاحقة التي عانى منها الانكليز ولا يزالون وتبدو «يد الله» التي عاد اليها الارجنتيني دييغو ارماندو مارادونا لتبرير هدفه المسروق في مرمى الحارس الانكليزي العملاق بيتر شيلتون في ربع نهائي كأس العالم 1986 في المكسيك، إيذانا بانطلاق مسيرة مضنية لـ «احفاد بوبي تشارلتون».لم تكن الارجنتين افضل بكثير من انكلترا في ذاك اللقاء واستلزمها الامر هدفا اول بقبضة يد مارادونا وهدفا ثانيا من توقيع الاخير يعتبر الاجمل ربما في تاريخ كرة القدم.لم يستكن الانكليز بل سعوا إلى العودة وتحقق لهم ذلك من خلال غاري لينيكر، الذي زرع كرة عرضية في شباك الحارس نيري بومبيدو.كان على «منتخب الاسود الثلاثة» يومذاك الاعتماد مبكرا على البديل الاسمر جون بارنز الذي ما ان وطئت قدماه ارض الملعب حتى اطبق وزملاؤه الخناق على مرمى الخصم.اوشك لينيكر نفسه على ادراك تعادل مستحق اثر لعبة طبق الاصل عن الهدف الاول بيد انه فشل في ادراك الكرة العرضية هذه المرة لينتهي هو في الشباك بدلا منها.كان طريق النهائي شبه سالك امام انكلترا لأن بلجيكا كانت خصمها المفترض في دور الاربعة بيد انها ودعت المسابقة.خاض الانكليز بعدها بطولة اوروبية للنسيان في المانيا 1988. كان جلادهم فيها الهولندي ماركو فان باستن الذي اصدر في حقهم حكم اعدام في الدور الاول.بعد عامين، كان اللقاء في ايطاليا مسرح بطولة كأس العالم 1990، وعلى رغم تقدم المانيا الغربية بهدف «غريب» من اندرياس بريمه في نصف النهائي، عادت انكلترا لتعادل الارقام قبل عشر دقائق على الختام بواسطة لينيكر نفسه الذي ابقى فريقه في الصراع على البطاقة في القطار المؤدي إلى النهائي.وبانتهاء المباراة بوقتيها الاصلي والاضافي بدأت عقدة ركلات الترجيح مع الانكليز الذين رسبوا فيها امام الاختصاصيين الألمان.وفي السويد، عانى الانكليز مجددا مرارة الخروج من الدور الاول لـ«يورو 1992».وبعد غياب كارثي عن كأس العالم 1994 في الولايات المتحدة الاميركية ظهر وكأن انكلترا عائدة مجددا إلى منصات التتويج، وخصوصا بعد الهدف المبكر الذي سجله الن شيرر في شباك الحارس الألماني اندرياس كوبكه في نصف نهائي «يورو 1996» الذي احتضنه الانكليز على ارضهم.المانيا التي عانت اصابات بالجملة في صفوفها، ابانت عن معدنها تحت الضغط بهدف تعادل من شتيفان كونتس.لا يزال الانكليز يبكون حتى اليوم الفرصة الذهبية التي لاحت امام «الولد المشاغب» بول غاسكوين في الشوطين الاضافيين وخصوصا ان ترجمتها إلى هدف كانت لتعلن ظهورا في النهائي نظرا إلى اعتماد قاعدة «الهدف الذهبي» حينذاك.وعادت اجواء ركلات الترجيح لتخيم في سماء لندن وتقصي الانكليز مجددا عن مباراة نهائية كان الفوز بها في المتناول، لأن الخصم لم يكن سوى منتخب تشيكيا.وعادت ركلات الترجيح نفسها لتفعل فعلها مع انكلترا في كأس العالم 1998 في فرنسا، عندما كانت السبب في رحيلها عند محطة الدور الثاني امام الارجنتين هذه المرة، دون ان ننسى الطرد المؤثر لديفيد بيكهام.ولم تتمكن بطولة «يورو 2000» التي تقاسمت بلجيكا وهولندا استضافتها، من تضميد جروح المونديال، بعد خروج انكلترا من الدور الاول.وفي كأس العالم 2002 في كوريا الجنوبية واليابان، تقدمت انكلترا على البرازيل بهدف لمايكل اوين قبل ان تستسلم من دون سبب امام «راقصي السامبا» الذين حسموا مواجهة ربع النهائي من خلال هدفي رونالدينيو وريفالدو.ومجددا دفع الانكليز الثمن غاليا عندما عجزوا في ركلات الترجيح امام البرتغال التي استضافت «يورو 2004» وودعوا لشبونة من ربع النهائي وهو الدور نفسه الذي شهد خروجهم امام البرتغال ايضا من كأس العالم 2006 في المانيا وبركلات الترجيح كما درجت العادة.وبعد «مرور كرام» على «يورو 2008» حين عجزت عن بلوغ نهائياتها، دخلت انكلترا مونديال 2010 في جنوب افريقيا بثوب البطل المتوج سلفا، قبل ان تبلغ الدور الثاني بصعوبة وتنحني امام جلاديها الالمان بنتيجة كاسحة 1-4.وفي «يورو 2012» في بولندا وأوكرانيا، ودع الانكليز من الدور ربع النهائي اثر الخسارة امام ايطاليا بركلات الترجيح أيضاً وأيضاً 2-4 بعد التعادل السلبي في الوقتين الاصلي والإضافي.هذه السقطات المتلاحقة ترافقت مع كسر لتقاليد كانت في الامس القريب غير قابلة للمس بها، فقد استعان الاتحاد المحلي بمدرب اجنبي هو السويدي زفن غوران اريكسون، قبل ان يعيد الكرة عندما تعاقد مع المدرب الايطالي فابيو كابيللو الامر الذي زعزع كيان كرة القدم الانكليزية.وفي المناسبتين جنت انكلترا الخيبة لتخسر في الملعب ولتتنازل عن مبادئها امام اترابها من المدارس الكروية العريقة.لقد عملت فرنسا طويلا كي تتزعم العالم في «مونديالها» العام 1998 قبل ان تضيف لقب «يورو 2000» إلى سجلها معتمدة خطة طويلة الامد رسمت معالمها في «كليرفونتين».المانيا حافظت على هيبتها على رغم مرورها بفترات عصيبة وخير دليل على ذلك بلوغها نهائي مونديال 2002 وهي في اسوأ حالاتها، اضف إلى ذلك احتفاظها بمركز ثالث، قد يبدو غير كاف، في دورتين متتاليتين لكأس العالم (2006 و2010) وحلولها وصيفة للبطل في «يورو 2008». قد ان تنتزع لقب بطلة العالم في البرازيل 2014 محققة نجاحاً فريداً.اسبانيا اعتمدت خطة خمسية للسيطرة على العالم، وكان لها ما ارادت اذ توجت قاريا في «يورو 2008» ثم عالميا في مونديال 2010، قبل ان تعيد الكرّة وتنتزع لقب «يورو 2012».وتستند ايطالي، من جانبها، في بريقها إلى اربعة ألقاب عالمية آخرها العام 2006 في المانيا، والى حضور قوي في البطولات الكبرى على رغم بعض الزلات.اما البرازيل، فبلا شك في انها تعاني حالياً وضعاً صعباً.فبعد الذل الذي عاشته في مونديالها الاخير والخسارة التاريخية امام المانيا 1-7 في نصف النهائي، هوت في «كوبا أميركا 2015» عندما ودعت المنافسات من ربع النهائي امام البارغواي بركلات الترجيح، ثم اعادت الكرّة اول من امس عندما خرجت من الدور الاول لـ«كوبا اميركا 2016» في الولايات المتحدة اثر الخسارة امام البيرو بهدف.وبالنسبة إلى الارجنتين، فإنه يكفي انها حققت لقبين عالميين وحافظت على هيبة معتبرة على رغم العثرات التي عاشتها منذ 1993 تاريخ تتويجها الاخير بـ «كوبا اميركا».تعيش الكرة الانكليزية موتاً سريرياً على مستوى المنتخب رغم ريادة بطولتها المحلية ونجاح أنديتها في استقطاب النجوم.ثمة حاجة إلى اخذ العبر لأن من لا يتعلم من اخطاء الماضي لا مستقبل له.عدم القدرة على التمسك بتقدمها على روسيا بهدف في الجولة الاولى من منافسات الدور الاول لـ«يورو 2016»، يعطي مؤشراً على ان انكلترا بقيادة روي هودجسون ما زالت تعاني وإن تغيّر المدرب أو تبدلت أسماء اللاعبين.المشكلة أعمق من تعادل في «بداية مشوار».

خروج «الأسود الثلاثة» من الدور الأول... يؤثر على سوق الأسهم

توقع البروفيسور في المالية في كلية لندن لإدارة الأعمال ألكس ادمانز، خسارة سوق الأسهم الإنكليزية حوالي ستة مليارات جنيه إسترليني في يوم واحد، وذلك في حال خروج المنتخب من الدور الأول لـ «يورو 2016».ويعزو ادمانز ذلك إلى تأثر المزاج الوطني بشكل قوي بنتائج مباريات كرة القدم، والذي يمتد إلى سوق الأسهم والتسبب بتقلبات في العمليات اليومية للسوق.وأوضح أن نتائج بحث قام به في الآونة الأخيرة أظهرت أن خسارة المنتخب الإنكليزي في مباراة مهمة يكون لها تأثير سلبي كبير على مزاج المستثمرين، حيث ان أسعار الأسهم لا تتأثر بالعوامل الرئيسية في السوق فحسب، بل وبالعواطف أيضاً.وتابع: «تعتبر الرياضة من بين تلك العوامل المهمة التي تؤثر على مزاج وعواطف الناس».وقام البحث الذي أجراه ادمانز بالتعاون مع متخصصين من كلية كولورادو الأميركية ومعهد الأعمال النرويجي بدراسة العلاقة بين 1100 مباراة كرة قدم دولية وعوائد الأسهم في 39 دولة، وأظهرت النتائج أن خروج منتخب أي دولة من البطولات المهمة مثل منافسات بطولة أوروبا 2016 يكون له أثر سلبي يتمثل بانخفاض بنسبة 0.3 في المئة في اليوم التالي في سوق الأسهم في ذاك البلد.وأكد ادمانز أن الفوز في المباريات ليس له أي تأثير سلبي أو إيجابي بحسب البحث، مشيراً إلى أن عشاق الرياضية يفرطون في التفاؤل عندما يتعلق الأمر باحتمالات فوز فرقهم، حيث انهم يتوقعون تحقيق الانتصار في كل مرة، وهو ما له تأثير صغير، إلا أنهم يشعرون بالاكتئاب في حال باءت توقعاتهم بالفشل.