لولا التدابير المشدَّدة المنتشرة حول دمشق وخصوصاً نقطة الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد، لكان خُيّل للزائر أن لا حرب تعصف بالبلاد منذ خمس سنوات.فأسواق العاصمة، من سوق الحميدية الى سوق النحاسين وغيرها، وكذلك الآثار التاريخية مثل مرقد صلاح الدين الأيوبي والشوارع التي تعود الى ما قبل القرن الثامن ميلادي، تكتظّ بالسياحة المحلية. اما بالنسبة للمطعم الفرنسي في العاصمة السورية ومحلات مهنا للحلويات، فتفتح أبوابها لتستقبل الزبائن من دون ان تتأثر الأسعار بما يجري في بقية المحافظات السورية. فارتفاع الأسعار طبيعي وخصوصاً أن البلاد مرت بمرحلة مجهولة المصير حيث فُقدت الثقة بالعملة المحلية وأوقفت المشاريع مما رفع سعر الدولار من فئة المئة من 5000 ليرة سورية الى 60000 ليرة، ما أرهق كاهل المواطن الذي يعيش كل يوم بيومه في بلدٍ لا تزال كل الاحتمالات التقسيمية مفتوحة فيه، وكذلك طبول الحرب التي تُقرع ولو بعيداً عن وسط العاصمة، إلا أن أصداءها تضجّ على حدودها الجنوبية والشمالية وكذلك الشمالية الشرقية، حيث يتدخل العامل السوري والتركي والإيراني والروسي والأميركي وكذلك دول المنطقة العربية.وفي مطار دمشق الدولي، تشاهد آثار القصف الإسرائيلي لأبنية متعددة استهدفتها إسرائيل لاختبار محتوياتها باعتبارها تشكل «خطراً وجودياً» عليها، وهذا تعبير تستخدمه إسرائيل عندما تهدف للإشارة الى السلاح المتطوّر والمخازن الإستراتيجية التي تصل تباعاً وعلناً من إيران الى «حزب الله» اللبناني.وتقول مصادر مطلعة إن «إسرائيل لم تستهدف أي عنصر بشري من حزب الله أو من القيادة الإيرانية التي تتواجد داخل حرم المطار لتأمين الدعم العسكري واللوجستي لقواتها والقوات الحليفة التي أتت بها لتخوض حربها على الإرهاب التكفيري المتمثل بتنظيم الدول الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة وحلفائها السلفيين الجهاديين الذين يعملون ضمن تحالفات على أرض المعركة، وخصوصاً في جنوب سورية وشمالها».وتضيف المصادر ان «إسرائيل لا تريد حرباً مع إيران ولا تستهدف قواتها المنتشرة في سورية ولا قوات حلفائها لأن المعركة القائمة في سورية تخدم إسرائيل وتصبّ في مصلحتها إذ تستنزف - باعتقادها - إيران وحزب الله وسورية. إلا أن اقتناعنا أن هذه الحرب ضرورية ووجودية لأن سورية هي مسرح العمليات الحالي الذي نخوض فيه حرباً ضد الإرهاب الذي، إذا لم يقف في بلاد الشام، سيتمدد الى لبنان وإيران والعراق لأن هؤلاء - ولو اختلفوا في ما بينهم على توقيت إعلان الخلافة وجهاد التمكين - فإن هدفهم هو نشر أديولوجيتهم بحد السيف خارج الحدود السورية. وهذا ينطبق على داعش والنصرة اللذين يعملان - كل على حدة - ليس فقط في سورية بل أيضاً في لبنان لضرب استقراره واستقطاب المناصرين لهما والقيام بعمليات إرهابية لتجييش النفوس المشحونة طائفياً منذ أعوام عدة. أما داعش فيريد ايجاد حال من الفوضى العامة في الشرق الأوسط وأفريقيا وكذلك في القارة الأوروبية ليبقى على اندفاعه وجذب الشباب المسلم الجاهل».إلا أن مشكلة سورية لم تعد تقتصر على الخطر الداعشي او الخطر الآتي من «القاعدة» وحلفائها، بل من الطائفية التي غذّتها الدول القريبة والبعيدة لتجعل من أرض الشام ملعباً لها. فقد دخلت روسيا على خط الحرب ودخلت أميركا وكلٌّ يريد حصة من الكعكة السورية التي لن تصمد أمام نهَم الجميع. فتحوّلت سورية من لاعب أساسي يُحسب له حساب لعلاقته مع الفلسطينيين والشرق والغرب وإيران ويوازِن بين المصالح المختلفة، الى أرض مقسّمة تتجاذبها الدول ومصالحها وتخاض على رحاها أقصى وأعنف المعارك التي تُستخدم فيها أحدث الأسلحة على حساب المدنيين والبنية التحتية المدمّرة لتُنتِج مستقبلاً مجهولاً لن يعيد سورية ابداً كما كانت عليه في السابق، بانتظار سايكس - بيكو جديد يرسم الحدود حين يتعب المتحاربون في السنوات المقبلة الطويلة.