أسابيع قليلة تفصل في العادة بين إقامة نهائيات كأس العالم لكرة القدم وبدء حملة التأهل إلى نسخة جديدة من كأس أمم أوروبا، ومع ذلك فإن تألقاً في المونديال لا يضمن بالضرورة لصاحبه التوهج في البطولة القارية التالية.وعلى الرغم من وجود منتخبات لطالما تميزت بـ«الثبات» من ناحية التواجد في إطار المنافسة على البطولات التي تخوضها وأبرزها ألمانيا، إلا أن هناك من المنتخبات الأخرى من لم يتمكن من تحقيق «متلازمة التألق» في البطولتين توالياً، بل أن منها من يكون في قمة تألقه في إحدى البطولتين، ثم يغيب عن الاستحقاق التالي مباشرة.ويعتبر منتخب بولندا مثالاً صارخاً على الفشل في تحقيق هذه المتلازمة، فالفريق الحاصل على المركز الثالث في مونديالي ألمانيا الغربية 1974 واسبانيا 1982، فشل في أن يجد له موطئ قدم في أيٍّ من نسخ كأس الأمم الأوروبية خلال هذه الفترة الذهبية من تاريخه.وفيما كان غرزيغورز لاتو واندرزيغ شارماخ وزبيغنيو بونييك وزملاؤهم يتألقون في كؤوس العالم، لم يتحقق لهم حلم خوض الـ«يورو» ولو مرة واحدة في مشوارهم.وخلال الفترة من 1972 وحتى 1984، لم يفلح البولنديون في تجاوز التصفيات المؤهلة إلى كأس الأمم الأوروبية، بل ان فترة غيباهم عن هذا المحفل الكبير طالت إلى 2008 عندما تمكنوا من بلوغ النهائيات للمرة الاولى في تاريخهم.ففي تصفيات نسخة 1972، ودع البولنديون المنافسة بخسارتهم البطاقة الوحيدة المؤهلة عن المجموعة الثامنة لمصلحة ألمانيا الغربية التي توجت باللقب لاحقاً بسقوطهم أمام الألمان أنفسهم بثلاثية نظيفة ذهاباً، و1-3 إيابا.وبعد ان فاجأوا العالم في مونديال 1974 بحلولهم في المركز الثالث على حساب منتخبات كبيرة مثل البرازيل وإيطاليا والأرجنتين والأوروغواي، عاد «رفاق لاتو» ليخسروا رهان بلوغ نهائيات نسخة 1976 على يد منتخب هولندا وصيف بطل العالم وبفارق الأهداف فقط، وتكرر الحال في تجربتهم التالية أمام المنتخب نفسه في تصفيات نسخة 1980 في ايطاليا والتي أقيمت نهائياتها للمرة الأولى بمشاركة 8 منتخبات، فخرجوا من تصفيات المجموعة الرابعة بفارق نقطة عن «منتخب الطواحين».استعاد البولنديون بريقهم في مونديال اسبانيا 1982 وقادهم بونييك لإحراز المركز الثالث على حساب فرنسا، بيد أنهم سرعان ما رضخوا لعقدة التصفيات الأوروبية التي ودّعوها بطريقة مهينة بحلولهم في المركز الثالث في مجموعة ضمت 4 منتخبات هي البرتغال والاتحاد السوفياتي وفنلندا، علماً بأنهم وضعوا ضمن منتخبات التصنيف الأول التي تشمل رؤساء المجموعات في التصفيات، كما ان مجموعتهم لم تضم هذه المرة أيّ من فرق الصف الأول في «القارة العجوز».في الفترة نفسها كان منتخب ايطاليا بطلاً للعالم، لكنه لم يظهر كذلك في تصفيات أمم أوروبا التي تلت احرازه اللقب الكبير مباشرة.سقط «الآزوري» بطريقة لا تليق بتاريخه في تصفيات «فرنسا 1984» وحل رابعاً في مجموعة ضمت رومانيا والسويد وتشيكوسلوفاكيا.وقد شهدت المباراة أمام السويد والهزيمة بثلاثية نظيفة أسوأ وداع ممكن لقائده وحارسه المخضرم دينو زوف.في المقابل، لم يقترن تألق منتخبات أخرى في كأس أمم أوروبا بحضور مماثل في المونديال التالي، والأمثلة تطول عن منتخبات أحرزت اللقب القاري قبل أن تفشل بعدها مباشرة في الاختبار الأهم.فمنتخب هولندا الذي توج عن جدارة بكأس أمم أوروبا في ألمانيا الغربية 1988 بقيادة «الثالوث الرهيب» ماركو فان باستن ورود خوليت وفرانك رايكارد، فشل في تقديم أداء مماثل في مونديال ايطاليا بعد عامين بل ولم يتمكن من تجاوز الدور ثمن النهائي بخسارته أمام المانيا الغربية، كما انه لم يحقق أي فوز في مبارياته الأربع في البطولة وبلغ الدور الثاني كأحد أفضل «ثوالث» في المجموعات الست.في العام 1992 فاجأ منتخب الدنمارك العالم بإحرازه اللقب الأوروبي رغم أنه شارك كبديل لمنتخب يوغوسلافيا الاتحادية المحروم.جاء التتويج الدنماركي على حساب منتخبات كبيرة مثل فرنسا وانكلترا في الدور الأول، وهولندا في نصف النهائي، وألمانيا في المباراة النهائية.وبعد أن انتظر العالم مواصلة «مقاتلي الفايكنغ» مسيرة التألق في مونديال 1994 في الولايات المتحدة، فشل أبطال أوروبا في بلوغ النهائيات وخرجوا من تصفيات المجموعة الثالثة بحلولهم في المركز الثالث خلف اسبانيا وجمهورية ايرلندا.ورغم أن الدنماركيين بقيادة حارسهم الكبير بيتر شمايكل اظهروا في هذا التصفيات صلابة دفاعية ولم تتلق شباكهم سوى هدفين فقط في 12 مباراة، إلا أنهم دفعوا ثمن عدم تسجيلهم عددا كبيرا منها في مرمى منتخبات ضعيفة مثل ليتوانيا ولاتفيا وألبانيا فخسروا بطاقة المركز الثاني لمصحلة الايرلنديين بفارق الأهداف المسجلة فقط.حكاية الدنماركيين وتتويجهم بالقب الأوروبي على نحو مفاجئ ثم اخفاقهم في التصفيات المونديالية التالية تكررت بصورة اخرى مع منتخب اليونان الذي حقق كبرى مفاجآت كأس أوروبا بانتزاعه لقب نسخة 2004 متجاوزاً فرقاً مرشحة مثل فرنسا وتشيكيا وأخيراً البرتغال المضيفة.وفي تصفيات كأس العالم 2006 في ألمانيا، بدا وكأن منتخب اليونان عاد إلى حجمه الطبيعي فانتهى به المطاف في المركز الرابع ضمن مجموعة متوازنة خلت من الأسماء الثقيلة كأوكرانيا وتركيا والدنمارك.في الماضي، كان نظام تصفيات كأس أمم أوروبا الذي كان يؤهل عدداً محدوداً من المنتخبات أشبه بـ«مطحنة» لا ينجو منها إلا قلة، إلا أن الأمر لم يعد كذلك اليوم، ومن يتألق في بطولة كبرى لاعذر له في الإخفاق في تصفيات أو نهائيات بطولة كبرى تالية لا يفصل بينهما سوى اشهر، وكأن هذا التألق أشبه بدورة حياة «فراشة» لا تتجاوز عامها الاول.
رياضة - رياضة أجنبية
تألُّق... بـ «عُمر الفراشة»
البولندي بونييك
11:51 ص