قبل ساعات من الإطلالة الأولى لزعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري غروب امس في سياق سلسلة افطارات مقرَّرة في دارته في بيت الوسط وفي أماكن اخرى، انطلقت عبر الإعلام القريب من «حزب الله» حملة مركَّزة على الأزمة المالية التي تعانيها المؤسسات التابعة لتيار «المستقبل»، وسلّطت الضوء خصوصاً على صرف مئات العاملين في حراسة هذه المؤسسات والسياسيين والنواب المنتمين الى التيار كما على المتاعب التي تواجهها شركة «اوجيه» التي يملكها الحريري في السعودية.وبدا واضحاً من هذا المؤشر تَصاعُد الوضع المحوري للحريري في الداخل السياسي عقب الانتخابات البلدية الأخيرة في لبنان التي جعلتْه في عيْن العاصفة، الأمر الذي ضاعف أهمية حالة الترقب لما سيطلقه تباعاً من مواقف في الإفطارات، باعتبارها ستشكل رداً حاسماً على نوعيْن من الرهانات المتناقضة: الاول رهانات الحلفاء الذين يعتقدون ان الحريري سيعيد الإمساك بزمام الأمور ويصوّب الاهتزازات التي أصابت تيّاره وصورة زعامته، سواء بسبب النتائج السلبية التي نجمت عن تداعيات الانتخابات البلدية وتَفلُّت وزير الداخلية نهاد المشنوق في كلامه عن السياسة السعودية، محاوِلاً تبرير خسارة «المستقبل» انتخابات طرابلس البلدية التي تَحالف فيها مع زعماء المدينة، او صعود صورة وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي بعد فوز لائحته في طرابلس.اما النوع الثاني فهو رهانات بعض خصوم الحريري على ما بات يجري تعميمه بأنه تخلٍ سعودي عن الحريري لمصلحة تَعدُّدية زعامات سنية.والواقع ان مصادر وثيقة الصلة ببعض قوى 14 آذار لا تخفي تساؤلات مربكة حيال التعامل السعودي مع أزمة الحريري، لتنطلق منها الى تساؤلات أوسع، وأبعد مدى تتّصل بما إذا كان لبنان كلّه لا يزال مدرجاً على أولويات المملكة العربية السعودية. وتقول المصادر لـ «الراي» ان الحريري اختار اليوم الأول من إفطاراته أمس للتحدث عن موقفه الثابت المؤيّد للمملكة، للردّ على كل الغبار الذي أثير حول علاقته بالسعودية ولتثبيت هذه العلاقة كركيزة لا يمكن ان تتغيّر في مساره وسياساته، على ان تكتمل مع إفطارات اليومين المقبلين صورة شرْح كل خفايا المرحلة الماضية، والمسار التراجعي للتيار في الأعوام الأخيرة والذي دفعه الى تنازلات في السياسة خسر معها الحريري من رصيده الشعبي، وصولاً الى تأكيد انه صاحب الكلمة الفصل في رسم سياسات «التيار» بعد ملامح «التجرؤ» على زعامته من «داخل البيت».ومع ذلك فان حركة السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري ومواقفه الأخيرة تثير بعض الإيحاءات التي تحفّز الرهانات لدى خصوم الحريري على تَراجُع دوره لدى المملكة. وقد ذُكر ان عسيري يقوم بجولة على رؤساء الحكومات السابقين في لبنان لدعوتهم الى إفطار موسّع مع مفتي الجمهورية وشخصيات سنية عدة من اجل البحث في توحيد الموقف السني من القضايا الأساسية في البلاد. كما ان تصريحاتٍ أخيرة للسفير السعودي لم تترك ايحاءات مريحة لدى المصادر الوثيقة الصلة بقوى 14 آذار لانه تَعامَل مع الحريري كشخصية مساوية لرؤساء حكومة سابقين آخرين.ولا تكتم المصادر حذرها الشديد حيال ما يمكن ان تحمله المرحلة الطالعة من تداعيات اضافية على الواقع السياسي إذا تبيّن ان خلْط الاوراق المتصل بواقع الحريري وتَراجُع الدعم السعودي له سيترك تداعيات غير قابلة للترميم، لان المستفيد الاول والأكبر من ذلك سيكون «حزب الله» بما يشكل خللاً جوهرياً في معادلة التوازن الاقليمي والداخلي التي تحكم لبنان وسط الستاتيكو الراهن.ذلك ان المصادر وإن بدت واثقة من ان الحريري سيتّخذ مواقف مهمة في الساعات والأيام القليلة المقبلة تعيد جانباً من الاعتبار الى موقعه وتردّ على رهانات تَراجُع تياره، فان ذلك لن يكون كافياً في رأيها ما لم يتضح تماماً الخط البياني لقدرة تيار «المستقبل» ولحلفائه ايضاً على إعادة تثبيت التوازن الداخلي، بدءاً من مراجعة المشهد المتصل بالأزمة الرئاسية.فالملاحَظ هنا، بحسب المصادر نفسها، ان حلفاء الحريري «يتركونه وحيداً في مواجهةٍ لا يقدّرون خطورتها عليه وعليهم ايضاً، لان الخلل في التوازن سيرتدّ على الجميع ويعمّق الأزمة السياسية. وليس أدلّ على ذلك من تنامي الرهانات لدى بعض الجهات على ان محاصرة الحريري بالمتاعب يهدف الى دفْعه للتسليم بانتخاب العماد ميشال عون والتخلي عن دعمه للنائب سليمان فرنجية الامر الذي يقود الى التساؤل المبرَّر عما اذا كان للسعودية نفسها موقف متغيّر من ترشيح عون بما يعنيه من تسليم للفريق الاقليمي الذي يرتبط به حزب الله؟ ام تراها الأيام المقبلة تحمل أجوبة مختلفة تبدّد كل هذا الغموض الكبير؟».