تحت هذا العنوان نعرض لحلقات يومية متتابعة على مدار أيام الشهر الفضيل، نقدم من خلالها وصفاً للأيام الاخيرة في حياة بعض الشخصيات التي كان لها اثر واضح في تاريخ الأمة الاسلامية، لنتخذ منها العبرة والعظة... والله أسأل التوفيق والسداد.أوصى أبوبكر أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس فإن لم تستطع استعانت بعبدالرحمن ابنه، وانه لفي شغل بهذه الأمور إذ أقبل المثنى من العراق فأذن له الصديق، فلما طلب منه أن يمده بمن عاد إلى الإسلام من أهل الردة أوصى عمر أن يفعل وألا يُشغل بوفاته عن أمور المسلمين.وبدأ أبوبكر يعالج سكرات الموت وابنته عائشة إلى جانبه، فلما رأته كذلك تمثلت بهذا البيت من قول حاتم:لعمرك ما يغني الثراء عن الفتىإذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدرفنظر الصديق إليها كالغضبان ثم قال: ليس كذلك يا أم المؤمنين ولكن: (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) (ق:19) وكان آخر ما تكلم به: «رب توفني مسلماً وألحقني بالصالحين».وقبض أبوبكر يوم الاثنين لإحدى وعشرين ليلة خلت من شهر جمادى الثانية للسنة الثالثة عشرة للهجرة (22 أغسطس سنة 634م) وهو في الثالثة والستين من عمره، توفي مساء بعد ما غابت الشمس ودُفن ليلاً وتولت زوجه أسماء بنت عميس غسله وعاونها ابنه عبدالرحمن، إذ كان يصب الماء، ثم حمله على السرير الذي حُمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ليدفن كما أوصى إلى جواره صلى الله عليه وسلم.ووضع الجثمان في المسجد بين القبر والمنبر وصلى عليه عمر ثم نقل الجثمان إلى القبر ودخل معه عمر وعثمان وطلحة وعبدالرحمن ابن أبي بكر ودفن أبوبكر في حفرة حفرت له إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم وجعل رأسه إلى كتف رسول الله صلى الله عليه وسلم وألصق اللحد باللحد فلما أهالوا عليه التراب خرجوا وقد ودعوا خليل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفيه بعد أن جمع بينهما الموت، فودعوا أقرب الناس إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبهم إليه وآثرهم عنده وأشدهم إيماناً بالله ورسوله.وقد ارتجت المدينة لوفاة أبي بكر وتولى الناس دهش كدهشتهم يوم قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل علي بن أبي طالب رضي الله عنه مسرعاً باكياً حتى وقف بالباب فقال: «رحمك الله يا أبا بكر، كنت والله أول القوم إسلاماً وأخلصهم إيماناً وأشدهم يقيناً، وأعظمهم غنى، وأحفظهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدبهم على الإسلام وأحماهم عن أهله، وأنسبهم برسول الله خُلقاً وفضلاً وهدياً وسمتاً فجزاك الله عن الإسلام وعن رسول الله وعن المسلمين خيراً، صدقت رسول الله حين كذبه الناس، وواسيته حين بخلوا، وقمت معه حين قعدوا، وسماك الله في كتابه صديقاً فقال: (والذي جاء بالصدق وصدّق به) (الزمر:33) يريد محمداً ويريدك.كنت والله للإسلام حصناً، وللكافرين ناكباً ولم تَضْللْ صُحبك ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك، كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف، كنت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعيفاً في بدنك قوياً في دينك، متواضعاً في نفسك، عظيماً عند الله جليلاً في الأرض، كبيراً عند المؤمنين لم يكن لأحد عندك مطمع ولا هوى فالضعيف عندك قوي، والقوي عندك ضعيف، حتى تأخذ الحق من القوي، وتأخذه للضعيف، فلا حرمنا الله أجرك ولا أضلنا بعدك».وتداولت أنباء الوفاة حواضر العرب وبواديها، فهزت كل نفس وأسبلت الدمع من كل عين، واضطرب أهل مكة لسماعها وبلغ اضطرابهم سمع أبي قُحافة فسأل: ما هذا؟ قيل: توفي ابنك، قال: رزء جليل. من قام بالأمر بعده؟ قالوا: عمر، فقال: صاحبه، ولم يزد، وما كان لهذا الشيخ الفاني بعد هذا الرزء الجسيم إلا أن يلحق ابنه في جوار الله، فتوفي بعد ستة أشهر من وفاته.رحم الله أبا بكر الصديق ورضي الله تعالى عنه وألحقه بالصالحين وجمعنا واياه في جنات الخلد.آمين.
متفرقات - إسلاميات
الأيام الأخيرة في حياتهم / أبوبكر الصديق «رضي الله عنه» (3 من 3)
06:39 م