تتّجه صورة المشهد الداخلي في لبنان الى استعادة رتابةٍ طويلة في واقع الأزمة السياسية خلافاً لكثير من تقديراتٍ ذهبت بعيداً في تضخيم مفاعيل الانتخابات البلدية والاختيارية التي أُجريت الشهر الماضي.وفيما بدأت الاهتمامات تتصاعد حيال الحملات الأمنية الكثيفة التي قام بها الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية في الأيام الأخيرة وأدت الى ضبْط خلايا إرهابية جديدة في مناطق صيدا وعكار وعاليه وسواها، فإن العنوان الأمني يبدو مرشّحاً بدوره لاحتلال حيّزٍ مهمٍّ من شأنه ان يبرد حماوة الاحتدام السياسي الذي برز عقب الانتخابات البلدية وخصوصاً ان صعود العنوان الأمني يتزامن مع بداية شهر رمضان المبارك الذي تحسّبت القوى الأمنية الشرعية وكذلك «حزب الله» لاحتمال ان يحرّك محاولاتٍ إرهابية للعبث بالاستقرار اللبناني.وحملت المعلومات في اليومين الأخيرين معطيات جدية عن إجراءات مشدّدة اتخذتها ايضاً قوة «اليونيفيل» في جنوب لبنان التي عممت على جنودها ودورياتها تدابير مشددة للحماية في ظل معطياتٍ تخوّفت من احتمال استهداف هذه القوات في مناطق انتشارها. ولكن المراجع الأمنية والعسكرية اللبنانية لا تبدو قلِقة بالمقدار الذي يجري تداوله عبر الإعلام المحلي، بل ان هذه المراجع تتحدّث عن تضخيمٍ غير مبرَّر للمخاوف وتبدي ثقة كبيرة في ان الوضع ممسوك بالكامل وان العمليات الاستباقية التي تقوم بها أجهزة الاستقصاء والاستخبارات كفيلة الى حدود كبيرة جداً بحماية البلاد ولا داعي تالياً لأيّ ذعرٍ او مخاوف مضخَّمة.وبدا لافتاً في هذا المناخ ان أوساطاً سياسية مطلعة استبعدت بدورها ان يكون لبنان مقبلاً على تحولاتٍ أمنية او سياسية واسعة في المرحلة المقبلة، بل انها توقعت ركوداً طويلاً للستاتيكو الحالي ستفرضه المعطيات الاقليمية والخارجية التي لا تسمح بأي رهانٍ على تغييرٍ وشيك لا في أزمة الفراغ الرئاسي ولا ايضاً في واقع الاستقرار الأمني المحمي دولياً.وقالت هذه الأوساط ان الضجيج الذي أحدثته نتائج الانتخابات البلدية لا يعني من الناحية الاستراتيجية التي تحكم الوضع اللبناني أيّ تبديلٍ في معطياتها. فلا انعكاسات الحرب الدائرة في سورية مقبلة على اي تطور مرتقب من شأنه ان يزيد أعباء لبنان فوق الأعباء القائمة، ولا هناك أيّ معطيات جدية يمكن البناء عليها لتحريك تَوافُق إقليمي يؤدي الى الإفراج عن أزمة الشغور الرئاسي في لبنان. بل ان مجمل الخطّ البياني الاقليمي يشير الى جمودٍ طويل سيتعزز مع انصراف المنطقة والعالم الى تَرقُّب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة طالما عجز اللبنانيون عن انتزاع ورقة الرئاسة من التجاذب الاقليمي.وتذهب الأوساط نفسها الى التأكيد ان حكومة الرئيس تمام سلام بدأت ضمناً بالتكيّف مع هذا الواقع في ظل بوادر دعم دولي وخليجي لمساعدة لبنان على الصمود أكثر في مرحلة الانتظار. فهناك على ما يبدو رهاناتٍ جدية على عودة أعداد من السياح الخليجيين الى لبنان في موسم الاصطياف بعدما صدرت إشارات من دول خليجية في مقدمها السعودية لفك الحظر عن توجه رعاياها الى لبنان ولو ضمن إجراءات حذرة. وتعمل الحكومة بهدؤ على ترسيخ هذه المناخات وتعزيزها سعياً الى استعادة ثقة الدول الخليجية بالواقع المستقرّ الداخلي.كما ان الحكومات الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا لا تكفّ عن ابلاغ المسؤولين الرسميين والعسكريين والأمنيين بدعم الجيش والأجهزة الأمنية على أوسع نطاق في مكافحتهم للارهاب وان لا معطيات تحمل على الخشية من تطورات كبيرة قد يتعرّض لها لبنان، يضاف الى ذلك ان وزراء ومسؤولين لبنانيين باتوا يعترفون علناً بأن الموقف الدولي يتشدد في حماية الاستقرار اللبناني نظراً الى وجود نحو مليون ونصف مليون لاجئ سوري في لبنان ولا يرغب اي طرفٍ غربي في نشوء أوضاع غير مستقرة في لبنان خشية نزوح أعداد كبيرة من هؤلاء نحو أوروبا.ولكن هذه المعطيات التي تحمل جوانب إيجابية لجهة الاستقرار الأمني لا تحجب الجانب السلبي الذي يطل تكراراً على لبنان جراء تَمدُّد الأزمة السياسية وجمودها. بل ان الأوساط السياسية المطلعة تعتقد ان الإرباكات الكبيرة التي طاولت بعض القوى الداخلية ولا سيما منها «تيار المستقبل» الذي شهد خضات داخلية حادة اخيراً ستساهم في زيادة التعقيدات السياسية الداخلية الى أمد غير قصير.
خارجيات
بيروت «تُزاوِج» بين الأمن الممسوك والرتابة السياسية
إشارات خليجية إيجابية وسط دعمٍ غربي للاستقرار في لبنان
«المسحّراتي» في بيروت مع أطفال يعلّمهم كيفية ايقاظ الصيّام النيام للسحور خلال شهر رمضان المبارك (رويترز)
02:00 م