فنانة مخضرمة، آتيةٌ من الزمن الجميل، لا يزال جمهورها يذكرها ويستحضر تميّزها اللافت، ليس بحسنها الشكلي فقط، ولا بصوتها العذب الجبلي وحسب، بل بجرأتها على تجاوز العرف السائد في عصرها، حتى أنها أحدثت ثورة في عالم الغناء والمغني معاً، لتجتاح بثورتها شكل الأغنية ومضمونها... والجمهور على السواء!إنها الفنانة طروب، صاحبة الأغنية الذائعة الصيت «يا ستي يا ختيارة» وغيرها. لا يزال تاريخ الغناء العربي يذكر أنه في زمن الطرب الذي كانت تسطع في سمائه الأسماء اللبنانية صباح وفيروز ونجاح سلام، كانت وحدها طروب - أو أمل جركس كما تقول شهادة ميلادها - أول مطربة عربية تلحّن لنفسها أهمّ أغنياتها، وأول مطربة تغني وهي ترتدي البنطلون، متمايلةً على خشبة المسرح، وبيدها «الميكروفون» النقال!أرشيفها الفني الطويل يحتضن عشرات الأغنيات وعشرات الأفلام اللبنانية المشتركة بين مصر وسورية، حتى اعتزالها العام 1994 وارتدائها الحجاب وابتعادها عن الفن وبريق الإعلام إلا نادراً.... الفنانة «طروب» المتحدِّرة من عائلة أردنية شركسية، والمقيمة في القاهرة، حظيت بالكثير من مظاهر التكريم، وكان آخرها قبل نحو شهر في زيارة خاطفة إلى بيروت التي كرَّمتها في حفل خاص على مجمل مسيرتها.«الراي» التقت الفنانة طروب، وأدارت معها لعبة السؤال والجواب، ففتحت الفنانة خزانة الذكريات البعيدة المحمَّلةً بعبق الزمن الجميل، وكشفت الغطاء عن أيامها الحالية التي تعيشها في بيتها الوحيد الذي تمتلكه في حي الزمالك الراقي بالقاهرة:• لماذا لا نبدأ من زيارتكِ للبنان قبل أكثر من شهر، بعد 35 عاماً من الغياب، حيثُ تلقيتِ تكريماً في بيروت، هل كان الغياب متعمداً؟- الحقيقة أنه كانت لي زيارات سابقة، في أوقات مختلفة، ولكنها كانت بعيدةً عن الظهور الإعلامي، باستثناء مرتين، إحداهما في العام 1999 مع الإعلامي زاهي وهبي في برنامج «خليك بالبيت»، ثم ظهرتُ في شهر رمضان من العام 2007 مع الإعلامي نيشان. وأنا عادة مقلّة جداً في إطلالاتي الإعلامية. ومنذ العام 1994 حتى اليوم زرتُ لبنان نحو عشر مرات، وكنتُ أقصد زيارة جيراني وأصدقائي في بيروت، وتحديداً في منطقة كورنيش المزرعة حيث كنتُ أسكن في آخر فترة لي بالبلد.• هل تغيّرتْ بيروت عليك كثيراً؟ وكيف تجدينها اليوم؟- مع الأسف تغيّرت بيروت كثيراً جداً، وبصراحة لم تعد تلك العاصمة الرائعة، كما كانت عليه في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. أنا أتابع أخبار لبنان في مصر، وأحزن جداً على الوضع السياسي والأمني والاقتصادي الذي آلت إليه «سويسرا الشرق»، وتؤلمني رؤية النفايات في أرجاء العاصمة التي كانت طوال عمرها مركزاً للفن والجمال والإبداع، لكن الغريب أنها بدلاً من أن تتقدّم إذا بها تتراجع بشدة عكس الاتجاه.• هل تحدثيننا عن بيروت زمان، وذكرياتك الجميلة فيها؟- عشتُ في لبنان منذ أن كان عمري 8 سنوات، وقد أتيتُ مع عائلتي من دمشق، وأقمنا في منطقة كراكول الدروز في بيروت. وبعد دخولي عالم الفن انتقلتُ للسكن في «كورنيش المزرعة»، وعن هذه المنطقة أديتُ أغنية «على الكورنيش» التي لاقت نجاحاً باهراً يومها.في تلك الحقبة كان الفنّ في عزّه وقمته، وكانت الحياة بسيطة، وكان جميع العرب يأتون لحضور حفلاتنا في بيروت وعالَيه. وحتى رجال السياسة كانوا يحرصون على مشاهدة حفلاتنا. كانت بيروت مدينة لا تعرف النوم، وكنا نسهر يومياً حتى الفجر، وكان الأمن يسود الأرجاء والأجواء، ولم نكن نخاف من شيء، ولم يكن هناك شيء يعكر صفو الجمال والرفاهية في هذه العاصمة الفاتنة.• يظن بعض الناس أنك سورية الأصل، وبعضهم يعتبرونك لبنانية؟- أنا أردنية الأصل، من مدينة عمّان، وأتحدّر من عائلة شركسية، وهو عرق تركي موجود في الأردن، ولكن بعد قرار دخولي الفن وأنا طفلة صغيرة جداً غضب أهل والدي من الأمر، واتخذوا قراراً بقتلي وقتل والدي كذلك، فهربنا إلى دمشق وانطلقتُ فنياً من هناك وأنا صغيرة، ثم انتقلنا إلى بيروت. وفي سن المراهقة بدأت أخوض مجال الفن بشكل احترافي، وقد حصلت على الجنسية اللبنانية العام 1964 عقب زواجي من المطرب الكبير محمد جمال. وحصلتُ على الجنسية المصرية أيضاً بعد زواجي مرة ثانية من رجل مصري بعيد عن الوسط الفني، وأنا منذ 35 عاماً أقيم هناك باستمرار وتحديداً في منزلي بمنطقة الزمالك في القاهرة.• لا يزال الكثيرون يذكرون أنكِ شكلتِ مع محمد جمال ثنائياً غنائياً ناجحاً، وعلى الصعيد الإنساني كان يجمعكما حب كبير، وأصبحتما أشهر «ديو» في الوسط الفني، ماذا عن ذكرياتك مع جمال؟- الحقيقة أن أجمل أيام حياتي كانت مع جمال، وقدّمتُ معه نحو خمس أغنيات كانت ناجحة جداً، أبرزها «من فضلك يا ست البيت» و«أنا درويش» و«خبرني كنت فين». وقد تزوّجتُ من جمال بعد علاقة حب كبيرة، وبقيتُ معه 10 سنوات، لكن حبي للفن وطموحي إلى الاستمرار في أوج عطائي كانا السبب وراء إسدال الستار على زواجنا، بوقوع الطلاق بيننا. ولكنني لا أكتمك الحق، على رغم طلاقي من جمال ظللنا أنا وهو على اتصال وتقارب، بل بقينا صديقين جداً، وقبل زواجه من امرأةٍ ثانية أرسل إليّ برقية يسألني عن رأيي في الموضوع، فقلتُ له: «لا تتردد، وسرْ في طريقك، فأنت في حاجة إلى تأسيس عائلة جديدة وإنجاب أولاد، وأنا سأكون سعيدة جداً». وقراءتي للأمر أنه كان يحاول اختبار مشاعري تجاهه... وعلمتُ حينها أنه لا يزال يحبني.• وهل ظل الحب قائماً بينكما حتى اليوم، وهل لا تزالان تتواصلان؟- لم يعد هناك ذلك الحب بمفهومه التقليدي، ولكن نستطيع القول إنه تحول إلى معانٍ أخرى، فصارت بيننا معزّة واحترام لعشرة العمر، ولا أزال أتواصل معه من وقت إلى آخر للاطمئنان عليه. وهو يقيم اليوم مع عائلته في أميركا، وفي كل لحظة أتمنى له كل الخير. وقد التقيتُه في بيروت حين صوّرنا معاً حلقة مع الإعلامي نيشان، وبعدها التقيتُه مرة أخرى في حفل ما.• كيف كانت علاقاتك بزميلاتك آنذاك، وخصوصاً أنك كنتِ جديدة عليهن، ودخلتِ في منافسة معهن بعد «ثورة فنية» قمتِ بها؟- في وقتنا، لم تكن المنافسة كما هي اليوم. لم تكن أي منا تقلّل من شأن الأخريات، كما لم تكن هناك فنانة تهاجم أخرى أو تتطاول عليها كما يحصل هذه الأيام. كنتُ مقربة من الجميع، ولكن ضمن أطر محدودة، وهدفي كان التطور في عالم الفن. وأريد القول بكل تواضع إنني أول مَن غيّرت مفهوم الشكل العصري للفنانة، حين غنيت على المسرح وأنا أرتدي البنطلون. وكذلك كانت طريقة تصفيف شعري مميزة عن السائد بين سائر الفنانات، حتى أنني كنتُ أول فنانة تحمل الميكروفون النقال في يدها وتغني وهي تتمايل جيئة وذهاباً على خشبة المسرح، كما أنني كنتُ أول فنانة أدخلت النمط الغربي على الأغنية العربية. وفي ذلك الحين، أدخلتُ اللحن التركي والأرمني الذي أصبح رائجاً هذه الأيام، وكنت أول امرأة تلحن لنفسها، وأبرز أغنياتي من تلحيني هي «يا ستي يا ختيارة» و«يا صبابين الشاي» و «يا حلاق اعملي غرّة» و «هوب هوب»، وهذه الأخيرة من اللون الأرمني.
فنون - مشاهير
حديث الذكريات / نجمة كبيرة أحدثتْ ثورة في الأغنية العربية وغيَّرت مظهر الفنانات (1 من 3)
طروب لـ «الراي»: عائلة والدي هدَّدتنا بالقتل لاحترافي الغناء... فهربنا إلى دمشق!
12:59 م