الحاجة إلى الحكمة والنصيحة: اليوم وفي ظل الظروف الراهنة التي نرى فيها العالم العربي الإسلامي وقد عصفت به الثورات المتتالية والمتولدة والمتفرعة، بات يقينا أن هناك أيادي بغيضة تريد تمزيق العالم العربي الإسلامي، لقد أضحت ساحتنا خشبة مسرح سياسي عسكري، وغدت خصوصيتنا ملعبا للمراهنين ومرتعا للمراهقين السياسيين والمهووسين العسكريين.اليوم نحن بحاجة إلى صوت العقل والحكمة، نحن بحاجة إلى من يسدي لنا النصيحة، نحن بأمس الحاجة إلى من يلملم شتات هذه الأمة التي أخرجها الله الحكيم الخبير إلى الناس بخيرها وبتسامحها وبسمو أخلاقها ورفعة سلوكها.الحِكْمَة ُ: عبارة عن «معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم. ويقال لِمَنْ يُحْسِنُ دقائق الصِّناعات ويُتقنها: حَكيمٌ. والحِكْمَة ُ في المعجم هي: العلم والتفقه، وهي: الفلسفة والعلّة، وهي: الكلام الذي يقلّ لفظه ويجلّ معناه، والحكيم من أسماء الله الحسنى، والذكر الحكيم القرآن؛ لأنه الحاكم للناس وعليهم، ولأنه محكم لا اختلاف فيه ولا اضطراب». والحَكيمُ: ذو الحكمة من صفات الله عز وجل. قال تعالى: «ولقد آتينا لقمان الحكمة...» (لقمان: 12). قال الجواهري: الحُكْم الحِكْمَة من العلم. والحكم العالم وصاحب الحكمة. والحكم: العِلمُ والفقه؛ قال الله تعالى:«... وآتيناه الحُكْمَ صبيّا» (مريم: 12 )؛ أي علماً وفقهاً، هذا ليحيى بن زكريا. وفي الحديث: «الصَّمْتُ حُكـُمٌ وقليلٌ فاعـِلُهُ». وقد سُمي الأعشى القصيدة المُحْكَمَة حَكيـمةً فقال:وغَريبةٍ، تأتي المُلوكَ، حَكِيمةٍ، قد قُلْتُها ليُقالَ: من ذا قالَها؟وفي الحديث في صفة القرآن: وهو الذكْرُ الحكيمُ أي الحاكِمُ لكم وعليكم، أو هو المُحْكمُ الذي لا اختلاف فيه ولا اضطراب. قال الليث: بلغني أنه نهى أن يـُسمَّى الرجلُ حكيماً. قال الأزهري: وقد سَمّي الناسُ حَكيماً وحَكَماً، قال: وما علمتُ النـّهي عن التـّسمية بهما صحيحاً. وفي حديث أبي شـُرَيْح أنه كان يكني أبا الحـَكـَم؛ فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم: إن الله هو الحَكَم، وكناه بأبي شريح، وإنما كره له ذلك لئلا يـُشاركَ الله في صفاته. والحِكْمَة ُ: العدل. ورجلٌ حـَكيمٌ: عدل حكيم: وأحْكَمَ الأمر: أتقنه، وأحْكـَمَتُهُ التجاربُ على المَثَل، وهو من ذلك. ويقال للرجل إذا كان حكيما: قد أحْكـَمَتْه التجاربُ. والحكيم المتقن للأمور«. وقوله تعالى:» الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير«(هود: 1). يقول أحد الباحثين» الحكمة: جمع حكم، مصدر الفعل الثلاثي حكم يحكم المرء إذا صار حكيما عليما بالأمور، وهي تصدر إما عن تأمل وتفكير، وإما عن اختبار للحياة والدنيا. وهي وما أشبهها من ضروب المعاني التهذيبية للنفس والخلق وقلـّما عولجت لذاتها في مقطوعات مستقلة، وإنما جاءت في أبيات مبثوثة في ثنايا القصائد«.وننتقل من الحكمة إلى النصيحة التي ترصد السلوك لترسم للفرد حياة سوية، وجاء معنى النصيحة في معجم لسان العرب لابن منظور: نصح: نَصَحَ الشيءُ: خـَلـَصَ. والناصحُ: الخالص من العسل وغيره. النـُّصْح: نقيض الغِشّ مشتق منه، نَصَحَه وله نُصْحاً ونَصِيحة ونَصاحة ونِصاحـة ونصاحـِيّة ونَصْحاً. ويقال: نَصَحْتُ له نصيحتي نُصوحاً أي أخْلـَصـْتُ وصـَدَقـَتُ، والاسم النصيحة. والنصيح: الناصح، وقوم نـُصحاء؛ وقال النابغة الذبياني:نـَصـَحـْتُ بني عـَوْفٍ فلم يَتَقَبَّلُوارَسُولي، ولم تَنْجَحْ لديهم وَسائِليقال الجوهري: وانْتـَصَحَ فلان أي قبل النصيحة. ويقال: انْتَصَحْتُ فلاناً وهو ضد اغْتَشَشْتُه. ويقال: انْتَصِحْني إنني لك ناصح. أنشد ابن بري:تقولُ: انْتَصِحْني إنني لك ناصـِحٌ، وما أنا؛ إن خـَبـَّرتـُها، بأمينقال ابن بري: هذا وَهـْمٌ منه لأن انتصح بمعنى قبل النصيحة لا يتعدّى لأنه مطاوع نصيحته فانتصح، كما تقول رددته فارْتـَدَّ، وسددته فاسـْتـَدَّ، ومددته فامْتَدَّ، فأما انتصحته بمعنى اتخذته نصيحاً، فهو متعدٍّ إلى مفعول، فيكون قوله انتصحـْني إنني لك ناصح، يعني اتخذني ناصحاً لك؛ ومنه قولهم: لا أريد منك نـُصحا ولا انتصاحاً، أي لا أريد منك أن تنصحني ولا أن تتخذني نصيحاً، فهذا هو الفرق بين النـُّصـْح والانتصاح. والنـُّصـْحُ: مصدر نَصَحـْتـُه. والانتصاحُ: مصدر انـْتـَصـَحـْتـُه، أي اتخذته نصيحاً، ومصدر انـْتـَصـَحـْتُ أيضاً أي قبلت النصيحة، فقد صار للانتصاح معنيان. وفي الحديث:»إن الدَّين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم«. قال ابن الأثير: النصيحة كلمة يعبـّر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له، وأصل النـُّصـْحِ: الخلوص. ومعنى النصيحة لله: صحة الاعتقاد في وحدانيته وإخلاص النية في عبادته. والنصيحة لكتاب الله: هو التصديق به والعمل بما فيه. ونصيحة رسوله: التصديق بنبوّته ورسالته والانقياد لما أمر به ونهى عنه. ونصيحة الأئمة: أن يطيعهم في الحق ولا يرى الخروج عليهم إذا جاروا. ونصيحة عامة المسلمين: إرشادهم إلى المصالح. وتَنَصّح أي تَشَبّه بالنـُّصَحـاء. واسْتَنْصَحه: عَدّه نصيحاً. ورجل ناصحُ الجَيْب: نَقـِيَّ الصدر ناصح القلب لا غش فيه، كقولهم طاهر الثوب، وكله على المثل؛ قال النابغة:أبْلِغِ الحرثَ بنَ هـِنْدٍ بأنيناصِحُ الجـَيْب، بازِلٌ للثوابِقال أبو زيد: نَصَحْتُه أي صَدَقْتُه؛ ومنه التوبة النصوح، وهي الصادقة. وجاء معنى النصيحة في المعجم الوجيز»قول فيه دعوة إلى صلاح ونهي عن فساد، والناصح هو الخالص من كل شيء«.»نصحت لزيد أنصح نـُصـْحاً ونصيحة هذه اللغة الفصيحة وعليها قوله تعالى: «... إن أردتُ أن أنصح لكم...»(هود: 34)، وفي لغة يتعدّى بنفسه فيقال: نَصَحْتُه، وهو: الإخلاص والصدق والمَشُورة والعَمَل، والفاعل ناصح ونصيح، والجمع نُصَحاء، وتَنَصَّح تشبه بالنصحاء. النصح: إخلاص المشورة، والنصيحة: قول فيه دعوة إلى صلاح ونهي عن فساد«.وبهذا يكون المعجم العربي قد وضع المقاييس والضوابط اللازمة التي ينبغي أن يتحلى بها الناصح قبل أن يشرع في التربية والتعليم؛ فإصلاح النفس هو اللبنة الأولى التي يجب أن يبدأ بوضعها المرء في بناء ذاته وتحقيق صيرورته، قال أحد الأولياء» كن كثير العبادة، أمينا على الجانب، كثير الصمت، تتحمل أذى من جهل عليك، عفوا لمن أساء إليك، ترحم الصغير، وتوقر الكبير، أمينا على الأمانة، بعيدا عن الخيانة، صبورا عند الشدائد، قليل المؤونة، كثير المعونة، طويل القيام، كثير الصيام، تصلي رهبة، وتصوم رغبة، غاض الطرف، متواصل الأحزان، كثير العمل، قليل الزلل، أديبا مع الأولياء، كلامك حكمة، ونظرك عبرة، قليل العشرة، لا تكشف العورة، لا حقودا ولا حسودا، تطلب من الأمور أعلاها، عمـِّر الأرض بجسمك، واسكن المقابر بقلبك، والبس قميص التواضع، وجرد ثيابك المطالع وتوكل على المدبر الصانع، واختر ما اختار السيد الشافع صلى وسلم عليه الله المأمول».* كاتب وباحث لغوي كويتيfahd61rashed@hotmail.com