|تحقيق - إيمان البيلي وخالد محمد  وآيات عبدالوهاب وجويرية نادي|
«الله يرحم والديك... الله يطول في عمرك ويخليلك عيالك... السخي حبيب الله... الله يرزقك ويشفيك من المرض...» ترانيم سحرية لها وقعها على أذن متلقيها، فيسرع ليلبي نداءً إنسانياً في داخله ويخرج من جيبه ما يستطيع اخراجه، ليلقي به بين يدي القائل، دون تثبت من مدى حاجته لهذا المال، أهو مريض بالفعل لا يجد ثمن دوائه، أهو إنسان عفيف غدرت به الأيام فلم يجد ما يسد رمقه هو وأفراد أسرته، هل ألمت به نازلة ويحتاج إلى الأموال لكشف الغمة، أم انه من هؤلاء الذين يجيدون فن الماكياج، فيحولون الشباب شياباً، والصحيح سقيماً، والسليم جريحاً، وقد يمعنون في فن التخفي، فيجعلون ذا الرجلين المعافى، مبتور الساق، أو ممن لديهم أرشيف كامل مليء بصنوف من التقارير الطبية المزيفة التي تثبت اصابتهم بمختلف الأمراض المعروفة والنادرة، وحتى ما لا يكتشفها الأطباء بعد.
وبين هذين الصنفين يكون «الطرار»، ولئن كان العاملون في المجال الخيري ومن خلال خبرتهم في التعامل مع هؤلاء، يؤكدون ان 90 في المئة من المتسولين إن لم يكن أكثر، هم في الحقيقة أغنياء وفي غير حاجة إلى المال، بل انهم يجمعون ثروات من التسول لا يستطيع موظف قضى عمره في عمل متواصل أن يحقق جزءاً منها، وتؤكد الجهات الأمنية أن بعض الوافدين يتعمدون الدخول إلى الكويت في شهر رمضان، لاستغلاله في أعمال التسول فينتشرون في ساحات المساجد، يبتزون المصلين بمختلف ألوان النصب والاحتيال، مستغلين حاجتهم في فعل الخير لينالوا الثواب والمغفرة من الله، ولعل في النماذج التي قابلتها «الراي» من هؤلاء «الطرارين الحريفة» ما يؤكد ذلك، حيث تعترف إحدى الطرارات بأنها جمعت في شهر رمضان الماضي أكثر من ألف دينار، فلماذا لا تستمر في الطرارة، ومتسول آخر يستقل ما يجمعه في اليوم فهو فقط 30 ديناراً! واليكم جولة «الراي» مع عالم الطرارة:

المتسولة «أم عبدالله» تقول: أصابني السرطان الخبيث في جسدي وكان علاجي الجرعات الكيماوية فاضطررت لبيع بيتي وأصبحت في الشارع واسودت الدنيا في عيني، خصوصا ان أولادي الذين تعبت في تربيتهم حتى كبروا جحدوني وتركوني ولم يسألوا عني ولم يعرفوا إذا ما كنت «حية أو ميتة».
متسول رفض ذكر اسمه قدم لـ «الراي» أوراق لحالة ابنه المستعصية حيث عجز عن دفع مصاريف علاجه فلجأ لأبواب الخير والجمعيات الخيرية ومنهم من أعطاه وآخرون رفضوا، ويؤكد «أنا لست متسولاً بل محتاج وحصيلة ما أجمعه تتراوح ما بين 20-30 ديناراً يومياً فقط فماذا أفعل؟
وتؤكد أم سلمان انها لا تسرق أحداً ولا تغصب لقمة عيش أحد، وأضافت انها جمعت خلال شهر رمضان الماضي ألف دينار، وقالت باستهزاء «لماذا لا أتسول؟!».
أما الطفل علي الذي يبلغ من العمر 10 سنوات فقال: «أبي وأمي كبارا في السن ولا أحد يعمل لدينا ومن واجبي أن أعمل وأبيع وأطوف في الشوارع».
ويقول أبوخالد «أسرتي تتكون من 14 فرداً ونعيش في غرفة صغيرة اين الحل هل تريدني ان اقتل ام اسرق فكيف أعيش في هذا الغلاء انا لا اسرق احداً ولا أغصب من أحد لقمة عيشه».
لكن أبوفهد يطلب منا عدم لومه قبل السؤال عن السبب وقال: «الذي أجبرني على المر هو الأمر منه»، أنا متزوج ولدي 10 أطفال جميعهم في المدارس ووالدتي كفيفة وليست لديها سواي بعد وفاة ابي وراتبي الشهري 250 ديناراً فماذا أفعل؟ هل أترك أولادي في الشارع؟ هل أطرد أمي من المنزل؟
وينتقد المواطن أحمد الشمري انتشار ظاهرة التسول في الكويت الى هذا الحد خصوصاً في شهر رمضان المبارك ويؤكد ان عدداً كبيراً من المتسولين ليسوا في حاجة الى المال وانما هي مجرد مهنة او وسيلة غير مشروعة للكسب والثراء على حساب الناس وأضاف الظاهرة تتزايد يوماً بعد آخر، ونجدهم يفترشون الأرض حول المساجد خصوصاً بعد صلاة التراويح، حيث يتابعون الخارجين من المساجد وهم يلحون على طلب الصدقة بحجة المرض أو فقدان المال وغيرها من الحجج التي تدفع المصلين الى عدم ردهم خائبين والتصدق عليهم، لكن زيادة الصدقات بهذه الطريقة تشجع على تفشي ظاهرة التسول.
وترى وفاء ثروت ان انتشار هذه الظاهرة تحتاج الى علاج وطني شامل وتقول: المطلوب هو تنظيم حملة تشارك فيها جميع الجهات الحكومية والخاصة للتصدي الى هذه الظاهرة لمنع انتشارها والبحث عن الحلول الحقيقية لعلاجها.
ويضيف محمد المطيري انه لا يرضى أحد في الكويت ان تتشوه صورة البلاد في الخارج حيث ان مجتمعنا يضرب به المثل في الخير وتطبيق الدين الحنيف ولا يصح ان تظهر خلاله مثل هذه الحالات التي تشوه صورته، وقال لا يعقل ان يظهر متسول في بلد يعيش في هذه الرفاهية المادية وتنتشر فيه أعمال الخير.
وخلافاً للرأي السابق يطالب فهد بمد يد العون والمساعدة الى كل متسول ومتسولة ويقول صدقوني لن يمد شخص يديه الى آخرين من غير أن يكون محتاجاً فعلاً الى هذه الصدقة.
ويؤكد فارس العنزي ان انتشار التسول في الكويت سببه الوافدون الذين يدخلون بتأشيرة زيارة ويمارسون هذه الأعمال أمام المساجد وفي مداخل الاسواق وغيرها من التجمعات.
ويختم المواطن عبدالله بأن التسول لم يعد قاصراً على هذه الأماكن فقط وانما امتد ايضاً الى الصعود للمباني السكنية ودق الابواب على الناس.