ما كادت تداعيات المعارك الانتخابية في استحقاق الانتخابات البلدية التي انتهت الأحد الماضي في لبنان تبدأ بالانحسار، حتى اندلعت تحت وطأتها معارك سياسية تبدو نتيجةً حتمية لما يمكن وصْفه بتَبادُل «الضرب تحت الزنار» بين الأفرقاء السياسيين الذين كانوا في صفّ واحد.وبدا واضحاً في هذا السياق ان الافتراق الكبير بين أطراف قوى 14 آذار الذي بدأ قبل أكثر من ستة أشهر مع ترشيح زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري للنائب سليمان فرنجية وترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في المقابل العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، قد اتخذ وجهاً صدامياً جديداً بعد انتخابات منطقة الشمال التي شكلت مسرحاً إضافياً لزيادة عوامل التفرقة والتوتر وخصوصاً بين «القوات» و«المستقبل».واتّضح هذا البُعد بقوّة ليل الأربعاء عندما انفجر سجال حادّ بين الحريري وجعجع عقب مقابلة تلفزيونية للأخير تحدّث فيها بإسهاب ومن زاويته الخاصة عن قراءته لمجريات معارك الشمال الانتخابية، وغمز مراتٍ كثيرة من قناة حليفة السابق الحريري سواء في موضوع الانتخابات البلدية او في أزمة رئاسة الجمهورية، فكان ان سارع زعيم «المستقبل» بعد منتصف الليل الى الردّ على رئيس «القوات» عبر «تويتر».وفيما كانت الانتقادات المبطّنة التي وجّهها جعجع الى الحريري تركّزت على تحالفات انتخابية عقدها الأخير مع أطراف مناهضين لقوى 14 آذار، معتبراً ان فوز وزير العدل المستقيل اللواء اشرف ريفي في معركة طرابلس كان نتيجة انتفاضة شعبية - سياسية، داعياً تيار «المستقبل» الى التعامل معها بجدية وآخذاً عليه انه ضدّ «تحالف معراب» (بين جعجع وعون)، جاء ردّ الحريري عليه من باب الأزمة الرئاسية، اذ غرّد بدايةً: «لا يا حكيم نحن مش ضدّ التحالف بس نحنا كمان قلنا حق نبقى واقفين مع الي وقفوا معنا من 2005». وبعدما ردّ رئيس «القوات» مباشرة في مقابلته سائلاً هل «(النائب) سليمان فرنجية وميريام سكاف وقفوا معك في الـ2005؟ نحن أكثر ناس وقفنا معك»، أكمل زعيم «المستقبل»: «للتوضيح مع حفظ الألقاب الي وقفوا معي دوري شمعون، وسامي الجميل وبطرس حرب والياس المر وهادي حبيش، وفريد مكاري اذا حابين فيني كمل»، ليضيف: «يا حكيم اول مَن رشحك للرئاسة كان سعد الحريري فقط للتذكير لكن البلد اهم منك ومني والي عطل مبادرتي لإنهاء الفراغ الرئاسي هو انت وحزب الله»، قبل ان يكمل: «الاجندة الوحيدة التي تحركني هي اجندة وطنية وليست طائفية او مذهبية ولا بفكر بربح شخصي اهم شي انه البلد يربح والشعب يعيش».وأكثر ما استوقف أوساطاً سياسية في ردّ الحريري انها المرة الأولى علناً التي يضع فيها الحريري زعيم «القوات» على قدم المساواة مع «حزب الله» في تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، ولو من زاوية تَمسُّكهما بترشيح عون.وهذا التطور أدرجته هذه الأوساط المواكِبة للتداعيات الناشئة عن الانتخابات البلدية في اطار ارتسام طلائع مشهد سياسي جديد ينطوي على الكثير من خلط الأوراق والمواقع والتحالفات، الأمر الذي يعيد الى الواجهة ملفات الأزمة السياسية والرئاسية بوجهٍ شديد السخونة انطلاقاً من تصفية حسابات بدأت تتخذ بعداً مؤثرا بقوة على المسرح الداخلي.وتشير الأوساط الى ان التداعيات هذه لن تقف عند حدود اتساع الخلافات والتباينات بين حلفاء الأمس، ولكنها تتمدّد في اتجاه ملفٍ شائك آخر هو قانون الانتخابات النيابية الذي تواصل اللجان النيابية المشتركة درسه في جلسات أسبوعية وتثبت مداولاتها حوله عمق التعقيدات والخلافات بين القوى السياسية على النظام الانتخابي الجديد الذي يفترض ان يتبع مكان القانون الحالي المسمى قانون الستين (1960 ). واذ تصاعدت الخلافات بقوة في الجلسة الأخيرة اول من امس، أبدت الأوساط شكوكاً واسعة في امكانات التوصل الى قواسم مشتركة بين الكتل النيابية، علماً ان البحث يُحصر بصيغة للنظام الانتخابي المختلط بين النظام الاكثري والنظام النسبي.وتلفت الأوساط نفسها الى ان مناخ النقاش النيابي حول قانون الانتخاب سيتخذ منحى جديداً أكثر تعقيداً من السابق، نظراً الى التداعيات التي أحدثتها نتائج الانتخابات البلدية، والتي أشعلت المخاوف الضمنية في صفوف كل القوى والأحزاب، الأمر الذي سيُترجم تشدداً إضافياً حيال مواقفها ومصالحها الانتخابية.وقالت هذه الأوساط ان اندلاع السجال الاخير بين الحريري وجعجع أعاد بقوة الى الواجهة ايضاً السيناريوات المتشائمة حيال أزمة الفراغ الرئاسي، التي تبدو مقبلة على مراوحة طويلة الأمد، وسط بلبلة داخلية كبيرة وانعدام أفقِ اي تحرك خارجي فعال في إنهاء هذه الأزمة، علماً ان جلسة انتخابية لانتخاب رئيس الجمهورية حملت الرقم 40 انعقدت امس وكانت الاولى بعد تجاوُز الأزمة في 25 مايو الماضي سنتها الثانية بلا طائل بفعل فقدان النصاب.وأعربت الأوساط عيْنها عن اعتقادها ان المرحلة المقبلة ستكون مفتوحة على الكثير من الارباكات الداخلية التي ستنعكس بدورها على الواقع الحكومي، حيث عادت امس مثلاً ملامح تجاذبات تَتهدّد الحكومة بالشلل في إنتاجيتها جراء تَبايُن حول ملف إقامة سدّ جنّة المائي (على مجرى نهر ابراهيم في منطقة جنة - جبيل)، الذي أحدث خلافاً واسعاً دفع بفريق عون الذي يتبنى مشروع السد الى التلويح بتعطيل جلسات الحكومة.كما ان الجلسة انعقدت على وقع ارتفاع منسوب التوتر في المقلب المسيحي - المسيحي وتحديداً صهر عون وزير الخارجية جبران باسيل ووزير الاتصالات بطرس حرب على خلفية نتائج انتخابات الشمال ولا سيما منطقة تنورين (البترون) والقراءة التي قدّمها باسيل لما حقّقه «التيار» في القضاء رغم خسارة الثنائي المسيحي («القوات» - التيار) امام اللائحة التي دعمها حرب في تنورين. وقد ردّ وزير الاتصالات على باسيل ضمناً امس في مؤتمر صحافي عقده مؤكداً «اللبنانيين تواقون للديموقراطية ولن أناقش بعض أقزام السياسة والسفهاء، وقضاء البترون لن يكون مزرعة لبعض السياسيين وتنورين لن تخضع لأحد».أكدتْ أنها لم تتلقَ ما يكفي لإقناعها «بقيام الدليل على وفاته»
خارجيات
التجاذبات تربك الحكومة وتعقّد مسار استيلاد قانون انتخاب جديد
«انكسار الجرّة» بين الحريري وجعجع كرّس «خلْط الأوراق» في لبنان
02:02 م