أقامت تركيا يوم الأحد في 29 مايو، احتفالات ضخمة لمناسبة ذكرى مرور 563 عاماً على فتح القسطنطينية، وهي المدينة المعروفة اليوم باسم اسطنبول. وقد حضر الاحتفالات، الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الحكومة الجديد بن علي يلدريم ومئات الآلاف من المواطنين الأتراك والمسلمين. واشتملت تلك الاحتفالات على عرض سينمائي وعرض لسلاح الجو التركي، وعروض بانوراما.وفي مقابل هذا الاهتمام التركي الضخم بإحياء هذه الذكرى السنوية، نجد ما يمكن أن نطلق عليه لا مبالاة كبيرة من جهة كثير من الدول العربية والإسلامية نحو هذه المناسبة، وهو ما يثير التعجب والاستغراب!ففتح القسطنطينية، وإن كان تم على يد العثمانيين، وكانوا هم فرسان المعركة وأبطالها، إلا أن هذا الفتح يعتبر نصرا للمسلمين كافة. ففتح المدينة يعني إسقاط عاصمة الامبراطورية الرومانية في الشرق، والتي كانت تشكل الخطر على بلاد المشرق العربي، ومحطة انطلاق جيوش الروم لغزو بلاد المسلمين.وفي فتحها تم تحقيق بِشارة النبي محمد صلى الله عليه وسلم حين أثنى على الجيش الذي يفتح المدينة وقائده بقوله: «لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش».إن من الجميل عندما تمر بنا ذكرى فتح القسطنطينية، أن نتعلم بأن كل إنجاز لا بد له من تجهيز وإعداد، وأن الأمور لا تتم بالأحلام والأماني.وقد بذل محمد الفاتح، كل أسباب النصر المادية والمعنوية من أجل تحقيق ذلك الفتح، فقد حض الجيش على الالتزام بالآداب الإسلامية، والمحافظة على الصلاة، واللجوء إلى الله تعالى بالدعاء. وفي المقابل أعد الأسلحة التي تمكنه من الفتح ومنها المدفع العملاق، والذي دك به حصون القسطنطينية.نتعلم أن الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وندرك أنه لا وجود لليأس في قلوب المسلمين، فلقد سبق فتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح العثماني، محاولات عديدة منذ عهد الصحابة لنيل شرف فتح المدينة، ورغم تلك المحاولات التي باءت بالفشل، إلا ذلك لم يمنع من محاولة فتحها مرة أخرى.ونوقن من خلال ذكرى الفتح، أن نصر هذا الدين لا يتوقف عند عرقية معينة أو طائفة محددة أو جنسية ما، وإنما قد ينتصر الدين بالرجل الأعجمي، وقد يخذل الإسلام الرجل العربي الفصيح.اليوم نرى أن تركيا الجديدة بقيادتها الجديدة ذات المرجعية الإسلامية، من أكثر الدول المؤهلة لجمع المسلمين على كلمة واحدة، ولتكون هي رأس الحربة في مواجهة الأخطار التي تتعرض لها الدول والشعوب الإسلامية.فهي تعيش تجربة ديموقراطية حقيقية - إذ يتم اختيار رئيس الجمهورية والحزب الحاكم بالانتخاب - ولديها نمو اقتصادي كبير، وهي دولة تصنّع العديد من أسلحتها، ولديها خدمات مجتمعية متقدمة، ناهيك عن موقعها الجغرافي ومساحتها الكبيرة.إن تركيا لن تستطيع أن تدافع عن حقوق المسلمين لوحدها، وإنما تحتاج لدعم ومناصرة أشقائها في البلاد الإسلامية وفي مقدمها دول الخليج.وقد تحدثت في مقالة سابقة عن مؤامرة سايكس - بيكو، وهي الاتفاقية التي تم فيها تقسيم بلاد العرب بين فرنسا وبريطانيا، بعد تهاوي الدولة العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، في الحرب العالمية الأولى على يد التحالف، وبدعم للأسف من بعض الأطراف العربية.من هنا نقول، لا بد أن نستفيد من تجاربنا، وأن تضع حكومات الدول العربية والإسلامية يدها بيد بعض، ليس من أجل المحافظة على الشعوب العربية وحقوقها فقط، وإنما للمحافظة على الكراسي أيضا، فتاريخ سايكس - بيكو، ونهاية ملوك الطوائف في الأندلس تحكي الكثير من الدروس والعبر.«والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين».Twitter:@abdulaziz2002