ماذا بعد الانتخابات البلدية والاختيارية التي اختُتمت أمس في لبنان، بعد اربع جولات جرت طوال الشهر الجاري، آخرها في محافظتيْ الشمال وعكار، حيث دعي نحو 850 ألف ناخب الى الاقتراع؟هذا السؤال طُرح بقوة في بيروت، التي ستغرق ابتداء من اليوم، في عملية تقويم لنتائج هذا الاستحقاق الانتخابي، وإجراء «جردة حساب» للربح والخسارة، لا سيما بعدما تم إسباغ طابع سياسي فاقع ومبالَغ فيه على عدد من المعارك، التي بدت وكأنها تدور في «الحديقة الخلفية» للانتخابات الرئاسية والنيابية.الجولة الرابعة من الاستحقاق البلدي جرت وسط إجراءات امنية كثيفة، لم تعكرها أي أحداث تُذكر، باستثناء بعض الإشكالات العابرة، التي لم تخرج عن إطار الجولات الثلاث السابقة، وسط تركُّز الأنظار على المناطق، التي شهدت انخراط القوى السياسية والحزبية فيها بقوّة، وحوّلتها معارك تثبيت نفوذ لها، بتحالفاتها المختلفة، حتى بين قوى متخاصمة تقليدياً. علماً أن الشمال يمتاز عن العديد من المناطق اللبنانية الأخرى ببُعد اجتماعي أساسي، يتمثّل في «خزّانات الفقر» التي تتسّع من مدينة طرابلس، ثاني أكبر مدن لبنان، ذات الغالبية السنّية الساحقة، الى مناطق عكّار المتنوعة الطوائف.ولكن أسوة بالجولات الانتخابية السابقة، برز البُعد السياسي في معركة طرابلس تحديداً، وكذلك في البلدات ذات الغالبية المارونية والمسيحية عموماً، لا سيما في أقضية البترون وبشرّي وزغرتا، حيث انخرطت زعاماتها التقليدية، وكذلك الأحزاب المسيحية الأساسية، مثل «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» و«الكتائب» وتيار «المردة» في معارك تثبيت نفوذها. وتبعاً لذلك ستتركّز الأنظار في الساعات المقبلة لتبين نتائج الانتخابات برمزيتها السياسية في المدن والبلدات الآتية:أولاً: طرابلس على خلفية المعركة الشرسة التي خاضتها لائحة مدعومة من وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي، الذي حصل شرخ كبير في ارتباطه بزعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري، راح معه ريفي الى تشكيل حالته السياسية الخاصة في عاصمة الشمال، وجسّد ذلك في معركة انتخابية حادة في مواجهة تحالف سياسي واسع، دعم لائحة «لطرابلس» وضم ّالرئيس الحريري والرئيس نجيب ميقاتي والنائب محمد الصفدي والوزير السابق فيصل كرامي.وعلى قوة هذا التحالف العريض، الذي كان مرجحاً فوز اللائحة المدعومة منه، فإن معارضيه في طرابلس وخارجها يراهنون على خرق لمصلحة لائحة ريفي، بما يجعل من الأخير نجم المعركة الطرابلسية والمؤهل القوي لخوض معركة الانتخابات النيابية المقبلة. ولكن الأمر سيتوقّف على حجم الأصوات التي ستنالها لائحة التوافق العريض، وكذلك حجم الأصوات لدى معارضيهم، لا سيما ريفي، علماً ان أربع لوائح تنافست في طرابلس، بينها لائحة برئاسة النائب السابق مصباح الاحدب، وأخرى لمستقلين، من دون ان ينجح ذلك في رفع نسبة الاقتراع، التي كانت اقتصرت على 14.3 في المئة، قرابة الثالثة عصراً، ما استدعى تحرّك الماكينات الانتخابية، في محاولة لاستنهاض الناخبين، قبل فقل الصناديق عند السابعة مساءً، وذلك خشية حصول مفاجآت.ثانياً: تنّورين في قضاء البترون والقبيّات في محافظة عكار، إذ تشابهت المعركة الانتخابية في هاتين البلدتين، ذواتَي الغالبية المارونية، من حيث المواجهة التي خاضها وزير الاتصالات والزعيم التقليدي البتروني بطرس حرب في تنّورين ضدّ تحالف «التيار الوطني الحر» بزعامة ميشال عون و«القوات اللبنانية» بقيادة سمير جعجع، مثلما خاض المواجهة نفسها النائب في كتلة «المستقبل» هادي حبيش، ابن بلدة القبيّات العكّارية، متحالفاً مع النائب السابق مخايل ضاهر، و«الكتائب» في مواجهة الثنائي العوني - القواتي.وبدت اندفاعة الثنائي المسيحي المستجد (التيار والقوات) الى خوض معركتيْ القبيّات وتنّورين بقوة مرتبطة بالرغبة في توجيه رسالتين، الاولى ذات صلة بالبيت المسيحي والثانية برسم الرئيس الحريري. ذلك أن المنازلة بوجه الوزير حرب حملت جانباً يضمر «تثبيت أقدام» تحالف عون - جعجع، وكسْر حرب في مسقطه، تمهيداً لفتح الطريق امام الوزير جبران باسيل (صهر عون) لدخول البرلمان ممثلاً لقضاء البترون، بعدما فشل مرّتين متتاليتين في صناديق الاقتراع النيابية.أما الرسالة الثانية، فموجّهة من الثنائي المسيحي الى الحريري عبر صناديق القبيّات، التي كان بارزاً حرص جعجع شخصياً على الدخول على خطّ معركتها، من خلال استقباله لائحة التحالف قبل يومين من الانتخابات، ثم نزول ابنة عون السيدة ميراي الهاشم إلى ارض المعركة في القبيات أمس، واضعةً «الموْقعة» فيها بقالب سياسي مباشر.وأراد عون وجعجع من خلال المواجهة في القبيات مع اللائحة المدعومة من حبيش (من كتلة الحريري) «رسْم حدود» لنفوذ زعيم «المستقبل» ودوره في اختيار النواب المسيحيين في عكار (يتمثلون بثلاثة نواب من اصل 7)، وتأكيد ان هذا الثنائي هو صاحب القرار في هذا الاختيار.ثالثاً: بشرّي وزغرتا حيث تركّزت الأنظار على استفتاء الزعامة لـ «القوات اللبنانية» في المعقل الاساسي لزعيمها جعجع وزوجته النائبة ستريدا جعجع في مدينة بشري وقرى القضاء عموماً، مثلما شخصت العيون على بلدة زغرتا وقرى القضاء كاستفتاء لزعامة سليمان فرنجية رئيس «تيار المردة» والمرشّح لرئاسة الجمهورية المدعوم من الرئيس الحريري بوجه عون الذي تؤيّده «القوات».وكان لافتاً على هامش الانتخابات أمس، انفجار سجال بين فرنجية وباسيل، الذي كان قال بعيد إدلائه بصوته في البترون انه لا وجود لـ «المردة» في البترون وتنورين، ليردّ فرنجية من زغرتا: «هو (باسيل) لا يحس بوجود العماد ميشال عون أصلاً لذلك لن يشعر بوجود المردة في البترون».ولاحقاً، أوضح باسيل انه لم يقل «اننا لا نشعر بوجود المردة بل قلنا اننا لا نشعر بالمنافسة معهم»، مضيفا ان «المشكلة تكمن مع فرنجية في أنه يبني على أخبار غلط وقلنا إننا غير شاعرين بالمنافسة وليس بوجودهم».والأهمّ في كلام فرنجية من مسقطه، كان ما كشفه عن انه تواصل هاتفياً مع الحريري اول من امس «وأبلغتُه أنه اذا أراد التصويت رئاسياً للعماد عون فلا مشكلة لديّ»، معلناً:«أكدنا على أن اتفاقنا مستمر ومرتاح».وجاء هذا الاتصال بعيد ردّ الحريري على موقف لنائب الامين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم دعا فيه تيار «المستقبل» إلى الحوار مع عون لانتخاب رئيس للجمهورية. وقال زعيم «المستقبل»: «نزولاً عند رغبة الشيخ قاسم، يقترح تيار المستقبل على السيد حسن نصر الله جمع حليفيه ميشال عون وسليمان فرنجية الى طاولة حوار معه، على أن تنتهي طاولة الحوار بين نصرالله وحليفيه المرشحين بإعلان انسحاب أحدهما لمصلحة الآخر».
خارجيات
الحريري طالب نصرالله بجمْع عون وفرنجية وإقناع أحدهما بالانسحاب
لبنان طوى آخر معاركه البلدية والعيون على «جردة الحساب» السياسية
12:24 م