مجدداً، تتجه أنظار البنوك المركزية العالمية عموماً، والخليجية خصوصاً إلى اجتماع مجلس الاحتياط الفيديرالي الاميركي المزمع عقده منتصف شهر يونيو المقبل.فمع اقتراب ذلك الموعد، يضع صانعو السياسة النقدية الخليجية سيناريواتهم للتعامل مع جميع الاحتمالات الممكنة، وفي مقدمها الرفع، لاسيما وأن التكهنات تميل أكثر إلى هذا الخيار.ولعل السؤال الأبرز في هذا السياق يتعلق بردة فعل بنك الكويت المركزي في ما لو اتُخذ القرار في أميركا برفع الفائدة.وكان أعضاء «الفيديرالي» قد صوتوا في ديسمبر الماضي بالإجماع على رفع الفائدة الرئيسية إلى 25 نقطة أساس ما بين 0.25 و0.5 في المئة، فيما يتنامى الحديث في الوقت الراهن عن احتمال صدور قرار ثان برفع الفائدة، رغم وجود توقعات مقابلة تقلل من فرص التوجه نحو إقرار أي خطوة من هذا النوع في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الحالية.من حيث المبدأ، يبدو المحافظ الدكتور محمد الهاشل أكثر هدوءاً من نظرائه الخليجيين تجاه مراقبة اجتماع «الفيديرالي». يعود سر هذا الهدوء إلى أكثر من اعتبار، أبرزها أن سياسة «المركزي الكويتي» القائمة على ربط سعر صرف الدينار بسلة عملات من أهمها الدولار، سمحت برفع قيمة العملة المحلية، وعززت من وزنها أمام بقية العملات الخليجية خلال السنوات الماضية للدرجة التي بات معها الدينار أقل تعرضاً للضغوط التي تعانيها أسواق المنطقة من حركة سعر فائدة الدولارعلى عملتها، صعوداً وهبوطاً، ومن ثم يمكن القول إن هذه السياسة قلصت من تأثير ارتفاع سعر فائدة الدولار.علاوة على ذلك، فإن ربط الدينار بسلة عملات خلق هامشا مناسبا لدى «المركزي» يسمح له بالتحرك بمرونة أمام تحرك الدولار، بعكس العملات الخليجية الأخرى التي تحتفظ بهامش ضيق نسبياً في التحرك أمام الدولار، ما يجعل خياراتها إجبارية في اتباع أي تغيير يحصل في سعر الفائدة الأميركية، كما أن توجّه الكويت نحو طرح مشاريع تنموية وتعرض الموازنة العامة لعجز، وقيام الحكومة بطرح سندات محلية لتغطية هذا العجز ساهم في زيادة الطلب على الدينار.لكن هذه الراحة ليست مطلقة، إذ إن هناك مخاوف مشروعة لا يمكن إغفالها في حال أقر «الفيديرالي» رفع سعر الفائدة على الدولار، ليس أقلها التأثيرات المتوقعة على معدلات فائدة القروض للأفراد والشركات، بالسوق المحلي في وقت لاتزال العديد من الشركات تكافح لتوفيق أوضاعها منذ اندلاع الأزمة المالية في العام 2008، وهو ما تؤكده الأرقام الرسمية التي تظهر تراجعاً في أحجام التمويلات الممنوحة إلى القطاع الخاص.وبعيداً عن فكرة أن البنوك مقبلة على طفرة تمويلية مع مشاريع التنمية، وتمويل سندات الدين العام، إلا أن «المركزي» يبدي حرصاً واسعاً في إحداث التوازن المصرفي بين خطوط الائتمان الحكومية، وتلك المفتوحة للقطاع الخاص.وبالطبع تتزايد حسابات «المركزي» أكثر مع الحديث عن انعكاسات ذلك القرار على مؤشر أسعار المستهلكين، ومؤشر نفقاتهم لجهة معدلات التضخم المحلية، وأسعار الأصول، وربما على النمو الاقتصادي في فترة حساسة تشهد فيها إيرادات الدولة تراجعاً حاداً جرّاء انخفاض أسعار النفط قياسا بسنوات الوفرة المالية التي كانت تميز المالية العامة لسنوات طويلة.وفي هذا الخصوص، تقول مصادر مقربة إن «المركزي» يراقب باهتمام كبير اجتماع «الفيديرالي» المرتقب، فإذا كان قد نجح في الحفاظ على هامش مناسب للدينار، يسمح له بالتحرك بمرونة أكبر أمام الفائدة على الدولار، الا أن ذلك لا يغير قناعته بأن أي رفع جديد للفائدة الأميركية سينعكس بشكل مباشر أو غير مباشر على السوق المحلي، خصوصا في ما يتعلق باحتمال تأثير هكذا قرار في رفع الضغوط التضخمية في الاقتصاد المحلي.وتتابع المصادر:«نقدياً، ليس بالضرورة أن تتأتى هذه الضغوط مع فرضية تراجع قيمة العملة المحلية في حال رفع سعر الخصم على الدولار، إذ من المتوقع أن يؤدي أي رفع جديد للفائدة الأميركية إلى تخفيض محاولات التحفيز التي تقوم بها البنوك الخليجية لرفع معدلات الإقراض، إضافة إلى ذلك فإن القرار يرجح أن يقود إلى حرمان هذه الأسواق من التمتع لحد ما بالقدرة المعتادة في المحافظة على تضخم معتدل لديها».أما من نافذة التأثيرات السلبية المتوقعة على أسواق الخليج في حال رفع سعر الفائدة، فتأتي مخاوف «المركزي» من صعوبة تفادي انعكاسات ذلك على السوق المحلي، خصوصا في ظل طبيعة الاقتصاد الكويتي القائمة على الاستيراد بشكل واسع.وإذا كان من المرجح ألا يغير «المركزي الكويتي» من تقليده لجهة تتبع خطى «الفيديرالي»، مواكباً بذلك التطورات المتواصلة في أسعار الفائدة على العملات الرئيسية في الأسواق العالمية، إلا أن السياسة النقدية لـ«المركزي»المعاكسة لسياسات البنوك الخليجية لجهة ربط العملة المحلية بسلة عملات، واتساع الهامش مع سعر الخصم على الدولار، يتيحان له قدراً مناسباً من المرونة في رفع سعر الخصم المحلي بشكل تدريجي في حال قرر«الفيديرالي» رفع الفائدة على الدولار، ما يذكي فرضية أن الإجراءات التي سيتبعها البنك مقابل أي رفع محتمل لسعر الفائدة ستكون بحذر وبشكل طفيف، خصوصا وأن الحديث العام في الأسواق العالمية تشير إلى احتمال أن يتم رفع سعر الفائدة أكثر من مرة خلال العام الحالي.تجدر الإشارة إلى أنه منذ أن قرر البنك المركزي فك ارتباط الدينار بالدولار، ومعاودة ربطه بسلة من العملات في العام 2007 (من غير المعلوم وزن كل عملة موجودة في هذه السلة) إلا أن التطبيق العملي لتلك السياسة منذ نحو 9 سنوات أظهر أن تركيبة وأوزان هذه السلة ساهمت في ترسيخ أجواء الاستقرار النقدي في الاقتصاد المحلي.