يرخي هذا اليوم 25 مايو 2016 ظلالاً سودوية على المشهد اللبناني، اذ يصادف ذكرى مرور سنتين على بدء أزمة الفراغ في منصب رئاسة الجمهورية، كما يتزامن مع الذكرى السادسة عشرة لتحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي العام 2000.وفيما يُتوقع ان تمثّل هذه الذكرى المزدوجة مناسبة لإطلاق مواقف قيادية وسياسية عديدة من سائر الاتجاهات، ستُجمِع بطبيعة الحال على ضرورة الإسراع في انتخاب رئيسٍ للجمهورية مع بداية سنة ثالثة من الفراغ الرئاسي، يبدو الواقع الذي يحكم أزمة لبنان موغلاً أكثر فأكثر في التعقيدات الداخلية والإقليمية التي تحول دون أيّ توقّعات متفائلة بقرب انتهاء هذه الأزمة.واذا كانت بعض التحرّكات والمواقف التي حصلت في الآونة الأخيرة أوحت بأن جهوداً حقيقية تُبذل للدفع نحو التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، فإن الوقائع الجدية لا تزال تؤكد ان العقبات الأساسية التي تمنع أيّ انفراج ليست مرشحة للإزالة في وقت منظور ما دامت أزمة الفراغ رُبطت بشكل واضح بالواقع الإقليمي المتفجّر.وفي هذا السياق، تعتبر أوساط سياسية بارزة عبر «الراي» ان «الاختبار الأبرز الذي سيُبنى عليه مصير الاستحقاق الرئاسي داخلياً يتمثل في المحاولة الجارية لتقديم التوافق على قانون جديد للانتخابات النيابية وفق مبادرة رئيس البرلمان نبيه بري، علّها تؤدي الى إجراء انتخابات نيابية مبكرة ومن ثم يعقبها فوراً انتخاب رئيس للجمهورية».وترسم الأوساط علامات شكوك واسعة حول احتمالات نجاح هذه المحاولة، خصوصاً ان نتائج المشهد السياسي بعد الانتخابات البلدية والاختيارية الجارية، والتي تنتهي الاحد المقبل، يُرجّح ان تؤدي الى حسابات جديدة لدى القوى السياسية يصعب معها البناء بسهولة على إقرار قانون انتخاب جديد، فيما يمثّل المضي في القانون الحالي المعروف بقانون 1960 الاحتمال الأكثر إثارة للخلافات. وبذلك تستبعد الاوساط النجاح في اجراء انتخابات نيابية قبل موعدها القانوني المحدَّد ربيع 2017.وتشير هذه الأوساط الى ان «بحثاً جدياً في إحداث ثغرة في جدار الأزمة الرئاسية لن يكون متاحاً إلا من منطلق ربط المواقف الداخلية بالمواقف الاقليمية، التي تمثّل عامل تأثير قوياً وحاسماً، خصوصاً على القوى التي تعطّل الانتخابات الرئاسية. لذا تنتظر القوى السياسية المهمة التي سيأتي بها وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت بعد يومين الى بيروت، امتداداً للزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للعاصمة اللبنانية منتصف ابريل الماضي».وقالت الأوساط نفسها إن «الوزير الفرنسي سيجري مروحة واسعة من اللقاءات مع سائر القوى السياسية والحزبية والمسؤولين الرسميين وإن مهمته ستمهّد لمحادثات جديدة سيجريها الرئيس الفرنسي مع ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان ومن بعده وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف حول الأزمة الرئاسية اللبنانية كأولوية تنوي فرنسا تقديمها في جدول تحركاتها الديبلوماسية في المرحلة الحالية والمقبلة».ومع أن الأوساط لا تخفي شكوكها الدائمة حول جدوى التحرك الفرنسي الذي لم يتمكن سابقاً من التوصل الى إقناع ايران تحديداً بتسهيل الاستحقاق اللبناني، فإنها لا تخفي أهمية الدلالات التي دفعت بهولاند الى مواصلة تحركه في هذه الاتجاهات المثلثة الأضلع اللبنانية والسعودية والايرانية.وتعتقد الأوساط أن فرنسا تدرك تماماً أهمية توقيت تحرُّكها بعد مرور سنتين من الفراغ الرئاسي وأن هذا التحرك متناغم ومنسَّق مع «مجموعة الدعم الدولية للبنان» وعلى رأسها الامم المتحدة، من اجل عقد اجتماع للمجموعة بعد التحركات الفرنسية المقررة الآن. وهي محاولة متقدمة تسعى الى إقامة مظلة دولية لتحرك مع القوى الاقليمية، من اجل تحييد الأزمة الرئاسية عن الصراعات الاقليمية واستعجال انتخاب رئيس للجمهورية، لأن ذلك وحده يدفع القوى اللبنانية نحو توافق على شخص الرئيس وتوقيت انتخابه.وفيما نقلت صحيفة «اللواء» أمس، عن مصادر ديبلوماسية أوروبية، ان اقتراح انتخاب رئيس لسنتين، طُرح في الاجتماع بين هولاند والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي (زار باريس قبل نحو اسبوعين)، ثم بين الأوّل والرئيس سعد الحريري، على ان يكون ميشال عون هو رئيس هذه المرحلة، الأمر الذي لم يلق قبولاً - وفق المعلومات الاوروبية - من الرئيس الحريري، حضر الملف الرئاسي في محادثات رئيس الحكومة تمام سلام في إسطنبول على هامش مشاركته في مؤتمر القمة العالمية للعمل الانساني، الى جانب قضية النازخين السوريين التي رسم سلام موقفاً عالي السقف حيالها بتأكيده، متوجهاً الى الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون، رفض لبنان اي توطين لهؤلاء على أراضيه.وأفادت تقارير من إسطنبول ان الشغور الرئاسي كان محط اهتمام كل من المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل (خلال لقائها العابر مع سلام) ووزير خارجية دولة الفاتيكان بترو بارولين، الذي طلب لقاء رئيس الوزراء اللبناني، فوضعه الأخير في أجواء المعوقات امام ملء الفراغ الرئاسي، طالباً مساعدة الفاتيكان في تأمين انتخاب الرئيس المسيحي.