لم يمر تصريح وزير المالية وزير النفط بالوكالة أنس الصالح حول خصخصة إدارة بعض المرافق الحكومية دون أن يفتح المجال أمام العديد من الأسئلة كان أبرزها، هل يعني ذلك أن الحكومة ستتوقف عن توظيف جميع المواطنين الذين يتقدمون إلى ديوان الخدمة المدنية طلباً للوظيفة؟مبعث السؤال أن التوجه المقترح للتعمل مع العمالة الوطنية في القطاعات المرشحة للخصخصة يقضي بتخيير العاملين الكويتيين بين البقاء في الشركة أو التقاعد أو الانتقال إلى وظيفة حكومية أخرى، ما يعني المزيد من الفائض في القطاعات الحكومية غير الخاضعة للخصخصة. وفي الوقت ذاته، ستجد الحكومة مجالات أقل للتوظيف بعد أن تخرج مرافق من إدراتها المباشرة إلى إدارة القطاع الخاص، وهذا يعني أن استيعاب المزيد من المواطنين في القطاع العام سيصبح في وقت ما شبه مستحيل.يأتي ذلك فيما زالت عقول المواطنين والمقيمين مترقبة لتبعات خصخصة إدارة بعض القطاعات الخدمية ( تعليم، صحة، مصافي نفط) والتي ترتبط بالحياة اليومية لهم، إذ ينتظرون الإجابة عن تساؤلات عدة تتعلق بتكلفة خدمات الجهات المخصخصة إدارتها، وكيفية تعاملها مع المواطنين العاملين فيها سواء باستمرارهم في العمل من عدمه، ناهيك عن قواعد التعيين مستقبلا، والمميزات الوظيفية والأجور.«الراي» حاولت الإجابة عن تلك التساؤلات. إذ اتفق المختصون على أن خصخصة الإدارة يضع الشركة التي ستتولى إدارة المرفق الحكومي أمام تحدٍ يرتكز النجاح فيه على معيارين، الأول يتعلق بمستوى الخدمة أو المنتج حيث ستسعى للوصول إلى مستوى جودة أعلى بنفس التكلفة، وهو ما يبدد مخاوف المواطنين والمقيمين.وأوضح المختصون أن المعيار الثاني يتمثل في التوظيف الأمثل لكافة الموارد المتاحة سواء مالية أو بشرية بما يحقق وفورات في تكاليف التشغيل تعود في النهاية بتخفيض بند الانفاق في الموازنة العامة، ما يتيح للدولة توجيه تلك المصروفات لقطاعات أخرى وتنميتها وفقاً لما أكدوا عليه في ما يلي:يقول أستاذ الإدارة الحكومية في جامعة الكويت الدكتور طارق الريس، إن جوهر عملية الخصخصة، هو تغيير أسلوب تشغيل وإدارة المشروعات والمرافق العامة لتصبح في نفس كفاءة وفعالية المرافق الخاصة، ويكون الإنتاج ومستوى الخدمة والفعالية أسسا لتقييم الأداء.وأكد ان الخصخصة تُعنى برفع حجم دور القطاع الخاص في نشاط الدولة الاقتصادي بما يزيد من فعاليته،إما من خلال نقل الملكية وإما التشغيل و إدارة الوحدات الإنتاجية والخدمية تحقيقا لأهداف الدولة الاقتصادية، إلا ان أهم عنصر في عملية الخصخصة هو تغير أسلوب إدارة المرافق والمشروعات العامة وهو ما اعلنت الحكومة عن اللجوء إليه أخيرا، وهو ما يتيح للدولة الاحتفاظ باملاكها العامة.الأمر الذي يعني إسناد إدارة المؤسسات الحكومية سواء خدمية او هادفة إلى الربح إلى شركات القطاع الخاص التي تمتلك خبرات في إدارة المرفق المراد خصخصته، بهدف رفع كفاءة الإدارة والتوظيف الأمثل لمواردها المالية والبشرية من أجل تعظيم الاستفادة وتحقيق المستوى المأمول من الخدمة أو المنتج عبر إدارتها بطريقة تجارية.ولفت الريس إلى أن هناك جهات حكومية تدار بطريقة تجارية ولكن لم تحقق النجاح بالصورة التي حققتها مثيلاتها المدارة من قبل القطاع الخاص، نظرا لأن العقلية الحكومية مسيطرة عليها، فيما يجيد القطاع الخاص الطرق التجارية خصوصا في ظل بعض التجارب السابقة مثل إحدى شركات الاتصالات التي تغير مسارها تماما بعد ان أصبحت بيد القطاع الخاص وأصبحت رائدة في قطاعها.وحول الكوادر الإدارية الموجودة حاليا في بعض القطاعات المرشحة للخصخصة وآلية الإدارة الجديدة في التعامل معها أشار الريس إلى ان كل شيء يحدد في العقود، ولكن الإدارة الخاصة ستحكم وفقا لما يوفر لها عوامل النجاح وهو ما سيجعلها تنظر في كل صغيرة وكبيرة بالمؤسسات التي ستعمل بها، بدءا من الموارد البشرية التي ستلجأ إلى إعادة هيكلتها لتحقيق أقصى استفادة منهم، عبر إعادة رسم المخططات الإدارية والوظيفية بما يتيح لها وضع الشخص المناسب في المكان المناسب عبر تحديد اختصاصاتهم بشكل أكثر وضوحا.ولفت إلى ان طلب الشركة هيكلة الموارد البشرية يخضع في النهاية إلى عقد الدولة مع الشركة نفسها، خاصة في التعيينات الجديدة بحيث يتيح الأمر للإدارة الجديدة ان تحقق عوامل النجاح،من خلال تحديد احتياجاتها بدقة ولا يستطيع خلالها ديوان الخدمة المدنية فرض عمالة جديدة لا حاجة لها.وذكر أن هيكلة الموارد البشرية قد تأخذ شكلين أساسيين، الأول يتمثل في إعادة توزيع الموظفين وفقاً لتخصصاتهم بحيث يسد العجز في قطاعات ويخففه في قطاعات أخرى بما يتوافق مع الحاجة، إلا أنه لا يمكن انهاء خدمات موظفين في جهة حكومية، ولكن يمكن تقنين التعيينات الجديدة بما لا يؤثر على المرفق المخصخص وأداء الشركة في النهاية، حيث ستوفر الدولة للشركات الجديدة ضمانات تتيح لها تحديد احتياجاتها الوظيفية بدقة دون فرض عدد معين من العمالة لا طائل منها بما يعد تدخلا من الحكومة في الإدارة قد يأتي بأثر سلبي، إلا انه من المؤكد ان الحكومة ستحدد في الإدارة الجديدة نسبة تكويت ضمانا لان ينالوا الخبرة اللازمة.وحول تكلفة الاستعانة بإدارة خاصة لتسيير مرفق حكومي قال الريس ان الأمر يعتمد على محوريين اساسيين، فالمرافق الحكومية الخدمية غير الهادفة للربح تتفق الحكومة في العقد على مقابل مادي تدفعه للإدارة الخاصة نظير ما تقدمه من خدمات، شريطة ان تحقق الأهداف المنشودة، اما اذا كان المرفق الحكومي يقدم خدمات تجارية ويهدف الربح، فقد يكون الاتفاق مبنيا على حصة من الأرباح مقابل إدارة المرفق وهو من النماذج الفعالة جدا والتي تعمل بنظام الأجر مقابل العمل، إذ لن تجني الإدارة الجديدة أجرها إلا أذا حققت النجاح المنشود، وكلما زاد نجاحها حققت إيرادات أكثر ما يعني أنه عامل تحفيز يحقق منفعة للأطراف الثلاثة وهي الحكومة والإدارة الخاصة والمواطنين.وذكر أنه في حال خصخصة الإدارة لا يمكن رفع الأسعار على المستهلكين، إذ سيتم التركيز على حسن توظيف الموارد المتاحة والوصول إلى أعلى معدلات الكفاءة في الخدمة ما يعني أنها ستحقق وفورات مالية ولن تكون عبئاً يذكر على ميزانية الدولة.ولفت إلى ان الإدارة الخاصة بعقليتها المتطورة التي تواكب أحدث المستجدات الإدارية عالميا ستخفف من البيروقراطية في الجهة الحكومية التي تتولى إدارتها، إلا أنه في المقابل سيكون هناك نوعا من الرقابة الحكومية التي ستحكمها معايير خاصة لمصلحة الشركة سينص عليها في العقد المبرم بينها وبين الحكومة.بدوره يقول وزير المالية وزير النفط الأسبق بدر الحميضي، إن خصخصة إدارة بعض المرافق الحكومية يعني أن الشركة التي ستقوم بالإدارة مكلفة بتسيير أعمال المرفق بفعالية وكفاءة أكبر دون انتقال الأصول، عبر طرح الحكومة خصخصة ادارة المرفق إلى القطاع الخاص الكويتي الذي يتقدم بعروضه للقيام بالمهمة في مقابل قيمة مادية معينة يتقاضاها من الدولة.وأشار إلى ان التوجه الحكومي لخصخصة الإدارة في الوقت الراهن تصرف سليم ومناسب جدا، إذ يتيح الفرصة للمجتمع الكويتي للتعرف على هذا النمط من الإدارة وأسلوب تقديم الخدمة، نظرا لانه في حالة الخصخصة الكاملة، قد لا يصبح الأمر مقبولاً في المجتمع الكويتي خصوصا مع تواجد قطاع خاص يتملك مرافق تقوم بذات أنشطة بعض المرافق المرشح خصخصة إدارتها كقطاعي التعليم والصحة.وأسرد الحميضي مميزات خصخصة الإدارة في 4 نقاط كالتالي:1-تحسن من جودة الخدمات التي تقدمها المرافق المراد تخصيصها.2-استقطاب كفاءات ومهارات بما يعود بالنفع على المرفق والمواطن مباشرة.3-تخفيض التكاليف التشغيلية للمرفق ككل عن طريق اتباع معايير وأسس حديثه ومدروسة.4-القضاء على البطالة المقنعة بإخراج الحكومة من طور ضرورة توظيف مواطنين جدد دون وجود حاجة إليهم.وذكر أن من عوامل النجاح في القطاع الخاص تقديم أعلى مستوى من الخدمة بأقل تكلفة حتى يحقق الربح، وهو ما يستدعي قدر الإمكان تخفيض التكلفة على نفسه وعلى الدولة مع تحسين مستوى جودة الخدمة من خلال التوظيف الأمثل للإمكانات المتاحة لديه.وبشأن آلية التعامل مع الموارد البشرية الموجودة على قوة القطاعات والمرافق الحكومية المنوي خصخصة إدارتها، أوضح الحميضي أن القطاع الخاص حين يفوز بإدارة أحد المرافق سيقوم باستخدام العمالة الموجودة بطريقة أكثر مهنية، ما يعني استمرار الكوادر الموجودة ولكن بكفاءة أعلى.ولفت إلى وجود عدة خيارات أمام العمالة الوطنية الموجودة في المرافق المراد تشغيلها وفقا لأحكام قانون الخصخصة مثل:أ‌-ان يستمر الموظف في المشروع لمدة 5 سنوات ومن ثم يصبح حق القرار باستمرار الموظف من عدمه للشركة الفائزة.ب‌-إذا رفض العاملون الاستمرار في المشروع المخصخص وطالبوا الدولة بتحمل مسؤولياتها لنقلهم بنفس وظائفهم وامتيازاتهم إلى مؤسسة حكومية أخرى.ت‌-ابداء الموظف رغبته في التقاعد.أما عن التعيينات الجديدة فيقول الحميضي انها ستكون مسؤولية الإدارة، ما يعني أن الدولة لن تستطيع أن تعين أي عمالة زائدة عن الحاجة في المرافق المخصخصة، وكذلك لن تستطيع تعيين اي شخص لا يحمل المؤهلات التي تجعله يعمل بكفاءة في ذلك المكان، حيث ستكون الخيارات أمامها متعلقة بالكفاءات بعيدا عن الارتباطات الحكومية مع المواطنين.وأوضح ان الطلب من الإدارة الخاصة تحقيق معايير حسن الخدمة بكفاءة عالية وتخفيض التكاليف سيتطلب من الحكومة عدم التدخل في اتخاذ قراراتها، وهو ما لا يعني الغياب الكامل للحكومة، ولكن تستطيع الحكومة الرقابة على عمل الشركة بصورة لصيقة للتأكد من مستويات الخدمة المقدمة وأن عمل الشركة يسير وفقا لما هو متفق عليه، إذ أن العقد بين الشركة الفائزة والجهة الحكومية، يحدد شروط وحقوق وواجبات اذا خالفتها الشركة تتدخل الدولة.وقال الحميضي ان خصخصة الإدارة ستكون وسيلة مناسبة جداً لمواجهة البطالة المقنعة (العمال الذين يحصلون على أجور أو رواتب دون مقابل من العمل أو الجهد الذي تتطلبه الوظيفة)، إذ ستعمل الإدارة الجديدة على الحد منها وتوظيفها بصورة ملائمة لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة، إذ ستساعد على التوظيف الأمثل للموارد البشرية المتاحة في الكادر الإداري للدولة حاليا.