حدث بارز، مثّل العشاء الذي أقامه السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري، مساء أول من أمس، وحضرته نحو 150 شخصية لبنانية، من مختلف المشارب الطائفية والسياسية، وذلك لما انطوى عليه من مجموعة دلالات معبّرة، ذات صلة بالعلاقات بين لبنان والمملكة، التي كانت دخلتْ قبل نحو ثلاثة أشهر في دائرة تأزُّم غير مسبوقة، كما بآفاق المأزق الذي تعيشه «بلاد الأرز» منذ عامين، على خلفية العجز عن ملء الشغور في رئاسة الجمهورية، الذي يدخل الاربعاء المقبل سنته الثالثة.وبدا من العشاء الذي أقامه عسيري في دارته في اليرزة، والذي جمع «كل لبنان»، باستثناء «حزب الله»، تحت «جناح» المملكة العربية السعودية، بمثابة رسالة مزدوجة في الشكل والمضمون، استوقفت الدوائر السياسية، التي قرأت هذا التطور على انه أبعد من مجرّد لقاء على مائدة، بل يحمل مجموعة خلاصات ومؤشرات أبرزها:* أن هذه التظاهرة السياسية في «بيت المملكة»، هي الأولى منذ انفجار الأزمة بين لبنان والسعودية ومعها دول مجلس التعاون الخليجي، نتيجة ما اعتبرته الرياض «مصادرة حزب الله لإرادة الدولة» وقرارها إجراء مراجعة شاملة للعلاقات مع بيروت، كان اول الغيث فيها وقف العمل بمساعدات بقيمة اربع مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن، مروراً بمطالبة رعايا دول مجلس التعاون بعدم المجيء الى لبنان، ومغادرته، وصولاً الى تصنيف «حزب الله» خليجياً وعربياً منظمة إرهابية.والواقع أن تاريخ 20 مايو، جاء بمثابة إعادة «النبض» الى علاقات لبنان بالسعودية، التي بدا سفيرها وكأنه يتحدّث أمام ضيوفه باسم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، فاتحاً نافذة على عودة «كل محبي لبنان اليه»، وموجّهاً رسالة باستمرار احتضانه وعدم التخلي عنه رغم «سعي بعض الجهات (في اشارة الى حزب الله) جاهدةً الى تشويه تاريخ العلاقات اللبنانية - العربية وتغيير وجه لبنان وهويته وانتمائه»، وموحياً بأن وقف العمل بالمساعدات للبنان هو «تعليق» أكثر منه «إلغاء» ربطاً بمتطلبات سياسية وأمنية معيّنة.وفي السياق نفسه، عكست طبيعة الحضور المتنوّع حرص لبنان على استعادة ما انقطع مع الرياض، التي كانت قبيل العشاء تتعرّض لهجوم متجدّد من الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، الذي بدا حزبه «معزولاً» بفعل المشهد الذي ارتسم في دارة عسيري، والذي ضمّ ممثلاً لرئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس الحكومة تمام سلام، والرئيس سعد الحريري، وميشال عون، وسمير جعجع، وممثلين للنائب سليمان فرنجية (نجله طوني والوزير ريمون عريجي والوزير السابق يوسف سعادة) وقائد الجيش العماد جان قهوجي، إضافة إلى حشد من كبار الشخصيات السياسية والعسكرية والروحية وعدد من السفراء العرب والاجانب، توزعوا على طاولات حملت أسماء المدن السعودية.* أن العشاء جاء في توقيت داخلي شهد «تدليكاً» لمحاولات الخروج من المأزق الرئاسي، من خلال المبادرة الثلاثية للرئيس بري، التي اقترحت واحداً من 3 حلول للمأزق: إما انتخابات نيابية مبكرة على قاعدة قانون جديد أو «الستين» النافذ، يليها مباشرة انتخاب رئيس، وفق التزام مسبق بذلك من القوى السياسية، او «دوحة لبنانية» تناقش الأزمة من ضمن «سلة متكاملة» تشمل الرئاسة وقانون الانتخاب والحكومة ومجمل العناوين الإشكالية، على ان تحصل الانتخابات الرئاسية بموجبها اولاً، وهي المبادرة التي ما زالت التحريات مستمرة حيال أفقها الخارجي، في غمرة تجدُّد الحِراك الفرنسي على خط الملف اللبناني كما بإزاء «قطبها المخفية».وفيما تضرب مبادرة بري موعداً في 21 يونيو مع محطة حاسمة لتبيان «خيْطها الأبيض من الأسود»، كان بارزاً في هذا السياق رسْم السفير السعودي في كلمته ما يشبه «مهلة حضّ» للقوى اللبنانية على انتخاب رئيس، ليكون ذلك عيدية الفطر، معتبراً ان «شغور رئاسة الجمهورية يوشك على دخول عامه الثالث، وكلما طال تقترب الدولة والمؤسسات من حافة الهاوية، ومن هنا أناشدكم ان توجدوا الإرادة السياسية والحلول التوافقية لهذا الملف، بحيث يحلّ عيد الفطر ويكون للبنان رئيس عتيد يقود السفينة الى ميناء الطمأنينة والازدهار»، مضيفاً: «أوجّه نداء صادقاً ان يقوم كل واحد منكم بخطوة نحو الآخر، من دون انتظار مَن سيكون البادئ، وأن تبادر القيادات الى حوار يختلف عن كل الحوارات السابقة عنوانه (إنقاذ لبنان) لأن الوقت يمرّ والأخطار تزداد، والحرائق لا تزال تندلع وتتمدد، ولبنان لم يعد قادراً على الاحتمال بسبب شغور موقع رئاسة الجمهورية وغياب (حامي الدستور) الذي يُعتبر انتخابه المدخل الأساسي الى كل الحلول والى مرحلة جديدة تستكمل فيها الخطوات الدستورية لينتظم عمل المؤسسات».وفيما اعتُبر كلام عسيري هذا ردّاً ضمنياً على الدعوات الى جعْل الانتخابات النيابية أولوية على الرئاسية، مكرّساً إنهاء الشغور الرئاسي كمدخل للحلّ، فإن الأوساط السياسية توقفت عند دعوة عون - المرشّح للرئاسة مدعوماً من جعجع - الى العشاء، معتبرة ان في ذلك إشارة الى عدم وجود «فيتو» سعودي قاطع ضد انتخابه بحال تَوافق عليه اللبنانيون، علماً ان الدعوة وُجّهت ايضاً الى المرشح الثاني فرنجية المدعوم من الرئيس الحريري، ولكنه لم يحضر شخصياً، لتخطف الأنظار الابتسامات بين الحريري وعون، اللذين أخذا صورة ومعهما وزير التربية إلياس بو صعب.وكان عسيري تمنى امام الحاضرين ان يكون هذا اللقاء فاتحة الحلول السياسية التي تريح الوضع في لبنان «بحيث تتخذ الحكومة اللبنانية مزيداً من الخطوات السياسية والامنية التي تُطمئن السياح العرب والأجانب»، غامزاً من قناة «حزب الله» حين قال: «اقول بكل صراحة إن بعض الاصوات التي تستعمل اساليب التجييش وارتفاع النبرة لا تخدم مصلحة لبنان ولا تريدها اصلاً وجلّ ما فعلته انها استجلبت الانعكاسات السلبية على الاقتصاد وعلى الوضع اللبناني عموماً بعدما ربطت نفسها بشؤون اقليمية ومحاور لا تقيم اعتباراً إلا لمصالحها الخاصة».وشدد على ان «المملكة كانت وستبقى الداعم الأساسي للبنان ولصيغة العيش المشترك الاسلامي - المسيحي وغير صحيح ما يشاع انها تخلّت عن لبنان، فهذه ربما أمنية البعض التي لن تتحقق (...) إلا ان المطلوب من لبنان في المقابل ان يبقى أميناً لتاريخه، منسجماً مع ذاته ومع محيطه».

مصارف لبنانية أقفلت بعض حسابات «المبرات»

على وقع الملامح الإيجابية التي بدأت ترتسم في معالجة ملف تنفيذ القانون الاميركي ضد «حزب الله»، أعلنت «جمعية المبرات الخيرية» التي يشرف عليها السيد علي فضل الله (نجل العلامة الشيعي الراحل محمد حسين فضل الله) إنها تأثرت من دون وجه حق بالعقوبات الأميركية، كاشفة ان بعض المصارف اللبنانية جمّدت بعض حساباتها خشية العزلة الدولية.واذ أحجم فضل الله في حديث لـ «رويترز» عن ذكر المصرف أو المصارف التي جمدت حسابات للجمعية التي لها امتداداتها في مناطق أخرى في العالم ومن ضمنها الولايات المتحدة وأفريقيا واستراليا حيث توجد مؤسسات تربوية تابعة لها، اكد أن الأخيرة «لم يرد اسمها في القانون الاميركي... ما يحصل الآن هو إجراءات احتياطية تتخذها بعض المؤسسات التي تتعامل في هذا الأمر بعيداً عن الدقة المطلوبة».