يمر الإنسان منذ ولادته بتغيرات جسمية وفسيولوجية ترافق نموه، ويصاحبها ما يصاحبها من إفرازات هرمونية تتحكم بهذا النمو والتطور، بحيث ترافق كل مرحلة عمرية خصائص ومظاهر تبدو واضحة عند كثير من الأفراد، في حين يسعى البعض لإخفائها. ومن أخطر المراحل التي قد تحدث في حياة الإنسان ما بين سن الأربعين والخمسين والتي يتزامن معها نقص في معدل الإفراز الهرموني في الجسم ما يسمى بمرحلة «أزمة منتصف العمر»، والتي يحدث فيها تغير كامل بالشخصية، وتعتبر مرحلة البحث عن الهوية نتيجة الانتقال من مرحلة الشباب إلى مرحلة الثبات والنضوج الفكري، والتي تتغير فيها الأهداف والغايات الشخصية للإنسان حيث يكون قد حقق إنجازات مهمة في حياته بشكل عام مثل الزواج والإنجاب والعمل.وهذه المرحلة يمر بها كل من المرأة والرجل سواء كان عازباً أو متزوجاً وقد تكون مرحلة مؤلمة لكل منهما. لذا كان علينا أن نتعرف على أعراضها وأسبابها لنتمكن من معايشتها وتجاوزها بنجاح دون أن تترك آثارها السلبية على حياتنا.لقد أكدت الدراسات أن أزمة منتصف العمر تعتبر مرحلة طبيعية وجزءا من نضج الإنسان ولا تقتصر على جنس دون الآخر لكنها تنتشر لدى الذكور أكثر من الإناث ويختلف توقيت حدوثها من فرد لآخر، وذلك بحسب ظروف كل شخص، وهي مرحلة معاناة شخصية ينتاب الإنسان فيها الشعور بعدم الاستقرار فيبدأ بمراجعة دقيقة وتقييم حياته وإنجازاته. فإذا ما أحس بتراكم المشكلات والإخفاقات فإن تقديره لذاته يكون منخفضاً. وكل ذلك يتزامن مع التغيرات البيولوجية والشخصية والمهنية والتي قد يكون من أهم أسبابها هو عدم النضج العاطفي وعدم إشباع تلك المشاعر في سن المراهقة والشباب.فما الأعراض المرافقة لها عند كل من الرجل والمرأة ؟إن من أهم الأعراض التي تظهر عند الرجال هي:- الشعور المستمر بالاكتئاب والتوتر والاستياء والتذمر والنقمة على كل شيء حوله.- الرغبة في العزلة وكثرة النوم وفقدان الشهية.- فقدان الاهتمام بالأسرة والزوجة وتصيد عيوبها، والتخلي تدريجياً عن مسؤوليته تجاه الأسرة ومحاولة التحرر من قيودها.- العناية بالمظهر الخارجي والتصابي بحيث يخفي الانطباع بكبر السن، أو التحول إلى الزهد في الحياة.- اتخاذ قرارات عشوائية على الصعيد المهني أو بطريقة التصرف بأمواله، وعدم القدرة على التعامل مع المستجدات.- التعبير باستمرار عن حنينه للماضي والتحدث عن الذكريات وضياع أيام الشباب دون الاستمتاع بتلك الفترة بشكل صحيح وذلك حسب اعتقاده.أما عند النساء فتظهر هذه الأزمة بعلامات عدة منها:- الاكتئاب والقلق المتواصل حول أنوثتها والشعور بأنها لم تعد جذابة كأنثى، وخوفها من الوحدة.- الشعور الدائم بعدم الرضا بكل شيء في الحياة، وعدم الشعور بالسعادة والاحساس بالفراغ.- عدم الثقة بالنفس والنظرة القاتمة حول المستقبل.- ضعفها في اتخاذ القرارات وميلها إلى تغيير عملها، بدافع إيجاد بيئة خالية من الانتقادات في ما يخص عمر المرأة.- الاهتمام بالنفس بشكل أكبر خصوصاً بالمظهر الخارجي، واللجوء إلى عمليات التجميل لمحاربة علامات الزمن والظهور بمظهر أفضل وأقل عمراً.- تقوم أحياناً بالسعي لتحقيق أحلامها التي لم تنجح في تحقيقها، فقد أضافت الدراسات أن هناك نساء كثيرات يدخلن إلى عالم إكمال دراستهن لبلوغ مستويات أعلى، اعتقاداً منهن بأن زيادة الشهادات الدراسية قد تكون تعويضاً عن أمور أخرى لم تستطع تحقيقها بسبب التقدم في العمر.وخلال هذه الأزمة يحدث صراع بين الرغبة وصوت الضمير، بين البحث عن حياة جديدة والتمتع بها وبين تقدير لما يعيشه من نعمة ويرضى بحياته، وبين المجهول الذي قد يُقدم عليه وبين ما عرفه في حياته ومع أسرته.وكثيراً ما يخطئ الأزواج في تقدير هذه المرحلة وما يعانيه الشريك خصوصاً الزوجات، عندما تهدر وقتها وطاقتها حين تظن أن المشكلة فيها، وأنها لابد أن تتغير لتستعيد زوجها ومشاعره تجاهها، في حين أن الزوج يعاني أزمة ذاتية بغض النظر عما تفعله زوجته.إن تجاوز هذا الأمر يتطلب ذكاء شديداً وتسامحاً مع الشريك، لأن ما يمر به أمر طبيعي لا إرادي وخارج عن سيطرته. وهنا يأتي دور الشريك في المساعدة لاجتياز تلك المرحلة بأقل التكاليف والخسائر.إن أزمة منتصف العمر ليست في حد ذاتها مرضاً ولكن مضاعفاتها كالقلق والاكتئاب يمكن أن تتحول إلى أعراض نفسجسمية. وهي فترة لا تدوم كثيراً وتحتاج إلى وعي لمن يمر بها والمحيطين به.فإذا كانت هذه هي الأسباب والآثار عند كل من الرجل والمرأة، يبقى السؤال الأهم هو كيف نواجه هذه الأزمة وما الحلول المقترحة؟إن تجاوز ذلك يكون من خلال اتباع الرجل والمرأة بعض الإرشادات، سواء كانوا أزواجاً أو غير متزوجين ومنها:- المصارحة وعدم المكابرة وكبت المشاعر التي يمر بها.- الاستمتاع بكل مرحلة من مراحل الحياة بما يناسبها والنظر إلى الماضي بإيجابية وواقعية.- قيّم نجاحاتك وفشلك في حياتك لمعرفة مدى حدة أزمة منتصف العمر التي تمر بها، ما يساعدك في التخفيف منها.- إن لم تشعر بالرضا بما حققته في حياتك، فاجعل من أزمة منتصف العمر سبباً للتعويض السريع للأمور.- ممارسة التمارين الرياضية بانتظام يخفف من حدة التوتر ويحث الدماغ على إفراز هرمونات تحسن المزاج.- لا تلجأ إلى المسكنات للهروب أو نسيان الواقع، فإن ذلك يساعد في الدخول بحالة من اليأس والاكتئاب الشديدين.- زيارة واستشارة المتخصصين في المجال النفسي على أساس أن هذه الحالة هي حالة نفسية ولا يتم التعامل معها عن طريق الدواء.- عدم انتقاد الشريك ولومه والتشكيك فيه، ما قد يفاقم الخلافات بين الزوجين ويزيد من الفجوة بينهما.- الاحترام المتبادل وعدم نعت الآخر بصفات تقلل من قيمته وقدره، وتجنب الاسلوب الهجومي.- إتقان فن الحوار والاستماع والاحتواء والمشاركة الوجدانية، والثناء على النجاح وعدم السخرية من أفعال الشريك.- تنمية التواصل غير اللفظي مثل الابتسام والنظرة الحانية واللمسة الرقيقة.- الحرص من الشريكين على تجديد الحياة الزوجية وإنعاشها من وقت لآخر حتى لا يصيب العلاقة بينهما داء الملل والفتور.يقول الدكتور ديريك ميلن، أخصائي في علم النفس السريري ومؤلف كتاب التعامل مع أزمة منتصف العمر، إن الشيء المهم هو أن تنمو حتى لو مرت أوقات شعرت بها بأن أقصى ما يمكنك القيام به هو البقاء على قيد الحياة إلى اليوم التالي، إلا أن الهدف هو النمو، وأعتقد أننا نفعل ذلك بشكل أفضل عندما ننظر لأزمتنا أنها وقت للتطور وتغيير شخصي.صحيح قد تكون أزمة منتصف العمر مؤلمة ومربكة، غير أنها قد تُشكل في الوقت نفسه حافزاً للتغيير الإيجابي في حياتنا.وكما يقولون «الأزمة تكسر البعض وتدفع البعض نحو الأمام».* مدرب الحياة والتفكير الإيجابيTwitter: t_almutairiInstagram: t_almutairiitalmutairi@hotmail.com