لن تختلف الجولة الثالثة من الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان التي ستجري غداً في محافظتيْ الجنوب والنبطية عن المرحلتين السابقتيْن لجهة تحوُّلها «ساحة مبارزاتٍ» يختلط فيها السياسي بالحزبي والعائلي والمناطقي.وكما في بيروت والبقاع وجبل لبنان، سيتمّ احتساب نتائج انتخابات الجنوب «على مقياس» مزدوجٍ: الاول لتحديد الأحجام و«الأوزان» الشعبية التي تساهم في تكوين صورة عن موازين القوى التي ستتحكّم باستحقاقات مقبلة ولا سيما الانتخابات النيابية. والثاني متأتٍ من تداخُل «بلديات 2016» في جانبٍ منها مع الأزمة الرئاسية بما جعل التعاطي مع «الاستفتاء المحلي» يتمّ باعتباره عملية «استطلاع بالأصوات» للصفة التمثيلية الفعلية للعماد ميشال عون تحديداً الذي يتذرّع في تمسُّكه بترشحه على قاعدة «انا او لا أحد» من كونه صاحب «الشرعية التمثيلية» في الشارع المسيحي والتي تعزّزت بدعم حزب «القوات اللبنانية» له رئاسياً.وعشية فتح صناديق الاقتراع غداً، تَشابك هذا الاستحقاق مع «قرقعة» عناوين سياسية دهمت المشهد اللبناني في الأيام الأخيرة وأبرزها الانشغال بتفكيك «شيفرة» اندفاعة رئيس البرلمان نبيه بري الى طرح مبادرة من 3 خيارات للخروج من المأزق السياسي الذي يختزله الشغور الرئاسي الذي يدخل الاربعاء المقبل سنته الثالثة، وهي المبادرة التي كرّست حدّيْن لإنهاء الفراغ:الاول انتخابات نيابية مبكرة على قاعدة قانون جديد او «الستين» النافذ يليها مباشرة انتخاب رئيس وفق التزام مسبق بذلك من القوى السياسية. والثاني «دوحة لبنانية» تناقش الأزمة من ضمن «سلة متكاملة» تشمل الرئاسة وقانون الانتخاب والحكومة ومجمل العناوين الاشكالية على ان تحصل الانتخابات الرئاسية بموجبها اولاً.واذا كان 21 يونيو المقبل سيشكّل موعداً مفصلياً لتبيان مسار مبادرة بري ومصيرها في الجولة 19 للحوار الوطني التي ستساهم الاسابيع الفاصلة عنها في تبيان اذا كانت تتكئ على أفق خارجي ام انها من «حواضر البيت المحلي»، فإن الجولتين المتبقيتين من الانتخابات البلدية غداً والأحد الذي يليه (في الشمال) ستفضي الى اكتمال «نصاب» الخلاصات السياسية ليبنى عليها في أكثر من استحقاق.والواقع ان انتخابات الجنوب تكاد ان تختصرها 3 عناوين رئيسية: الاول معركة عاصمة المحافظة اي صيدا حيث يخوض الرئيس سعد الحريري معركة استعادة المبادرة وإثبات الوجود الشعبي بعد النتائج الباهتة التي سُجلت في بيروت بفعل الانكفاء السني والمسيحي عن الاقتراع بكثافة ناهيك عن تسجيل اللائحة المنافسة (من المجتمع المدني والنخب الثقافية والفنية والعلمية) لتلك التي دعمها زعيم «المستقبل» وسائر الأحزاب نتيجة مرموقة شكّلت مفاجأة مدوية.وبهذا المعنى فإن الحريري، الذي توجّه الى صيدا لاستنهاض جمهور «المستقبل»، ينخرط من «بوابة الجنوب»، التي تُعتبر مسقط آل الحريري وثالث معاقل الزعامة السنية في لبنان (بعد بيروت وطرابلس)، في منازلةِ تثبيت زعامته واسترداد «البريق الشعبي» عبر اللائحة التي يدعمها (ومعه عمّته نائبة صيدا بهية الحريري والرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة و«الجماعة الاسلامية») برئاسة رئيس البلدية الحالي محمد السعودي بوجه لائحة مدعومة من «التنظيم الشعبي الناصري» ستستقطب جمهور «8 آذار» والكتلة الشيعية الداعمة لـ «حزب الله»، وثالثة برئاسة القيادي السابق في «الجماعة الإسلامية» علي الشيخ عمار التي ستجذب المتعاطفين مع احمد الاسير والناقمين على رفع الغطاء عن الأخير، الذي كان يشكل خطّ مواجهة مع «سرايا المقاومة» (التابعة لحزب الله) في المدينة وذلك بعد معارك عبرا مع الجيش اللبناني صيف العام 2013.والعنوان الثاني معركة جزين التي ستشهد استحقاقاً مزدوجاً: الانتخابات النيابية الفرعية لملء المقعد الذي شغر بوفاة النائب ميشال الحلو (من كتلة العماد ميشال عون ) الى جانب الاستحقاق البلدي. ويخوض عون في هذا السياق اختبار قوة حقيقياً في المعركة النيابية لايصال مرشحه للنيابة أمل ابو زيد الذي يواجه المرشحين العميد المتقاعد صلاح جبران، ابرهيم عازار نجل النائب السابق سمير عازار، وباتريك رزق الله المرشّح المستقلّ والناشط السابق المفصول عن «التيّار الوطني الحر».اما العنوان الثالث، فهو المعارك في مناطق نفوذ «حزب الله» الذي سيواجه في بلدات عدة مع حركة «امل» لوائح مدعومة من عائلات وقوى يسارية مثل الحزب «الشيوعي». واذ لا تبرز توقعات بمفاجآت لجهة تلقي الحزب هزائم، فان الانظار تشخص مجدداً على النسب التي سيحققها منافسوه واذا كانت ستلاقي الأرقام التي سُجلت في بعض مناطق البقاع والضاحية الجنوبية، وسط تركّز العيون مثلاً على بلدة البازورية مسقط السيد حسن نصرالله والتي تشهد منازلة بين اللائحة الاتئلافية التي تضمّ «حزب الله» و«أمل» ولائحة مدعومة من فاعليات عائلية وأطراف يسارية.