رغم استمرار مسار الحرب فيها، فان الحديث عن مرحلة إعادة إعمار سورية يعود الى الواجهة، وسط دعوات دولية للبنان «كي تنطلق تحضيراته لليوم الذي يبدأ فيه تنفيذ الاتفاقات السياسية (الخاصة بسورية) بما فيها الإعمار»، كما عبّرت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة سيغريد كاغ.واذا كان «نفير الاستعداد» الذي أطلقته الأمم المتحدة كرّس ما سبق ان جرى تداوُله أكثر من مرة عن ان طريق إعمار سورية تمرّ بلبنان الذي سيكون مقر إدارة هذه العملية، فإن البُعد العملي لم يتأخّر في الظهور، وقد عبّر عنه رئيس اتحاد الغرف اللبنانية رئيس غرفة بيروت وجبل لبنان محمد شقير من خلال كلامه قبل ايام عن ان «بلدنا مقبل على مشاريع كبيرة لعل ابرزها اعادة اعمار سورية التي ستمر عبر لبنان»، كاشفاً ان «عدداً كبيراً من الشركات العالمية يتواصل مع الشركات اللبنانية للتحضير لهذه العملية».وسبق ذلك، تداوُل معلومات عن قيام عدد من بعثات البنك الدولي بزيارة لبنان في الفترة الأخيرة حيث قامت بمعاينة مشروع المنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس (ما زالت قيد التنفيذ) ومطار القليعات (عكار) لتقويم الظروف المحيطة بمشروع اعتماد الشمال اللبناني مركزاً للعمليات الدولية لإعمار سورية بعد الحرب، وعن انه بعد التقارير عن اعتماد سهل البقاع منطلقاً للمشاريع الدولية في اتجاه الداخل السوري، استقرّ القرار على طرابلس وعكار انطلاقاً من مزايا جغرافية ولوجستية وأمنية.وبكلّ تفاؤل تعبّر الجهات اللبنانية عن إيمانها بما يمكن أن تقدّمه بلادها من خدمات لإعادة إعمار الجار السوري المهدّم. ففي لبنان مقوّمات تراوح بين خبرات واسعة وريادة يتمتّع بها اللبنانيون الذين أعادوا بدورهم ترميم أرضهم التي دمّرتها الحرب ذات مرة، والمدينة الاقتصادية الحرة في طرابلس التي ستكون رقعة جاذبة للاستثمارات العالمية ونقطة عبور نحو سورية.وبينما تستجمع «بلاد الأرز» أنفاسها استعداداً للمساهمة الفعالة في مرحلة إعادة إعمار سورية، يحاول المعنيون التمسّك بشيء من الواقعية أثناء مقاربة هذا الموضوع، مع المحافظة على اقتناعهم بأنَّ لبنان دخل السنة السادسة على التوالي من الخسائر الناتجة من الحرب السورية وأنَّه أكثر بلد مجاور دفع ثمنها.وبما أنَّ رجال الأعمال اللبنانيين من أبرز المنخرطين في مشروع إعادة الإعمار، يشرح رئيس تجمّع رجال الأعمال اللبنانيين الدكتور فؤاد زمكحل عبر «الراي» أنَّ هؤلاء «سيكونون من أوائل الأشخاص الموجودين على الأرض السورية للمساعدة في النهوض بها مجدّداً، متسلّحين بالإرادة اللبنانية الجبّارة والريادة التي تميّزهم، وخصوصاً أنَّهم شاركوا في إعمار دول مثل العراق والسودان مثلاً».وحسب تقدير للبنك الدولي، فإنَّ إعادة الإعمار ستكلّف ما يصل إلى 400 مليار دولار، بما سيؤدّي تالياً إلى توزيع الاستثمارات بين الدول الكبرى كالولايات المتحدة، روسيا وغيرها، وفق زمكحل الذي يقول «أمام هذا الواقع، على اللبنانيين معرفة طاقاتهم والتأكد من أنّه لو مهما كانت النتيجة، فلا يمكن للبضائع التي ستُنقل إلى الجار سورية إلا أن تمرّ عبر لبنان، وخصوصاً عبر مرفأ طرابلس الذي يتمتّع بطاقات كبيرة تخوّله استقبال البواخر العالمية، هو الذي لا يفيد حالياً إلا من 18 في المئة فقط من طاقته، فضلاً عن مرفأ العاصمة بيروت».وستمتّد الإفادة من هذه العملية الى قطاعات عدّة، يَذكر منها زمكحل القطاع المصرفي اللبناني «الذي يُعتبر من بين الأفضل في المنطقة، إذ ان المصارف ستستقبل التحويلات الرسمية المخصّصة لإعادة الإعمار»، وقطاع التأمين اللبناني «في ظل انعدام وجود مثل هذا القطاع حالياً في سورية»، وقطاعا الصناعة والتجارة «وخصوصاً أنَّ عدداً من المصانع اللبنانية موجود حالياً على الحدود بين البلدين»، هذا إلى جانب القطاع الزراعي «الذي سيؤمن حاجات سورية من المحاصيل». ويضيف: «سيكون من الصعب على الشركات العالمية الاستقرار في سورية، ولذلك ستختار لبنان ليكون مركزاً لها، بما سيعيد تحريك الحركة شبه السياحية»، خاتماً بأنَّ «لبنان وشركاته وحدهما لن يتمكّنا من تنفيذ هذه المهمة بمفردهما، لكن ذلك لا يمكن أن يتم إلا من خلال التعاون والتآزر بين لبنان والدول الكبرى، وبين الشركات المحلية والأجنبية».ولن تقتصر وظيفة لبنان على ما ذُكر آنفاً، لأنَّ الشمال اللبناني، وتحديداً عاصمته طرابلس المطلّة على البحر الأبيض المتوسّط، سيكون على موعد مع منطقة اقتصادية حرة تعيد إليه، هو الذي يعاني معدّلات فقر وبطالة مرتفعة، الحركة التي يحتاج إليها لتحويله بوابة لإعادة إعمار سورية.وفي حين أنَّ العمل لا يزال جارياً على إنجاز هذا المشروع، توضح رئيسة الهئية العامة لهذه المنطقة وزيرة المال السابقة ريا الحسن عبر «الراي» المقوّمات التي يتحلّى بها المشروع، والتي ستساهم في تعزيز مهمّته.ولكن قبل الشروع بتعداد هذه السمات، تشرح الحسن أنَّه في العام 2008 أقرّت حكومة رئيس الوزراء آنذاك فؤاد السنيورة إنشاء هذه المنطقة، وتم إصدار المراسيم التنظيمية في العام 2009، مضيفة ان هذا المشروع، الذي من المقرر إقامته ضمن مساحة تصل إلى 550 ألف متر مربع، هو من المشاريع الأكثر أهمية وفعالية في تغيير بنية اقتصاد الشمال فضلاً عن توفير ما يصل إلى 4 آلاف فرصة عمل واستقطاب استثمارات محلية، عربية وأجنبية إلى ربوعها.أمام هذا الواقع، يمكن لهذه المنطقة أن تشكّل قيمة مضافة للبنان حيال مساهمته في إعادة إعمار سورية، إذ تشير الحسن إلى أنَّ الهيئة تعمل منذ فترة على إنجاز دراسة جدوى لمعرفة المميزات التفاضلية التي يمكن أن تتمتع بها هذه المنطقة مقارنة بالمناطق الاقتصادية الموجودة في الدول العربية الأخرى كي تتمكّن تالياً من أن توجِد لنفسها حيثية مختلفة.وتشدّد الحسن على «قدرة هذه المدينة على جذب مستثمرين إليها ليوجِدوا دورة اقتصادية في الشمال، وهي غير موجودة حالياً»، شارحة أنَّ هذه المنطقة الاقتصادية «قادرة على لعب دور مهم في إعادة إعمار سورية نظراً إلى عوامل عدّة هي: موقع طرابلس الملائم، إذ تبعد المدينة وعاصمة لبنان الثانية 30 كيلومتراً عن الحدود السورية - اللبنانية، فضلاً عن أنَّها تضم مرفأ يخضع لعمليات توسيع، ومن المتوقع أن يوازي مرفأ بيروت من حيث القدرة والأهمية، ومعرض رشيد كرامي الدولي الذي يمكن أن يكون مكاناً للإقامة المعارض وايجاد دينامية بين المرفأ والمعرض. من هنا، يمكن لهذه الأماكن الثلاثة أن تتكامل وتخدم لبنان أثناء إعادة إعمار سورية».ورغم أنَّ إنجاز هذه المنطقة سيتطلّب عملاً كثيراً بعد، تعبّر الحسن عن إيمانها بسماتها الجاذبة للمستثمرين إلى المنطقة، وتحديداً تلك التي تعمل في قطاع البناء (النجارة، الحديد، الأدوات الصحية، صناعة الخشب)، فضلاً عن أنَّ المراسيم التطبيقية للقانون المتعلّق بها ينصّ على منح هذه الشركات إعفاءات ضريبية وتقديم التحفيزات والبنية التحتية المتطورة التي تساعدها على إنجاز أعمالها بالطريقة الأفضل.وتضيف انه عندما أتى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى لبنان حديثاً وزار طرابلس، رأى أنَّ عاصمة الشمال تتمتع بإمكانات تسهّل هذه المهمة، خاتمة أنَّه يجري حالياً التعاون بين الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية الحرة والبنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية لوضع خطة عمل وفق دراسة تضمن جذب الاستثمارات لتجهيز البنية التحتية كمرحلة أولى، ومدّ جسور التواصل بين المنطقة والشركات المهتمة بها.أما بالنسبة إلى الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزني، فيؤكّد لـ «الراي» أنَّ الحديث عن مساهمة لبنان في إعادة الإعمار بدأ قبل أشهر عدّة، بدليل أنَّه يستحوذ على اهتمام كبير من المسؤولين اللبنانيين ورجال الأعمال والاقتصاد.ويتحضّر لبنان، حسب وزني، منذ أشهر طويلة للخوض في هذه التجربة بالتعاون مع كبرى الشركات العالمية، بما ولّد بين هذه الأخيرة تنافسية من جهة وتعاوناً من جهة أخرى.ويتابع أنَّ «هذه العملية لن تخلو من المعوقات، إذ تبرز مشكلتان أساسيتان تتمثلان في كيفية توفير المصادر المالية لتمويل هذه العملية، بدليل أنَّ الأمر يتطلّب دعماً من الصناديق المالية الكبرى والدول النفطية الكبرى التي تواجه أزمات مالية، فضلاً عن أنَّ الرهان على عودة الأموال السورية إلى سورية غير كاف».وإذ يعتبر أنَّ للبنان دوراً أساسياً لأسباب تتمثل في قربه من سورية، الخبرة التي اكتسبها اللبنانيون عندما أعادوا إعمار بلادهم بعد الحروب التي خاضها، فضلاً عن أنَّهم على علاقة مع كبار الشركات العالمية»، يشير إلى «أنَّ اقتصاد لبنان الذي لا يتعدّى الـ 50 مليار دولار سيستفيد كثيراً من ذلك، خصوصاً القطاعات العقارية والتجارية والسياحية.ويتوقع تبعاً لذلك «أن يكون لبنان معبراً للمواد الأولية ومركزاً للشركات التي تريد الاستثمار في سورية».
متفرقات - قضايا
بعد «نفير» الاستعداد من الأمم المتحدة واتصال شركات عالمية بشركات في بيروت تحضيراً للعملية
لبنان جسر عبور لإعادة إعمار سورية
ميناء طرابلس حيث ستقام المنطقة الاقتصادية الخاصة
02:02 م