انقشع غبار «المعارك الطاحنة» التي شهدتها محافظة جبل لبنان في إطار الجولة الثانية من الانتخابات البلدية والاختيارية، أمس، على خلاصاتٍ في المقلب المسيحي خصوصاً أثارت اهتماماً بالغاً نظراً الى مغازيها على مستويات عدة حزبية وسياسية وتَحالُفية. وقبل صدور النتائج الرسمية للانتخابات، فإن الأرقام الأولية التي أفرزتها صناديق الاقتراع انطوت على مفاجآت في بعض المناطق وعلى «تأكيد المؤكد» في مناطق أخرى، فيما شكّل الارتفاع الكبير في نسبة الاقتراع التي بلغت في مجمل المحافظة 56 في المئة (علماً انها سجّلت في قضاء جبيل 65 في المئة وكسروان 62 في المئة) مؤشراً الى الاعتبارات المتداخلة التي تحّكمت بالمنازلات الانتخابية، التي تم ربْطها في كثير من المدن والبلدات بالعناوين الكبرى التي تشغل لبنان، ولا سيما الأزمة الرئاسية التي تدخل بعد 8 أيام سنتها الثالثة، والانتخابات النيابية (موعدها في 2017) التي بات يحكمها شعار «حاصلة حكماً».واذا كان انتظام العملية الانتخابية التي ما زال أمامها جولتان الأحد المقبل (جنوباً) والذي يليه (شمالاً) واحتكام اللبنانيين الى صناديق الاقتراع اعتُبر نقطة مضيئة في مسار الواقع اللبناني الذي كان ينزلق نحو «حفرة» النظام الفاشل، وقدّم مشهداً مغايراً لـ «صناديق الموت» التي تغرق فيها المنطقة، فإن هذا «التمرين الانتخابي» لا يعني بأي حال ان بيروت صارت ممسكة بزمام أزماتها الكبرى، التي تبقى «خيوطها» متشابكة مع الصراع المتفجّر في المحيط، ولا سيما الانتخابات الرئاسية التي ستكون اليوم محور المحادثات التي يجريها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مع زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري في باريس، في غمرة استعداد فرنسا لمعاودة تحريك اتصالاتها في هذا الملف مع كل من إيران والسعودية.والواقع ان طيْف الاستحقاق الرئاسي حضر بقوّة في الاستحقاق البلدي في جبل لبنان وتحديداً في جونية (كسروان) التي تُعتبر عاصمة الموارنة، والتي خاض زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون «الموْقعة» التي شهدتها على قاعدة انها «الحديقة الخلفية» لقصر بعبدا، وان الفوز فيها «مصيري» لرفْد حظوظه الرئاسية بـ «مقويات» شعبية تلاقي قوة الدفع السياسية التي منحه اياها ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع له للرئاسة الاولى.وانطلاقاً من هذا البُعد الذي ارتسم من خلال استخدام عون «أسلحة الاحتياط» عبر نزوله شخصياً الى أرض المعركة في جونية عشية فتح صناديق الاقتراع ودخول صهره الجنرال المتقاعد شامل روكز «النادر» على خط استنهاض جماهير التيار، تم التعاطي بكثير من العناية مع النتائج الأولية التي اشارت الى فوز اللائحة المدعومة من عون (برئاسة جوان حبيش) بـ 14 مقعداً وخرقها بـ 4 مقاعد من اللائحة المنافِسة (برئاسة فؤاد البواري) التي دعمتها «القوات اللبنانية» ورئيس مؤسسة الانتشار الماروني نعمة افرام والنائبان السابقان منصور غانم البون وفريد الخازن، مع تسجيل فروقات أولية قيل إنها بالعشرات بين اللائحتين.وبحسب أوساط سياسية مطلعة فإن معركة جونية التي دارت «على المنخار»، ظهّرت أرقامها تكافؤ قوى حقيقياً في «قلعة عون» النيابية - باعتبار انه يمثّل قضاء كسروان شخصياً مع اربعة نواب آخرين موارنة - يمكن ان يرتّب تداعيات على الانتخابات النيابية المقبلة، في حين ذهب خصوم «الجنرال» الى حدّ التعاطي مع النتيجة على انها «انتصار بطعْم الخسارة»، لا يصبّ لمصلحة عون الرامي الى انتزاع شرعية شعبية مسيحية لترشيحه للرئاسة من فم صناديق الاقتراع البلدية، بما يوفّر لنظرية «المرشح القوي» قاعدة دعم لا لبس فيها.وثمة مَن اعتبر ان «إنقاذ ماء الوجه» لعون في جونية ولو بالحدّ الأدنى و«نفاذه» من خسارة مدوّية، وفّر على العلاقة التحالفية المستجدّة بينه وبين «القوات اللبنانية» أزمة كان يُخشى ان تهزّ هذه العلاقة «الطرية العود»، باعتبار ان من الصعب ان «يهضم» التيار ان تكون لـ «القوات» يد في «الصفعة» التي كادتْ ان توجَّه لعون، رغم حرص الدكتور جعجع بعيد قفل صناديق الاقتراع اول من امس، على تأكيد ان المسار الرئاسي منفصل عن الاستحقاق البلدي وحساباته.وكانت لـ «الثنائي المسيحي» المستجدّ سلسلة اختبارات بلدية ذات دلالات سياسية في جبل لبنان نجح في البعض منها، ولكنها اصطدمت بتحالفات ولا سيما في قضاء المتن بدت في سياق تشكيل «حائط صدّ» امام اكتساح هذا الثنائي الشارع المسيحي، مع ما يعنيه ذلك على صعيد المستقبل السياسي لعدد من القوى الحزبية والسياسية، ولا سيما «الكتائب» والنائب ميشال المرّ اللذين خاضا يداً بيد مجموعة من المعارك وفازا فيها بوجه لوائح «القوات» و«التيار» وخصوصاً في سن الفيل وانطلياس. وبرزت ايضاً خسارة هذا التحالف في غوسطا (كسروان) بوجه لائحة مدعومة من النائب السابق فريد هيكل الخازن و«الكتائب».واذا كانت معركة دير القمر التي خاضها «التيار» و«القوات» في عقر دار الزعامة الشمعونية، العنوان الأبرز لنجاحهما وإن الذي لم يكتمل، اذ حققت اللائحة التي دعمها النائب دوري شمعون والوزير السابق ناجي البستاني خرقاً بـ 6 مقاعد من أصل 18، فإن المواجهة العونية - القوّاتية في الحدَث (قضاء بعبدا) والتي فاز فيها «التيار الحر»، اعتُبرت بمثابة انتصار استفاد منه الأخير لاستثماره في سياق معركة «تحديد الأحجام» بين الجانبين ربْطاً باستحقاقات مستقبلية قد يخوضانها في «خندق واحد».وفي حين خرج النائب ميشال المر من انتخابات المتن مثبّتاً نفسه «رقماً صعبا»، فان نتائج الانتخابات في الضاحية الجنوبية لم تحمل اي مفاجآت للوائح «حزب الله» وحركة «امل» رغم وجود منافسة في حارة حريك والغبيري وبرج البراجنة.
خارجيات
«فوز ناقص» لعون في جونية والمرّ رقم صعب في المتن الشمالي
الأحزاب تقاسمتْ الانتصارات والهزائم في «بلدية» جبل لبنان
12:24 م