لم يكن غالبية اللبنانيين يعرفون مصطفى بدر الدين قبل ورود اسمه في القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري في 14 فبراير 2005، لكن الكويت تعرفه جيداً وقبل ذلك التاريخ بكثير.ومع اغتيال بدر الدين في دمشق ليل الخميس، «تعود الى الحياة» ذكريات عن الأدوار الأمنية لهذا الرجل الذي ترك بصماته السود في الكويت العام 1983 حين ارتكب جريمتيْ تفجير السفارتين الأميركية والفرنسية، وما استجرّه توقيفه والحكم عليه من عمليات إرهابية في إطار الضغط لإطلاقه.في العام 1983، وصل بدر الدين إلى الكويت باسم الياس صعب ونزل في فندق «الماريوت - السفينة» في الشويخ، وبعد نحو شهر، فخّخ شاحنات بأنابيب غاز ومواد متفجرة مستهدفاً السفارتين الاميركية والفرنسية ومحطة الكهرباء في الشعيبة. وغداة ارتكابه لعمليات التفجير، ضُبط وهو يتجوّل مع شخص آخر، أمام مبنى أمن الدولة القديم في دسمان، وتم التحقيق معه عن سبب وجوده قرب المبنى قبل الإفراج عنه، الى ان قادت التحقيقات التي باشرها رجال الأمن إلى انه ضالع في عمليات التفجير، فألقي القبض عليه، واقتيد إلى السجن المركزي.وبحسب تقرير كانت نشرته «الراي» في يوليو 2011 عن بدر الدين، فإنه تسيّد باحة السجن «المركزي»، وراح يهدد آمريه، إلى درجة انه تناول موس حلاقة وسدّده إلى وجه أحد عناصر الشرطة. وفي سياق التحقيقات آنذاك مع صعب (مصطفى بدر الدين) عن سبب اقدامه على الاعتداء على الشرطي، أجاب: «أريد أن أفصل رأسه عن جسده»، موجّها كلامه إلى وكيل النيابة، قائلاً: «أنا لا أعترف بدولتك حتى تحقق معي».ووفق ما رواه في التقرير نفسه المشرف الاجتماعي المتابع لملف السجين آنذاك الياس صعب، والذي كان يناديه (صعب) بـ «الرعد الساطع»، فإن «صعب كان صعب المراس، وكنتُ أتفاجأ بالطريقة العنجهية التي يخاطبني بها، ولا يتورّع عن القول إنني (الرعد الساطع)، ثم كنتُ أفاجأ أيضاً بمعرفته التامة بأسماء كامل أفراد أسرتي، ويهدّدني بأنه سينتقم منهم الواحد تلو الآخر، وأنا في مقدمهم. ومن جملة التهديدات، قوله أحذرك من الذهاب إلى لبنان ولو بعد 100 سنة، وسأدخل عليك في أي مكان تتواجد فيه، وسيكون تقرير وفاتك طلقة في الرأس».وقال المشرف لـ «الراي» في حينه: «ذات يوم، ضبطت مع صعب أوراقاً تحوي وسائل تحضير القنابل من مواد بدائية مثل عظام الدجاج، والصراصير والملح، وتم توزيع تلك الأوراق على المساجين الذين أشاروا إلى ان الياس صعب هو من روجها».وأضاف: «صعب كان صعباً فعلاً خلال الأعوام التي أمضاها في السجن المركزي، حيث كنا نواجه صعوبة يومياً في فتح باب زنزانته، إذ كان يذيب اقلام الحبر في داخل الأقفال، ما يجعل فتحها صعباً. وعندما حصل الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت، قام صعب بتفجير باب زنزانته بواسطة المواد التي سبق أن عمَّم تعليماتها على المساجين، وهي عظام الدجاج والملح والصراصير. ووفق شهود العيان من رجال الأمن، فانهم أبصروا صعب وزميله يوسف الموسوي ومجموعتهما يركبون في سيارة ديبلوماسية كانت في انتظارهم قرب باب السجن بعد فرارهم، واقلتهم إلى جهة مجهولة».ومعلوم انه خلال فترة توقيف بدر الدين بعدما حُكم عليه بالإعدام شهدت الكويت مجموعة من التفجيرات الارهابية بهدف الضغط على السلطات الكويتية للإفراج عنه وبينها محاولة اغتيال سمو الامير الراحل الشيخ جابر احمد الصباح بسيارة مفخخة أصابته بكثير من الجروح، ثم تفجير مقاه شعبية خلفت 11 قتيلاً، وتفجير سيارة مفخخة استهدفت فندقاً خلال مؤتمر القمة الإسلامية، وصولاً الى خطف عماد مغنية طائرة الجابرية الكويتية، وإعدامه اثنين من ركابها ألقى بهما من باب الطائرة.ومنذ فرار بدر الدين (55 عاماً) من الكويت، تحوّل اسمه أشبه بـ «لغز» تطارده الاسئلة وأجهزة المخابرات.وقليلون هم الذين يعرفون ان الجميع من قادة «حزب الله» الحاليين تتلمذوا على يد بدر الدين. حتى «صهره» عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق في فبراير 2008 كان من بينهم، قبل ان يصبح قائداً عسكرياً للحزب.كان يتمتع بكاريزما تتيح له الإمساك جيداً بـ «ملفاته» وبمن يعملون تحت إمرته، واعتُبر «العقل الأمني» في «حزب الله»، حتى ان ثمة مَن وصفه بأنه بمثابة «النخاع الشوكي» للحزب او العماد الاساسي لقيادته.وبعدما كان مسؤولاً عن «الجناح العسكري» لـ «حزب الله» في تسعينات القرن الماضي، تسلّم بدر الدين مسؤولية وحدات حساسة جداً في الحزب عقب اغتيال مغنية. وفي حرب يوليو 2006 حاولت اسرائيل اصطياده و«إلقاء القبض» عليه بعد تسريب معلومات عن مكان وجوده ابان الحرب، غير ان تلك المعلومات لم تكن سوى كمين صنعه هو بنفسه كـ «طعم» لإيقاع اكبر عدد من الخسائر في صفوف الاسرائيليين، الا ان تلك العملية لم تتم.وهذا الرجل «اللغز» لم يكن يتردد في الظهور فجأة في بعض المناسبات، لكنه كان دائم «التخفي» في ظل مطاردته من أجهزة مخابرات دولية لا تُعد ولا تحصى، وقد بقي «مختفياً» بعد صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل خمسة أعوام ونيّف ليتحوّل بدر الدين «المتهَم رقم واحد» في جريمة 14 فبراير 2005 مع اربعة آخرين من الحزب الذي قال امينه السيد حسن نصر الله رداً على الدعوة الى توقيفهم وتسليمهم الى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان: «لن توقفوهم لا في ثلاثين يومياً ولا 60 يوماً ولا في سنة ولا سنتين ولا... 300 سنة».