يمسك بشير خان بيده اليمنى بالمفتاح رقم 16، وباليسرى منشفة قطنية يجفف بها عرقه الذي يتصبب من جبينه، أثناء انهماكه في إصلاح إحدى السيارات المعطوبة نتيجة ارتفاع درجة الحرارة وغياب وسائل التبريد والتهوية لعدم وصول التيار الكهربائي لقسائمهم.قطرات العرق التي تتساقط من جبين خان تجعل المشاهد للمنظر يتساءل كيف لهؤلاء تحمل حرارة الجو التي «تشوي» أجسادهم؟!، فمنظر خان يجسد حال بقية العاملين في سكراب السيارات في منطقة النعايم، فالجميع هناك دون استثناء يعيشون حالة بائسة تفتقر أدنى مقومات الحياة، يحلمون بموعد وصول التيار الكهربائي لقسائمهم ليخففوا من معاناتهم التي طالت.«الراي» جالت وسط هذه القسائم التي تغطي أسطحها صفائح «الشينكو» التي سرعان ما تتفاعل مع أشعة الشمس منذ بزوغها وحتى غروبها لتحولها إلى أفران تلفح الوجوه وتشل حركة العاملين فيها. تركنا خان وتقدمنا خطوات معدودة، ليقابلنا ابو فراس السوري صاحب الشوارب المتدلية التي بللتها قطرات العرق، فيبادر بضرب كف على كف وهو يردد «القرد ما يقدر يتحمل هالجو».عندما اقتربنا منه لم يفسح لنا المجال لتعريف أنفسنا له وبادرنا بالقول «أين أنتم؟ نعم اقصدكم أنتم يا أهل الصحافة» مشيرا بسبابته إلينا،«ألستم كذلك؟ أين أقلامكم لتكتبوا بأن سعر لتر الديزل الذي نشتريه لتشغيل مولداتنا الصغيرة بـ75 فلسا لتصل قيمة الفاتورة الشهرية 450 دينارا، فضلا عن سعر المولد نفسه الذي يتراوح ما بين 200 إلى 400 دينار حسب الحجم»تركنا أبا فراس ومشينا في الطرقات الرئيسية بين القسائم لنجد خطوط الكهرباء الهوائية جاهزة، فبدر إلى أذهاننا تساؤل عن العلة في عدم وصول التيار الكهربائي حتى هذه اللحظة، فيقول غالبية الذين التقيناهم«لا نعرف السبب».الوافد البنغالي أمينو لال الذي يعمل ميكانيكيا في إحدى ورش السكراب يقول «ان هذه الخطوط هي ديكور ولا توجد فيها كهرباء واتحدى من يثبت عكس هذا الكلام، والدليل على عدم وصول التيار الكهربائي لهذه الخطوط هي السرقات التي تتعرض لها بشكل مستمر من قبل لصوص الكهرباء».ويؤيد محمد الأمير، المصري الذي يعمل في الورشة نفسها التي يعمل بها أمينو لال، كلام صديقه ويقول ان «هذه الخطوط حاليا لا يوجد فيها تيار كهربائي،ونحن هنا لا نحمل الجهة المعنية مسؤولية ذلك لأنها قامت قبل فترة ببث التيار الهوائي في أوصال خطوطها وتم ايصال التيار الكهربائي إلى غرفة حارس السكراب إلا ان هذه الخطوط تمت سرقتها أكثر من مرة».ننتقل من ورشة إلى أخرى وكلنا أمل ان نجد شخصا مبتسما، ولكن أمانينا كانت تأتي دائما عكس ما نشتهي، فالوجوه العاملة في المكان واجمة لا تكاد تتحمل الثياب التي ترتديها من شدة الحر الذي يتضاعف أثناء العمل، لا تجد راحتها إلا دقائق يتم فيها تشغيل المكيف لتعود مرة أخرى إلى حالتها التي كانت عليها.مطالب كثيرة تمنى العاملون نقلها إلى المسؤولين، ولكن مطلب ايصال التيار الكهربائي إلى القسائم كان الأشد إلحاحا، فجميع من تحدثوا إلينا قالوا لنا «ان كان الماء سر الحياة فإن الكهرباء هي الرئة التي نتنفس منها».
محليات
في سكراب النعايم ... «خدمات» لا تليق بـ «البهايم» ! (2) / الخطوط بلا طاقة... وأسطح «الشينكو» تحوّل المحلات إلى أفران تحرق من يقبع تحتها
«النعايم» بلا كهرباء ... والحرّ «يشوي» أجساد العاملين
01:57 ص