بدا لبنان امس كأنه استعاد جرعة ثقة بدولته وقواه العسكرية والأمنية فضلاً عن قدرة مواطنيه على العودة الى التعبير الديموقراطي أياً تكن شوائب هذا التعبير، من خلال الانتخابات البلدية والاختيارية التي جرت، أمس، جولتها الأولى في محافظتيْ بيروت والبقاع.وبرزت هذه الخلاصة في شكل موضوعي من خلال اليوم الانتخابي الاول في مناطق بيروت كافة بشقيْها الشرقي والغربي (عدد ناخبيها نحو 467 الفاً) كما في مناطق البقاع وأقضيته (عدد الناخبين نحو 612 الفاً) بحيث يمكن إجمال ابرز المعاينات للعملية الانتخابية بالخلاصات الآتية:اولاً: اتسمت العمليات الانتخابية بهدوء أمني ملحوظ بنسبة عالية جداً ولم تحصل حوادث يُعتدّ بها من شأنها ان تهدّد العملية الانتخابية، وهذا في ذاته يُعتبر مكسباً بارزاً للإدارة السياسية والأمنية لهذه الانتخابات، وسط انتشار لأكثر من 20 الف عسكري وأمني انخرطوا في حماية الاستحقاق البلدي.ثانياً: عكَس المناخ الانتخابي في كل المناطق التي شملتها الجولة الأولى حماسة شعبية لافتة ولو ان نسب الإقبال تفاوتت بقوة بين بيروت والبقاع، باعتبار ان العاصمة غالباً ما تكون نسبة الإقبال فيها ضعيفة نسبياً فيما يختلف المشهد تماماً في المناطق البقاعية حيث تتصاعد النسبة الى حدود كبيرة تبعاً لمواقع المعارك.وفيما ارتفعت منذ ساعات الصباح الاولى نسب الإقبال في مناطق المبارزات الحادة مثل زحلة وبريتال وراشيا ومجموعة بلدات وقرى في البقاع الغربي، ظلّ الإقبال في بيروت متواضعاً حتى الاولى من بعد الظهر (كانت ناهزت عندها 11 بالمئة) حيث بدا واضحاً ان الماكينات الانتخابية بدأت تفعل فعلها فبدأت النسبة بالتصاعد.ثالثاً: على المستوى السياسي، اتخذت معركة بيروت اولاً طابعاً بارزاً لجهة رؤية خصوم تقليديين تجمعهم لائحة واحدة هي لائحة «البيارتة» التي ضمّت ائتلاف جميع القوى السياسية والحزبية في العاصمة تحت لواء التحالف مع «تيار المستقبل». واذ أعطى هذا الائتلاف طابعاً موغلاً في تسييس المعركة وجعَل العنوان السياسي المتصل بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين يحتلّ اولوية فيها، بدا من الواضح ان القوى المسيحية، لا سيما «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، استشعرت خطورة عدم حماسة الناخب المسيحي لهذه الانتخابات، فأنبرت امس الى تجييش قواها من اجل إظهار التزامها التحالف الانتخابي. وتُرجم ذلك بنداءات وجهها زعماء القوى المسيحية الى ناخبيهم للإقبال على الانتخابات والتصويت للائحة الائتلاف. ومع ذلك، بدت لائحة «بيروت مدينتي» المنافِسة الاولى معنوياً ووجدانياً ونخبوياً للائحة الائتلاف، اذ ان هذه اللائحة استطاعت إحداث أمر واقع نخبوي على خلفية معارضة «محادل السلطة والأحزاب».اما في البقاع، فإن الأنظار بدت مشدودة في غالبيّتها الى مدينة زحلة التي شهدت معركة «كسْر عظم» بين القوى الثلاث المتنافسة في 3 لوائح: الكتلة الشعبية بزعامة ميريام سكاف، أرملة النائب السابق الراحل والزعيم الزحلاوي الياس سكاف، وتَحالُف أحزاب «التيار الحر» و«القوات اللبنانية» والكتائب، والنائب نقولا فتوش.ولعلّ أبرز ما ميّز هذه المعركة انها وضعت زحلة أمام أقسى مواجهة مسيحية - مسيحية بما يقلل أثر نحو خمسة آلاف صوت لناخبين شيعة وسنّة يمكن ان تلعب دوراً في ترجيح كفة على أخرى، علماً ان «حزب الله» اعلن أمس بلسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم انه وزّع ناخبيه على مرشحي «التيار الحر» و«الكتلة الشعبية» والنائب فتوش، داعياً مناصريه الى التزام لائحة المرشحين في اللوائح الثلاثة (ضمت 8 من اللائحة المدعومة من سكاف و8 من المؤيَّدة من فتوش و5 من لائحة الأحزاب المسيحية هم مرشحو التيار الحر).وتحت وطأة حماوة المعركة في زحلة، شكّل قرار «حزب الله» العلني سبباً لـ «نقزة» بين مكوّنات لائحتيْ سكاف وفتوش خصوصاً عززت الخشية من عمليات تشطيب، فيما سببت الحماوة اشكالاً بين مناصري «الكتلة الشعبية» و«القوات اللبنانية» في حوش الامراء ادى الى سقوط 4 جرحى، وسط اتهامات لائحة الأحزاب المسيحية للائحتين الأخريين بدفع الأموال واستقدام حافلات المجنّسين الى زحلة.اما بالنسبة الى مناطق البقاع الأخرى، فربما تشكل النتائج دلالة لجهة ما أراده «حزب الله» من تجديد صورة اللمعية الشعبية التي يحظى بها في القواعد الشيعية بدليل ان الشيخ قاسم أبرز فوز عشرات البلديات بالتزكية في مناطق نفوذ الحزب، رغم اتخاذ معركتين طابعاً سياسياً في مناطق نفوذه: الاولى في بعلبك حيث تنافست لائحة مدعومة من الحزب وحلفائه مع ثانية برئاسة غالب ياغي تم التعاطي معها على انها غير بعيدة من «14 آذار»، والثانية في بريتال بين لائحة مدعومة من «حزب الله» ولم تشارك فيها حركة «امل» بسبب خلافات على الحصص، ولائحة من عائلات وقيل ان الامين العام السابق للحزب الشيخ صبحي الطفيلي (مناهض بقوة للقيادة الحالية للحزب) يدعمها.رابعاً: ربما تكون الخلاصة الأبرز التي واكبت اليوم الانتخابي في ترداد مسؤولين وزعماء كالرئيس تمام سلام والرئيس سعد الحريري ان نجاح الانتخابات البلدية يجب ان يشكل حافزاً لانتخاب رئيس الجمهورية، حتى ان وزير الداخلية نهاد المشنوق اعتبر الامر بمثابة «الخطبة» وان العرس يكون بانتخاب الرئيس، علماً ان بعض الأصوات السياسية بدأ يركز على اعتبار نجاح هذه الانتخابات منطلقاً لإجراء انتخابات نيابية قبل نهاية الولاية الممدَّدة لمجلس النواب الحالي.
خارجيات
إنجاز أمني شكّل مكسباً سياسياً للدولة... وإقبالٌ متفاوت على الاقتراع
الجولة الأولى من الانتخابات البلدية في لبنان مرّت بـ... سلام وفتور في بيروت رغم التجييش السياسي
10:46 ص