يتهافت بعض الزعماء العرب في السابع والعشرين من نوفمبر الجاري لحضور مؤتمر «السلام» أو «الاستسلام» في مدينة أنابوليس في ولاية ميريلاند الأميركية تحت رعاية الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، وهو المؤتمر المسخرة لأنه من دون هدف، رغم زعم الأميركيين أن الهدف هو إطلاق عملية السلام ولا أفهم أي عملية يقصدون. في عام 1978 لم يحقق المؤتمر شيئاً للعرب سوى أنه أخرج جمهورية مصر العربية من دائرة الصراع مع الصهاينة من دون أن يحقق شيئاً للفلسطينيين. وفي عام 1993 تصافح ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، مع إسحق رابين في واشنطن واستمرت إسرائيل في قتل الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم من دون فائدة من المصافحة «والمباوسة». وفي عام 2000 قام الرئيس الأميركي بيل كلنتون بجمع عرفات وإيهود باراك أيضاً من دون نتيجة، إذ استمرت إسرائيل في بغيها واعتقالها لآلاف الفلسطينيين واغتيالها لهم من دون هوادة. ثم تم وضع خارطة الطريق في عام 2003 ولم يفد ذلك الفلسطينيين، بل زادهم بؤساً وشقاء. واليوم يدعى العرب والفلسطينيون إلى الولايات المتحدة لإطلاق عملية السلام في ظل حصار مجرم إرهابي إسرائيلي على قطاع غزة واستباحة أراضي الضفة وغزة وموت للمرضى وكبار السن بسبب عدم السماح لهم بالخروج من غزة، وذلك تحت سمع وبصر الزعماء العرب المهرولين إلى «أنابوليس وذلك كي يدعموا عملية السلام». إنه من المحزن والمخزي أن يتبجح بعض الزعماء العرب بإنجازاتهم وحبهم للسلام ودورهم التاريخي والقيادي، وهم يشاركون في حصار غزة ولم يتكلم أي واحد منهم عن تجويع المدنيين وإبادتهم في غزة على يد الصهاينة. أستغرب من هرولة الزعماء العرب لتقديم الولاء والطاعة لبوش وأولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي، وهم يشهدون بأم عينهم وجود الآلاف من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ولم يتبن أي من هؤلاء الأشاوس قضية الأسرى العرب، في حين أن إسرائيل قامت ولم تقعد من أجل جاسوسها عزام عزام، والذي دين في مصر وكان يفترض أن يبقى في السجن حتى عام 2012 إلا أن مصر أطلقت سراحه في مقابل ستة مصريين معتقلين في إسرائيل. وإذا ما نظرنا إلى الملفات التي لم تحسم بين العرب وإسرائيل أو بين الفلسطينيين والصهاينة نجد أنها تتمثل في التالي: ملف القدس وملف عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم وملف أراض احتلتها إسرائيل عام 1967 وملف الجولان المحتل، جميعها لم يحل. الموضوع المطروح الآن في مأتم «الخيبة» في أنابوليس هو اعتراف العرب على أن إسرائيل هي دولة لليهود فقط، وليس للمسلمين حق في التواجد فيها، ما يسمح بطرد جميع المسلمين من الأراضي المحتلة بالإضافة لحصول إسرائيل على صك الشرعية من الدول التي ستحضر المؤتمر. ومرة أخرى نذكر أن هذا كله يحصل في ظل بقاء غزة وأهلها تحت الأسر وعشرات المرضى يموتون بسبب عدم توافر الدواء وعدم السماح للمرضى بالمغادرة، وذلك تحت سمع وبصر السيد أبو مازن الرئيس الفلسطيني الذي لم يمانع في معاقبة وموت الفلسطينيين في غزة ماداموا يقعون في أرض تحكمها «حماس». إن مؤتمر أنابوليس هو وسام جديد للخزي يضعه بعض العرب على صدورهم دليلاً لتخاذلهم وضعفهم وانهزامهم أمام الصهاينة، لأن هؤلاء كرسوا طاقاتهم لقمع شعوبهم واضطهادها حتى بتنا لا نعرف من هو الإسرائيلي ومن هو العربي. إن على الرؤساء العرب الشرفاء عدم الانزلاق بالفخ الأميركي الإسرائيلي وليضع كل منهم نصب عينيه مأساة الأسرى الفلسطينيين والمرضى الفلسطينيين في غزة والأراضي المحتلة. كما أن على الشعوب العربية الوعي والإدراك وتعرية الذين لا يملكون شرف تمثيل بلادهم وشعوبهم حتى يأتي اليوم الذي يجد هؤلاء أنفسهم وقد خذلهم الأميركيون والصهاينة ولم يعودوا يمدوهم بالمال الذي يضمن بقاءهم على سدة الحكم عندها سيقول الشعب كلمته، وليس هذا اليوم ببعيد.
د. إبراهيم الهدبان
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويتIhadban@yahoo.com