تتفاوت نسب المواهب والملكات والجهود والطاقات عند البشر وتتباين مساحة التحصيل والفهم والقابليات والإدراك وأيضاً قدراتهم وخصائصهم النفسية والاجتماعية وإمكاناتهم الفكرية أو الجسدية، لأن التفاضل بينهم يكون بحسب قدرة كل منهم على العمل والعطاء وعلى أساس بذل الجهد وقيمة العمل.وبناء على المعطيات تتضح فسحة أوضاعهم وأدوارهم ووظائفهم ومواقعهم في التنظيم الاجتماعي تبعًا لذلك،كما يبان حجم الثروات والدخول للأفراد وتختلف الثمرات والمدخلات، فالبشر ليسوا جميعًا سواء ولكل مجتهدٍ نصيب، فمنهم قوي وضعيف، وغني وفقير، وصحيح وسقيم، ومستطيع وعاجز. وهذا شرط طبيعي لتحمل المسؤوليات في الحياة، ولإعطاء القوامة لمن يستحقها ويستطيع القيام بها، هذا في مجال الأعمال، أمَّا في مجال المعاملة والحقوق والكرامة والعدل والحرية والأخلاق والإنسانية والروابط الأدبية والعبادات والشعائر فالكل سواء.يبدو أن كل المجتمعات لديها نوع من نظام التدرج الاجتماعي الذي أصبح مظهراً أساسياً من مشهد المجتمع الحديث، حيث لا يخلو أيّ مجتمع من الطبقية الاجتماعية التي تعتمد على عوامل كالثروة والمهنة والسلطة والتربية والثقافة وأسلوب الحياة ونمط الاستهلاك والنسب والدين والوظيفة والتأثير المتبادل بين تلك العناصر، ويصف علماء الاجتماع عملية التصنيف الاجتماعي بالتدرج الاجتماعي، فالطبقات أو الفئات إن صح التعبير حقائق اجتماعية قامت وتقوم في كل مجتمع بالرغم من جميع النظريات والعبارات التي تحاول إنكارها وقد بين التاريخ وجود طبقات مختلفة عند جميع الشعوب.إن الانفتاح على الثقافات الأخرى له دور في إعادة هيكلة المحتوى الطبقي بشكل بطيء وغير ملموس، وعلى فترات طويلة حتى يتم الإدخال الثقافي والفكري في محتوى الطبقة، مما يُسبّب تغيراً على المدى البعيد، فالطبقة المثقفة على سبيل المثال تقدر العلم والثقافة وتوليها اهتماماً خاصاً، في حين أن الطبقة غير المثقفة لا تسمن ولا تغني من جوع وهي أسلوب يعتمد الحذلقة والنفاق.يجب وضع سياسة اقتصادية اجتماعية تهدف إلى تضييق الفجوة بين طبقات المجتمع ومحاربة كافة أشكال الإقصاء الاجتماعي، والعدالة في تقسيم الموارد وتوزيع الثروة من حيث الحد الأدنى والأعلى للأجور وإلزام الشركات على التوظيف والتدريب وصرف رواتب عادلة تواكب التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، وتقليص الهوة الاقتصادية بين مكونات المجتمع وتشجيع الاندماج الاجتماعي والدفع باتجاه الزواج المختلط بين مكونات المجتمع الواحد وإزالة الحساسيات والحواجز وإذابة الفوارق الاجتماعية لتعزيز لحمة المجتمع ووحدته.كما يجب تكافؤ الفرص في مجال الخدمات الأساسية من تعليم ورعاية صحية وإسكان...الخ، وضبط الأسواق والمراجعة الدائمة لقوانين السوق ودعم الخدمات العامة والسلع للفئات المستحقة وكبح جماح المد المتزايد للمدارس الخاصة وتنظيمها وتوحيد الرسوم الدراسية بها ومراجعة البرامج والمناهج التربوية والتي يمكن أن تلمح إلى الفوارق الاجتماعية بالإضافة الى إشراك المثقفين وأصحاب الرأي في رسم السياسات والبرامج الهادفة إلى مكافحة الفقر والقضاء على داء الأمية وإزالة الفوارق الاجتماعية.إن العدالة في المجتمع أمر أساسي يمكن إقامته وتطبيقه والتفاوت الطبقي الفاحش غير مقبول، والمساواة هنا ليس المقصود بها نفي الفروق الفردية على مستوى المؤهّلات العقلية والعلمية والبدنية، وإنّما إتاحة الفرص أمام الجميع بالتساوي، أمّا استثمار الفرص فيعتمد على القدرات التي يتمتّع بها هذا الفرد أو ذاك، والمساواة في السماح بالعيش معاً بحيث يستطيع كل واحد إشباع حاجاته الضرورية التي لا تستقيم حياته إلا بها، ومن ثَمَّ يسمح بانطلاق الأفراد كل حسب حاجته وحسب نشاطه ومهاراته لينال نتيجة نشاطه وعمله ما دام يتحرك ضمن دائرة الضوء وفي المحصلة آن لنا مواكبة التطور بجدية وقطف ثمار النتائج التي تؤهل أي مجتمع التعامل مع الواقع بمنطق إنساني بمعزل عن عناوين الطبقية التي يجب أن تندثر.* كاتبة كويتيةSuhaila.g.h@hotmail.comsuhaila.g.hsuhailagh1