| القاهرة - من نعمات مجدي |
«هل حكم أطفال أو صغار؟» وهل تقلدوا زمام الأمور ومقاليد الحكم في بلدانهم؟
سؤال قد تكون الاجابة عليه لـ «الوهلة الأولى» لا، أو لا نعرف أو قد لكن من ومتى وأين؟
ونحن نقلب في أوراق قديمة جدا أو قديمة فقط، أو حتى حديثة، كانت المفاجآت تتوالى تباعا حيث اتضح أن الكثير من هؤلاء بالفعل حكموا وصالوا وجالوا وأيضا أخطأوا وارتكبوا مخالفات أثرت على شعوبهم.
ونحن نقلب في أوراق مختلفة أتضح أن كثيرا من المجتمعات «شمالية وجنوبية شرقية وغربية» حكمت من خلال أطفال وفتيان وشبان صغار.
وجدنا هذا في الممالك القديمة «مصر والعراق» ووجدناه في العصر الإسلامي ووجدناه في أوروبا وآسيا وغيرهما.
عثرنا على ما يؤكد أن طفلا في السابعة «حكم» وأن أكبر منه بسنوات قليلة قاد بلده وأن من هم في العشرين «كثر» تقلدوا زمام الأمور.
الأمر مع غرابته لا يخلو حتما من الطرائف والعجائب والمواقف الساخنة والمعارك المشتعلة حتى إن هذه الأمور حفرت في ذاكرة الشعوب أو في مجلدات تراثية.
«الراي» قلبت كثيرا في أوراق تراثية وقديمة ومتوسطة وحديثة واقتربت من حكايات غريبة وعجيبة مع أطفال وصغار وشبان حكموا وفي السطور التالية تفاصيل كثيرة.
ومازلنا مع أطفال حكموا العالم... ومحطاتنا تبقى «غربية»... ومن بلاد الرافدين... الى مصب النيل... وتحديدا مع سليل الأسرة العلوية الملك فاروق الأول... الذي أطاحت به ثورة 23 يوليو العام 1952.
طفولته لم تمنعه من أن يتولى عرش مصر ويصبح ملكا عليها في 29 أبريل من العام 1936... حيث تم تشكيل مجلس وصاية على العرش برئاسة ابن عمه الأمير محمد علي ابن الخديوي توفيق... شقيق الملك فؤاد الأول، والد الملك فاروق... حيث تولى الحكم رسميا في 29 يوليو 1937 بعد قرابة العام وثلاثة أشهر.
ولقد اختلفت الآراء حول شخصيته فاتهمه البعض بالفساد والاسراف والبذخ وحبه الشديد للنساء ولعب القمار والانصراف عن شؤون الدولة... والآخر دافع عنه بأنه كان طيبا أبيض القلب ربما يعود ولعه بالنساء والاهتمام بجمعهن حوله الى أنه كان يعاني من الضعف الجنسي ويخفي ذلك بالتظاهر بعلاقاته النسائية المتعددة.
أما اسرافه في تناول الطعام ومعاناته من السمنة الزائدة ربما تعود الى اختلال الهرمونات في جسمه... والحقيقة المؤكدة على لسان زوجته الملكة فريدة أنه لم يتناول الخمر قط... ربما كانت عقدة أوديب تطارده في مشاعره مع أمه الملكة نازلي.
حكم واطاحة
حكم مصر قرابة 16 عاما من 29 يوليو 1937 الى 23 يوليو 1952 عندما أطاحت به الثورة وأعلنت الجمهورية... هو الملك فاروق ابن الملك فؤاد ابن الخديوي اسماعيل ابن ابراهيم باشا، ولد بالقاهرة في 11 فبراير 1920، وكان ابنا وحيدا بين «5» شقيقات أنجبهن والده الملك فؤاد الأول ثم أكمل تعليمه في فرنسا وانكلترا، توفي والده وهو مازال قاصرا... حيث اختاره الملك الوالد أميرا للصعيد قبل وفاته.
تحمل فاروق مسؤولية الحكم وهو لم يبلغ السادسة عشرة من عمره لذلك تم تشكيل مجلس للوصاية على العرش برئاسة ابن عمه الأمير محمد علي بن الخديوي توفيق.
وقد كان سبب اختياره هو أنه كان أكبر أمراء الأسرة العلوية سنا، ولكن نظرا للمخاوف التي كانت تطارد الملكة نازلي أم الملك في أن يستولي الأمير محمد علي... على ملك مصر فقد سارعت الى الشيخ المراغي... شيخ الأزهر آنذاك... باصدار فتوى بحساب عمر ابنها الملك فاروق بالتقويم الهجري، وبالفعل صدرت له فتوى ببلوغه سن الرشد... الـ 18عاما.
وتم تتويجه رسميا ملكا على مصر منفردا بلا وصاية في 29 يوليو 1937، وتعيين ابن عمه الأمير محمد علي وليا للعهد... حيث ظل في هذا المنصب حتى أنجب الملك فاروق نجله أحمد فؤاد الذي أصبح وليا للعهد.
زوجاته وبناته
تزوج الملك فاروق، وهو في سن السادسة عشرة من صافيناز ذو الفقار... التي تغير اسمها بعد الزواج الى الملكة فريدة، وأنجب منها 3 بنات هن الأميرة فريال والأميرة فوزية والأميرة فادية وقد كان الشعب يحب الملكة فريدة بشدة لاحساسه بقربها منهم، وبأحوالهم وشعور الناس بأنها من نسيجهم... لذلك ثار الناس كثيرا وقاموا بمظاهرات صاخبة ينددون بطلاق الملك لها... ويرددون الهتافات الساخطة «خرجت الفضيلة من بيت الرذيلة».
ويعتقد أن الملك فاروق قد طلقها بسبب كثرة المشاكل بينهما، وان كان يعود السبب الأصلي الى رغبة الملك في انجاب ولي للعهد من بعده.
وتروي عنها الكاتبة الصحافية المصرية الدكتورة لوتس عبد الكريم: ان الملكة فريدة كانت تتمتع بذكاء حاد وذات ثقافة واسعة، وكانت خليطا من الأرستقراطية التي اتسمت بها من نسبها لعائلة راقية، وبين امتزاجها بطبقات الشعب المختلفة ماعزز جسور المحبة والثقة بينها وبينهم، وبالرغم من طلاقها من الملك فاروق... الا أنها كانت تشيد بأخلاق الملك وطيبة قلبه ونقاء سريرته، وأن جميع الإشاعات التي كانت تنتشر حول علاقات الملك المتعددة بالنساء وفساد حياته الخاصة مبالغ فيها وليس لكثير منها أساس من الصحة.
فقالت: ان الملك لم يتناول الخمر على الاطلاق بل ان النساء لم يكنّ في اهتماماته، كما أطلق البعض عليه «زير النساء»، وبعد طلاقها من الملك عاشت في باريس في الغربة... في حياة فقيرة... حيث كانت تعيش مما تكسبه من بيع بعض لوحاتها التشكيلية، وماتت الملكة فريدة في شقة صغيرة منحتها لها الدولة بعد عودتها من غربتها في باريس.
والأكثر من ذلك أنها كانت تعاني من عدم توافر قصر لها تعرض فيه لوحاتها التشكيلية وهي الملكة سليلة الملوك التي كان يؤول لوالدها العديد من القصور الفاخرة ومن بينها «قصر الطاهرة».
طلاق فريدة
وقد أعلن الملك فاروق بعد طلاقه من الملكة فريدة في عيد ميلاده الـ 31 في 11 فبراير 1951 خطوبته على الآنسة «ناريمان صادق»، وهي التي فضلها على كثير من بنات العائلة المالكة وبنات مصر، وهي في الحقيقة كانت تحمل صفات البنت الشرقية الأنيقة، وكانت تسكن آنذاك بضاحية مصر الجديدة بالقاهرة.
وقد اصطحبتها من منزلها الى قصر عابدين... الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق وارتدت فستانا أبيض مرصعا بالألماس وتاجا من الألماس... وتحرك موكبها يشق شوارع القاهرة، وهي تركب سيارة رولزرايس حمراء حتى وصلت الى قصر عابدين... حيث استقبلها الملك واصطحبها الى غرفة الملك المزخرفة بالذهب... حيث قامت زينب الوكيل... زوجة النحاس باشا رئيس الوزراء بتقديم زوجات الوزراء الى الملكة.
وقامت زوجة السفير جيفرسون كافري سفير بريطانيا لدى مصر بتقديم زوجات أعضاء السلك الديبلوماسي... ثم أقيمت مأدبة كبيرة في حدائق قصر عابدين، وقام الملك بقطع أول قطعة من كعكة الفرح وقدمها لعروسه الملكة ناريمان في طبق من الذهب.
وقد أنجبت الملكة ناريمان طفلها ولي العهد الذي كان يحلم به الملك - ليرث عنه العرش الأمير أحمد فؤاد، وهو في سن السادسة عشرة من عمره - الذي أصبح ملكا لمصر وهو في سن الستة أشهر بعد أن أجبرته الثورة على التنازل عن الحكم في 23 يوليو 1952.
وتعيش الآن بنات الملك فاروق بسويسرا وهن الأميرات فريال وفوزية وفادية... ولم تتزوج الأميرة فوزية... أما الأميرة فادية فقد تزوجت من شخص سويسري من أصل روسي أشهر اسلامه بالأزهر وأنجبت منه ولدين شامل وعلي.
أما الأمير أحمد فؤاد الثاني... فقد تدهورت أحواله المادية بعد خلع أبيه عن حكم مصر والغاء الملكية... حيث تزوج من يهودية اسمها «دومنيك فرانس بيكار»، وأشهرت اسلامها وأصبحت الأميرة فضيلة، وأنجبت له محمد علي، الذي ولد بالقاهرة وابنته لطيفة والابن الثالث فخر الدين الذي ولد في المغرب في ضيافة الملك الحسن الثاني ملك المغرب.
والمعروف أن الملكة نازلي زوجة الملك فاروق الأول لم تتزوج بعد طلاقها من الملك ولا بعد وفاته، ولكن الملكة ناريمان الزوجة الثانية التي أنجبت له ولدا... فقد تزوجت بعد طلاقها من الملك بعد ثورة يوليو من الدكتور أدهم النقيب.
وأقامت معه في مصر الجديدة، وأنجبت منه أكرم «طبيب»، ويقيم الآن بالاسكندرية، وقد حضر أحمد فؤاد عند زواج أخيه لأمه «أكرم» لحضور حفل الزفاف بالاسكندرية.
حياته الخاصة
يقول كريم ثابت المستشار الصحافي للملك وصديقه المقرب في كتابه «ملك النهاية» ان فاروق كان لا يعتني على الاطلاق بهندامه، وكان فوضويا في أكله يعشق الحلو وعصير الفواكه طوال اليوم... والمربات والأرز والمكرونة، وقد عرف عن الملك فاروق ملله من تكرار قوائم الطعام الملكية.
وكان يعتقد أن الطعام خارج القصور الملكية أشهى وألذ، وكانت له مواقف غريبة وطريفة تؤكد تمرده على الطعام الملكي... ففي احدى المرات فوجئ أحد أصحاب المقاهي الشعبية المتواضعة في أحد الأزقة بين المنتزه والسيوف بالاسكندرية بجلالة الملك يدخل عليه المقهى ويطلب فنجانا من القهوة التركي الذي كان يشتهر به هذه المقهى.
بل ان جلالته أوقف القطار الديزل الملكي بدمنهور لتناول طبق من الفول المدمس من محل القاضي الشهير، ويقال: ان الملك كان يحب الآيس كريم بشدة والمكرونة الاسباجتي واللحوم والحلويات، وكان يطهو السمك الذي يصطاده بنفسه حتى يتلذذ به.
وتدافع الأميرة فريال الابنة الكبرى للملك فاروق... عن اسراف أبيها في تناول الطعام بأن أباها الملك فاروق كان يعاني من اضطراب في الغدد هي التي سببت له هذه السمنة المفرطة... حتى ان وزنه كان قد تجاوز الـ 140 كيلو جراماً، وينفي طباخ الملك الشيف عطية مرسي الذي عمل كبيرا للطهاة في قصر عابدين من 1938 - 1952 اشاعة أن الشوربة التي كانت تعد للملك من خلاصة 50 خروفا.
ويقال: ان هذه الشوربة كانت تصنع من 50 كيلو جراما من اللحم الجاموسي وتسلق مع البصل والجزر والطماطم، ويتم غليها حتى يهترئ اللحم في الماء وتصفى، ويتم تثليجها وتشرب باردة.
وقد أشارت الوثائق البريطانية الى أن الملك فاروق كان يعاني من خلل هرموني ناتج عن اضطراب الغدة الكظرية... أدى ذلك الى اضطرابات نفسية للملك فاروق أثرت على قدرته الجنسية زاد عليها ما يشبه عقدة أوديب... حتى انه كان يشك في سلوكيات زوجته وأمه، وقد أثر هذا الضعف الجنسي على سلوكياته، وكان سببا مباشرا على حرص الملك باحاطة نفسه بالعديد من النساء في حياته لاضفاء نوع من الفحولة الجنسية والرجولة كمظهر اجتماعي لاخفاء ما كان يعاني منه.
فاروق... والعرش
استمر حكم فاروق مدة 16 عاما، وكانت مصر في هذه الفترة تعيش حياة سياسية غير مستقرة خصوصا بعد تقرب الملك فاروق من الأحزاب السياسية الصغيرة وكراهيته لحزب الأغلبية «الوفد» في ذلك الوقت، بالاضافة الى النتائج السيئة لحرب فلسطين العام 1948، واتهامه بأنه سبب تسليح الجيش المصري بأسلحة فاسدة، كما كان لاغتيال زعيم الاخوان حسن البنا... على يد البوليس السري، وطلاقه من الملكة فريدة محبوبة الشعب وتدخل الملك في انتخابات نادي الضباط، بالاضافة الى العديد من الاضطرابات من بينها حريق القاهرة.
كل ذلك عجّل بثورة الجيش ضده والاطاحة به واجباره على التنازل عن العرش لابنه الأمير أحمد فؤاد الثاني، والذي لم يكن قد تجاوز الـ 6 أشهر... حيث غادر الحكم مخلوعا في مساء يوم 26 يوليو على ظهر اليخت الملكي «المحروسة»، وكان في وداعه اللواء محمد نجيب وأعضاء حركة الضباط الأحرار... حيث غادر الى ايطاليا، وأدى الضباط له التحية العسكرية وأطلقت المدفعية 21 طلقة تحية في وداع الملك.
حياته في المنفى
لم يكن الملك ذا ثراء عندما غادر مصر، فقد حمل معه 22 حقيبة بها ملابسه وملابس أسرته... وعدة آلاف من الجنيهات لا تتجاوز الـ 5000 جنيه مصري... بالاضافة الى حساب بنكي بسويسرا لا يتعدى الـ 20000 ألف جنيه، وقد قام بطلاق الملكة ناريمان بعد سنتين من المنفى، وقد عاش الملك المخلوع ضيفا على أمير موناكو ومنحه الجنسية وجواز سفر ديبلوماسي.
وقد أقام الملك بايطاليا، وألحق بناته الثلاث بمدرسة سويسرية داخلية تعلمن فيها الفرنسية... حتى انهن لم يكن يعرفن اللغة العربية باستثناء الأميرة فريال البنت الكبرى، أما الأمير أحمد فؤاد فقد عاش في فرنسا في رعاية أمير موناكو الراحل الأمير رينيه.
وفاته
توفي الملك فاروق في ايطاليا العام 1965... بعد تناوله وجبة عشاء بأحد المطاعم بروما، وقد تعددت الروايات عن سبب وفاته، ربما بسبب السمنة الزائدة وافراطه في الطعام بسبب اختلال الهرمونات... حتى انه شخصيا كان ينفي عن نفسه الاسراف في الطعام... حيث ذكر في مذكراته الشخصية عند تخليه عن العرش مقولة انه كان يتناول 12 بيضة على مائدة الفطور يوميا فيقول: انها كانت له وبناته الثلاث وزوجته ناريمان والمربية السويسرية، وبعيدا عن هذه المقولة التي كانت تقول... ان الوفاة قد حدثت بسبب التخمة والافراط في الطعام.
الا أن هناك من يقول ان الملك فاروق مات مسموما... بعد أن تم وضع سم له في كوب عصير الجوافة الذي تناوله بأحد المطاعم الايطالية على يد البغدادي... بتكليف من رجال الثورة بعدما انتشرت اشاعة في مصر أن الملك سوف يعود مرة أخرى لحكم مصر.
وقد أوصى الملك فاروق بدفنه بعد موته بمصر ولكن عبد الناصر رفض ذلك، ووافق السادات على دفن رفاته بعد وفاته بفترة بمسجد الرفاعي بالقاهرة ليلا، وتحت حراسة أمنية مشددة.
«هل حكم أطفال أو صغار؟» وهل تقلدوا زمام الأمور ومقاليد الحكم في بلدانهم؟
سؤال قد تكون الاجابة عليه لـ «الوهلة الأولى» لا، أو لا نعرف أو قد لكن من ومتى وأين؟
ونحن نقلب في أوراق قديمة جدا أو قديمة فقط، أو حتى حديثة، كانت المفاجآت تتوالى تباعا حيث اتضح أن الكثير من هؤلاء بالفعل حكموا وصالوا وجالوا وأيضا أخطأوا وارتكبوا مخالفات أثرت على شعوبهم.
ونحن نقلب في أوراق مختلفة أتضح أن كثيرا من المجتمعات «شمالية وجنوبية شرقية وغربية» حكمت من خلال أطفال وفتيان وشبان صغار.
وجدنا هذا في الممالك القديمة «مصر والعراق» ووجدناه في العصر الإسلامي ووجدناه في أوروبا وآسيا وغيرهما.
عثرنا على ما يؤكد أن طفلا في السابعة «حكم» وأن أكبر منه بسنوات قليلة قاد بلده وأن من هم في العشرين «كثر» تقلدوا زمام الأمور.
الأمر مع غرابته لا يخلو حتما من الطرائف والعجائب والمواقف الساخنة والمعارك المشتعلة حتى إن هذه الأمور حفرت في ذاكرة الشعوب أو في مجلدات تراثية.
«الراي» قلبت كثيرا في أوراق تراثية وقديمة ومتوسطة وحديثة واقتربت من حكايات غريبة وعجيبة مع أطفال وصغار وشبان حكموا وفي السطور التالية تفاصيل كثيرة.
ومازلنا مع أطفال حكموا العالم... ومحطاتنا تبقى «غربية»... ومن بلاد الرافدين... الى مصب النيل... وتحديدا مع سليل الأسرة العلوية الملك فاروق الأول... الذي أطاحت به ثورة 23 يوليو العام 1952.
طفولته لم تمنعه من أن يتولى عرش مصر ويصبح ملكا عليها في 29 أبريل من العام 1936... حيث تم تشكيل مجلس وصاية على العرش برئاسة ابن عمه الأمير محمد علي ابن الخديوي توفيق... شقيق الملك فؤاد الأول، والد الملك فاروق... حيث تولى الحكم رسميا في 29 يوليو 1937 بعد قرابة العام وثلاثة أشهر.
ولقد اختلفت الآراء حول شخصيته فاتهمه البعض بالفساد والاسراف والبذخ وحبه الشديد للنساء ولعب القمار والانصراف عن شؤون الدولة... والآخر دافع عنه بأنه كان طيبا أبيض القلب ربما يعود ولعه بالنساء والاهتمام بجمعهن حوله الى أنه كان يعاني من الضعف الجنسي ويخفي ذلك بالتظاهر بعلاقاته النسائية المتعددة.
أما اسرافه في تناول الطعام ومعاناته من السمنة الزائدة ربما تعود الى اختلال الهرمونات في جسمه... والحقيقة المؤكدة على لسان زوجته الملكة فريدة أنه لم يتناول الخمر قط... ربما كانت عقدة أوديب تطارده في مشاعره مع أمه الملكة نازلي.
حكم واطاحة
حكم مصر قرابة 16 عاما من 29 يوليو 1937 الى 23 يوليو 1952 عندما أطاحت به الثورة وأعلنت الجمهورية... هو الملك فاروق ابن الملك فؤاد ابن الخديوي اسماعيل ابن ابراهيم باشا، ولد بالقاهرة في 11 فبراير 1920، وكان ابنا وحيدا بين «5» شقيقات أنجبهن والده الملك فؤاد الأول ثم أكمل تعليمه في فرنسا وانكلترا، توفي والده وهو مازال قاصرا... حيث اختاره الملك الوالد أميرا للصعيد قبل وفاته.
تحمل فاروق مسؤولية الحكم وهو لم يبلغ السادسة عشرة من عمره لذلك تم تشكيل مجلس للوصاية على العرش برئاسة ابن عمه الأمير محمد علي بن الخديوي توفيق.
وقد كان سبب اختياره هو أنه كان أكبر أمراء الأسرة العلوية سنا، ولكن نظرا للمخاوف التي كانت تطارد الملكة نازلي أم الملك في أن يستولي الأمير محمد علي... على ملك مصر فقد سارعت الى الشيخ المراغي... شيخ الأزهر آنذاك... باصدار فتوى بحساب عمر ابنها الملك فاروق بالتقويم الهجري، وبالفعل صدرت له فتوى ببلوغه سن الرشد... الـ 18عاما.
وتم تتويجه رسميا ملكا على مصر منفردا بلا وصاية في 29 يوليو 1937، وتعيين ابن عمه الأمير محمد علي وليا للعهد... حيث ظل في هذا المنصب حتى أنجب الملك فاروق نجله أحمد فؤاد الذي أصبح وليا للعهد.
زوجاته وبناته
تزوج الملك فاروق، وهو في سن السادسة عشرة من صافيناز ذو الفقار... التي تغير اسمها بعد الزواج الى الملكة فريدة، وأنجب منها 3 بنات هن الأميرة فريال والأميرة فوزية والأميرة فادية وقد كان الشعب يحب الملكة فريدة بشدة لاحساسه بقربها منهم، وبأحوالهم وشعور الناس بأنها من نسيجهم... لذلك ثار الناس كثيرا وقاموا بمظاهرات صاخبة ينددون بطلاق الملك لها... ويرددون الهتافات الساخطة «خرجت الفضيلة من بيت الرذيلة».
ويعتقد أن الملك فاروق قد طلقها بسبب كثرة المشاكل بينهما، وان كان يعود السبب الأصلي الى رغبة الملك في انجاب ولي للعهد من بعده.
وتروي عنها الكاتبة الصحافية المصرية الدكتورة لوتس عبد الكريم: ان الملكة فريدة كانت تتمتع بذكاء حاد وذات ثقافة واسعة، وكانت خليطا من الأرستقراطية التي اتسمت بها من نسبها لعائلة راقية، وبين امتزاجها بطبقات الشعب المختلفة ماعزز جسور المحبة والثقة بينها وبينهم، وبالرغم من طلاقها من الملك فاروق... الا أنها كانت تشيد بأخلاق الملك وطيبة قلبه ونقاء سريرته، وأن جميع الإشاعات التي كانت تنتشر حول علاقات الملك المتعددة بالنساء وفساد حياته الخاصة مبالغ فيها وليس لكثير منها أساس من الصحة.
فقالت: ان الملك لم يتناول الخمر على الاطلاق بل ان النساء لم يكنّ في اهتماماته، كما أطلق البعض عليه «زير النساء»، وبعد طلاقها من الملك عاشت في باريس في الغربة... في حياة فقيرة... حيث كانت تعيش مما تكسبه من بيع بعض لوحاتها التشكيلية، وماتت الملكة فريدة في شقة صغيرة منحتها لها الدولة بعد عودتها من غربتها في باريس.
والأكثر من ذلك أنها كانت تعاني من عدم توافر قصر لها تعرض فيه لوحاتها التشكيلية وهي الملكة سليلة الملوك التي كان يؤول لوالدها العديد من القصور الفاخرة ومن بينها «قصر الطاهرة».
طلاق فريدة
وقد أعلن الملك فاروق بعد طلاقه من الملكة فريدة في عيد ميلاده الـ 31 في 11 فبراير 1951 خطوبته على الآنسة «ناريمان صادق»، وهي التي فضلها على كثير من بنات العائلة المالكة وبنات مصر، وهي في الحقيقة كانت تحمل صفات البنت الشرقية الأنيقة، وكانت تسكن آنذاك بضاحية مصر الجديدة بالقاهرة.
وقد اصطحبتها من منزلها الى قصر عابدين... الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق وارتدت فستانا أبيض مرصعا بالألماس وتاجا من الألماس... وتحرك موكبها يشق شوارع القاهرة، وهي تركب سيارة رولزرايس حمراء حتى وصلت الى قصر عابدين... حيث استقبلها الملك واصطحبها الى غرفة الملك المزخرفة بالذهب... حيث قامت زينب الوكيل... زوجة النحاس باشا رئيس الوزراء بتقديم زوجات الوزراء الى الملكة.
وقامت زوجة السفير جيفرسون كافري سفير بريطانيا لدى مصر بتقديم زوجات أعضاء السلك الديبلوماسي... ثم أقيمت مأدبة كبيرة في حدائق قصر عابدين، وقام الملك بقطع أول قطعة من كعكة الفرح وقدمها لعروسه الملكة ناريمان في طبق من الذهب.
وقد أنجبت الملكة ناريمان طفلها ولي العهد الذي كان يحلم به الملك - ليرث عنه العرش الأمير أحمد فؤاد، وهو في سن السادسة عشرة من عمره - الذي أصبح ملكا لمصر وهو في سن الستة أشهر بعد أن أجبرته الثورة على التنازل عن الحكم في 23 يوليو 1952.
وتعيش الآن بنات الملك فاروق بسويسرا وهن الأميرات فريال وفوزية وفادية... ولم تتزوج الأميرة فوزية... أما الأميرة فادية فقد تزوجت من شخص سويسري من أصل روسي أشهر اسلامه بالأزهر وأنجبت منه ولدين شامل وعلي.
أما الأمير أحمد فؤاد الثاني... فقد تدهورت أحواله المادية بعد خلع أبيه عن حكم مصر والغاء الملكية... حيث تزوج من يهودية اسمها «دومنيك فرانس بيكار»، وأشهرت اسلامها وأصبحت الأميرة فضيلة، وأنجبت له محمد علي، الذي ولد بالقاهرة وابنته لطيفة والابن الثالث فخر الدين الذي ولد في المغرب في ضيافة الملك الحسن الثاني ملك المغرب.
والمعروف أن الملكة نازلي زوجة الملك فاروق الأول لم تتزوج بعد طلاقها من الملك ولا بعد وفاته، ولكن الملكة ناريمان الزوجة الثانية التي أنجبت له ولدا... فقد تزوجت بعد طلاقها من الملك بعد ثورة يوليو من الدكتور أدهم النقيب.
وأقامت معه في مصر الجديدة، وأنجبت منه أكرم «طبيب»، ويقيم الآن بالاسكندرية، وقد حضر أحمد فؤاد عند زواج أخيه لأمه «أكرم» لحضور حفل الزفاف بالاسكندرية.
حياته الخاصة
يقول كريم ثابت المستشار الصحافي للملك وصديقه المقرب في كتابه «ملك النهاية» ان فاروق كان لا يعتني على الاطلاق بهندامه، وكان فوضويا في أكله يعشق الحلو وعصير الفواكه طوال اليوم... والمربات والأرز والمكرونة، وقد عرف عن الملك فاروق ملله من تكرار قوائم الطعام الملكية.
وكان يعتقد أن الطعام خارج القصور الملكية أشهى وألذ، وكانت له مواقف غريبة وطريفة تؤكد تمرده على الطعام الملكي... ففي احدى المرات فوجئ أحد أصحاب المقاهي الشعبية المتواضعة في أحد الأزقة بين المنتزه والسيوف بالاسكندرية بجلالة الملك يدخل عليه المقهى ويطلب فنجانا من القهوة التركي الذي كان يشتهر به هذه المقهى.
بل ان جلالته أوقف القطار الديزل الملكي بدمنهور لتناول طبق من الفول المدمس من محل القاضي الشهير، ويقال: ان الملك كان يحب الآيس كريم بشدة والمكرونة الاسباجتي واللحوم والحلويات، وكان يطهو السمك الذي يصطاده بنفسه حتى يتلذذ به.
وتدافع الأميرة فريال الابنة الكبرى للملك فاروق... عن اسراف أبيها في تناول الطعام بأن أباها الملك فاروق كان يعاني من اضطراب في الغدد هي التي سببت له هذه السمنة المفرطة... حتى ان وزنه كان قد تجاوز الـ 140 كيلو جراماً، وينفي طباخ الملك الشيف عطية مرسي الذي عمل كبيرا للطهاة في قصر عابدين من 1938 - 1952 اشاعة أن الشوربة التي كانت تعد للملك من خلاصة 50 خروفا.
ويقال: ان هذه الشوربة كانت تصنع من 50 كيلو جراما من اللحم الجاموسي وتسلق مع البصل والجزر والطماطم، ويتم غليها حتى يهترئ اللحم في الماء وتصفى، ويتم تثليجها وتشرب باردة.
وقد أشارت الوثائق البريطانية الى أن الملك فاروق كان يعاني من خلل هرموني ناتج عن اضطراب الغدة الكظرية... أدى ذلك الى اضطرابات نفسية للملك فاروق أثرت على قدرته الجنسية زاد عليها ما يشبه عقدة أوديب... حتى انه كان يشك في سلوكيات زوجته وأمه، وقد أثر هذا الضعف الجنسي على سلوكياته، وكان سببا مباشرا على حرص الملك باحاطة نفسه بالعديد من النساء في حياته لاضفاء نوع من الفحولة الجنسية والرجولة كمظهر اجتماعي لاخفاء ما كان يعاني منه.
فاروق... والعرش
استمر حكم فاروق مدة 16 عاما، وكانت مصر في هذه الفترة تعيش حياة سياسية غير مستقرة خصوصا بعد تقرب الملك فاروق من الأحزاب السياسية الصغيرة وكراهيته لحزب الأغلبية «الوفد» في ذلك الوقت، بالاضافة الى النتائج السيئة لحرب فلسطين العام 1948، واتهامه بأنه سبب تسليح الجيش المصري بأسلحة فاسدة، كما كان لاغتيال زعيم الاخوان حسن البنا... على يد البوليس السري، وطلاقه من الملكة فريدة محبوبة الشعب وتدخل الملك في انتخابات نادي الضباط، بالاضافة الى العديد من الاضطرابات من بينها حريق القاهرة.
كل ذلك عجّل بثورة الجيش ضده والاطاحة به واجباره على التنازل عن العرش لابنه الأمير أحمد فؤاد الثاني، والذي لم يكن قد تجاوز الـ 6 أشهر... حيث غادر الحكم مخلوعا في مساء يوم 26 يوليو على ظهر اليخت الملكي «المحروسة»، وكان في وداعه اللواء محمد نجيب وأعضاء حركة الضباط الأحرار... حيث غادر الى ايطاليا، وأدى الضباط له التحية العسكرية وأطلقت المدفعية 21 طلقة تحية في وداع الملك.
حياته في المنفى
لم يكن الملك ذا ثراء عندما غادر مصر، فقد حمل معه 22 حقيبة بها ملابسه وملابس أسرته... وعدة آلاف من الجنيهات لا تتجاوز الـ 5000 جنيه مصري... بالاضافة الى حساب بنكي بسويسرا لا يتعدى الـ 20000 ألف جنيه، وقد قام بطلاق الملكة ناريمان بعد سنتين من المنفى، وقد عاش الملك المخلوع ضيفا على أمير موناكو ومنحه الجنسية وجواز سفر ديبلوماسي.
وقد أقام الملك بايطاليا، وألحق بناته الثلاث بمدرسة سويسرية داخلية تعلمن فيها الفرنسية... حتى انهن لم يكن يعرفن اللغة العربية باستثناء الأميرة فريال البنت الكبرى، أما الأمير أحمد فؤاد فقد عاش في فرنسا في رعاية أمير موناكو الراحل الأمير رينيه.
وفاته
توفي الملك فاروق في ايطاليا العام 1965... بعد تناوله وجبة عشاء بأحد المطاعم بروما، وقد تعددت الروايات عن سبب وفاته، ربما بسبب السمنة الزائدة وافراطه في الطعام بسبب اختلال الهرمونات... حتى انه شخصيا كان ينفي عن نفسه الاسراف في الطعام... حيث ذكر في مذكراته الشخصية عند تخليه عن العرش مقولة انه كان يتناول 12 بيضة على مائدة الفطور يوميا فيقول: انها كانت له وبناته الثلاث وزوجته ناريمان والمربية السويسرية، وبعيدا عن هذه المقولة التي كانت تقول... ان الوفاة قد حدثت بسبب التخمة والافراط في الطعام.
الا أن هناك من يقول ان الملك فاروق مات مسموما... بعد أن تم وضع سم له في كوب عصير الجوافة الذي تناوله بأحد المطاعم الايطالية على يد البغدادي... بتكليف من رجال الثورة بعدما انتشرت اشاعة في مصر أن الملك سوف يعود مرة أخرى لحكم مصر.
وقد أوصى الملك فاروق بدفنه بعد موته بمصر ولكن عبد الناصر رفض ذلك، ووافق السادات على دفن رفاته بعد وفاته بفترة بمسجد الرفاعي بالقاهرة ليلا، وتحت حراسة أمنية مشددة.