... «اطلبوا الرئيس ولو من البرازيل». عبارة بدت «مفصّلة على قياس» لبنان الذي عاش امس مفارقة أقرب الى «الكوميديا السوداء» مع تكريس فشل طبقته السياسية للمرة 38 في غضون عامين في انتخاب رئيسٍ للجمهورية «المقطوعة الرأس»، في موازاة استعداد اللبناني الأصل ميشال تامر لتسلُّم مقاليد الرئاسة في البرازيل خلَفاً للرئيسة ديلما روسيف التي باتت قاب قوسين من الإقالة على يد مجلس الشيوخ بعدما فتح مجلس النواب البرازيلي الباب واسعاً أمام الإطاحة بها «بالدستور» بحلول النصف الاول من مايو المقبل.وأثار بدء العدّ العكسي لتولي تامر الرئاسة في البرازيل «خليطاً» من «المشاعر» والانطباعات في بيروت مزجت بين الاعتزاز بأن يتولى اول متحدّر من اصل لبناني سدة الرئاسة في «بلاد السامبا» التي تُعتبر واحدة من كبرى الدول من حيث المساحة وعدد السكان في العالم، وبين الإحباط حيال مآل الواقع في «بلاد الأرز» التي تُراكِم الإخفاقات السياسية التي يشكّل أبرز تجلياتها الفراغ الرئاسي المستمر منذ 25 مايو 2014 والذي يؤدي رقصة «التانغو» مع حال اهتراء مؤسساتي ينذر... بالأسوأ.وتَعزّز هذا «الإحباط» مع تكرار سيناريو عدم تَوافُر النصاب لجلسات الانتخاب الرئاسية التي كانت على موعد امس مع الجولة رقم 38، التي سُجّلت مجموعة ملاحظات على هامشها وفي صلبها، من أبرزها تلاشي الدينامية التي كانت أحدثتها عودة زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري الى بيروت قبل شهرين ونيف محاولاً تزخيم مبادرته التي ترتكز على تأييد ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة مقابل دعم «حزب الله» و«القوات اللبنانية» للعماد ميشال عون.وقد سجّلت الجلسة الجديدة استمرار المسار الانحداري في عدد النواب الذين حضروا الى البرلمان ليبلغ 53 بعدما كانت الجلستان السابقتان سجّلتا تباعاً 72 ثم 62 نائباً، وذلك نتيجة الزخم الذي أحدثتْه المشاركة الشخصيّة للرئيس الحريري الذي برز أمس غيابه عن الجلسة للمرة الأولى منذ عودته الى بيروت، بالتزامن مع إطفائه شمعة ميلاده الـ 46.وفيما لم يحضر ايضاً الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، عكست مقاطعة المرشَّحيْن، اي عون وفرنجية وكتلتيْهما الجلسات، في موازاة حضور الداعمين الأساسيين وهم من قوى 14 آذار، استمرار الملف الرئاسي «رهينة» الاشتباك الاقليمي ولا سيما بين السعودية وايران والذي اتخذ منحى أكثر تشدُّداً بعد إدانة مؤتمر القمة الاسلامية طهران، وتدخُّلها في شؤون دول المنظمة ودعْمها للإرهاب، في موازاة التنديد بـ «الأعمال الإرهابية» لـ «حزب الله»، وهو ما استُتبع بإدانة البرلمان العربي «التدخلات الإيرانية في شؤون الدول العربية»، معتبراً الحزب «جماعة إرهابية».ولم يكن مفاجئاً تبعاً لذلك، ان تترافق جلسة الانتخاب الرئاسية التي أرجئت الى 10 مايو المقبل، مع برودة كبيرة في التعاطي معها، وكأن في الأمر تسليماً متجدداً بأن لا امكان لإحداث اي خرق في الملف الرئاسي بمعزل عن تبلور «القطع الرئيسية» في «البازل» الجديد، الذي يرتسم في المنطقة، وذلك رغم ما كان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند حمله الى بيروت في «الزيارة الرمزية» التي قام بها نهاية الاسبوع، من رسالةٍ حضّت على فصل الواقع اللبناني عن ملفات المنطقة وأزماتها، من دون ان يكون في جيْب هولاند اي «وصْفة» او مبادرة محددة لتحقيق ذلك، هو الذي كان سمع وكبار مسؤوليه من الايرانيين مواقف تشي بتشدُّد من طهران ولو على طريقة «هذا شأن لبناني».والواقع ان لبنان استعاد غداة زيارة هولاند يومياته السياسية المزدحمة بملفات تتفرّع من الفراغ الرئاسي وتعكس محاولات لإبقاء الحد الأدنى من عمل المؤسسات الاخرى وتحديداً الحكومة والبرلمان.وفي هذا السياق، شخصت الأنظار الى الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء امس وكانت سبقتها اتصالات ماراثونية في سعيٍ الى تفكيك «لغم» ملف جهاز أمن الدولة الذي اتخذ الخلاف حوله منحى طائفياً وسط اصطفاف القوى المسيحية الوازنة مع رئيس الجهاز الذي يدور صراع بينه وبين نائبه (الشيعي)، كان أفضى الى ربْط الأطراف المسيحيين الرئيسيين في الحكومة صرف الاعتمادات المالية لكل الأجهزة بالإفراج عن مخصصات «أمن الدولة»، بما يتيح ايضاً مناقشة سائر بنود جدول الأعمال.وقبيل الجلسة، كانت الأجواء تشير الى إمكان بلوغ حل موقت لهذا الملف على قاعدة إقرار المخصّصات المطلوبة لأمن الدولة وتأليف لجنة مصغّرة مهمّتها البحث في موضوع تنظيم قيادة هذا الجهاز، في حين اتجهت الانظار الى كيفية إثارة وزيريْ «حزب الله» تحفظ لبنان عن البند المتعلق بـ «أعماله الارهابية في سورية واليمن والكويت والبحرين» بعدما كان الحزب «رفع الصوت» بوجه رئيس الحكومة تمام سلام آخذاً عليه «التسامح والمجاملة» من خلال الاطفاء بالتحفظ عوض الاعتراض.وساد انطباع قبيل الجلسة الحكومية بأن الوصول الى تسوية في قضية «امن الدولة» قد يشكل مؤشراً الى إمكان التفاهم على عقْد جلسة تشريعية للبرلمان. علماً ان هذا الموضوع سيكون في صلب جلسة الحوار الوطني التي تلتئم يوم غد بدعوة من بري، وسط إصرار مسيحي على إدراج قانون الانتخاب بنداً اول على جدول الجلسة التشريعية وإلا عدم المشاركة.
خارجيات
بيروت استعادتْ يوميّاتها المأزومة
38 جلسة للبرلمان... ولا رئيس للبنان
10:45 ص