ربما كان ظهور سليمان بوغيث وبصورة مفاجئة على شاشات قناة الجزيرة القطرية في يوليو 2003 كمتحدث رسمي لتنظيم القاعدة الحدث الأكثر دلالة على تغلغل التطرّف في صفوف الشباب الكويتي، لكن بو غيث الذي لم يكن الأول وانما الأبرز مهد لمرحلة جديدة، إذ كرت سبحة الانتماء إلى تيارات موسومة بالتطرف والعنف والشواهد كثيرة ومن بينها خلية أسود الجزيرة وخلية فيلكا والمنتمون إلى تنظيم داعش وخلية العبدلي.واللافت أن التيارات المتطرفة تركز دوما على الشباب، مستغلة الحماسة التي تتدفق في عروقهم والفورة التي تنبثق من أعماقهم والسؤال الملح كيف ينشأ التطرف في مجتمعات تعيش نوعا من الرفاهية وما دور المؤسسات التعليمية لحماية الشباب والناشئة من هذه الآفة وما الدور الذي من المفترض أن تقوم به وزارة التربية ؟ وهل يقوم الإعلام بدوره في توجيه الشباب وحماية الأجيال من العنف وهل الفراغ من الأسباب التي تدفع الشباب إلى الانضمام للتيارات المتطرفة ؟وزير التربية وزير التعليم العالي الدكتور بدر العيسى أكد لـ «الراي» أن المناهج الدراسية خالية من أي أفكار تدعو إلى التطرف الديني أو التعصب المذهبي والطائفي مؤكداً أن الجهات المختصة في قطاع البحوث والمناهج تعمل بشكل دوري على تنقيح المناهج الدراسية وتعديلها بشكل دوري.وكشف العيسى عن وجود نشرات وتعاميم وزارية تحظر تداول مثل هذه الأفكار في المؤسسات التربوية و إن خرج أحد أعضاء الهيئة التعليمية عن هذا المسار فسوف يتحمل عواقب تصرفه ويحال فوراً إلى جهات التحقيق مشدداً على ضرورة تحصين البيئة التربوية من هذه الممارسات الخطيرة.إلى ذلك قال وزير الأوقاف والشؤون الاسلامية يعقوب الصانع لـ «الراي» ان قضية التطرف والإرهاب محل اهتمام الحكومة ومؤسسات المجتمع وهذه مسؤولية مجتمعية يجب ان يضلع فيها الجميع، مشيراً إلى ان الموضوع لا يتعلق فقط باهتمام الحكومة والواجبات المعينة ولكن هذا مسؤولية مجتمعية يتطلب تضافر الجهود.واضاف الصانع ونحن في وزارة الاوقاف نحتضن اللجنة العليا للوسطية وهذه اللجنة قامت بدور لا بأس به في مواجهة الفكر المتطرف ومحاولة غسل ادمغة الشباب واللجنة فيها وزارة الداخلية ووزارة الاعلام والشباب والرياضة والشؤون والتربية، لافتاً إلى انه تمت مخاطبة اكثر من 400 جهة سواء حكومية او تتعلق بمؤسسات المجتمع المدني إيماناً بأن هذه المسؤولية لا يجب ان تقف عند قطاع واحد ان كان في وزارة الاوقاف او اي جهة أخرى وإنما هذه مسؤولية مجتمع بأسره.وأضاف الصانع ان هناك مسؤولية تقع أيضا على كاهل الأسرة لأن الجميع مطالب بمواجهة الفكر المتطرف سواء أولياء الأمور أو المدرسة أو جمعيات النفع العام حتى تكون هناك مسؤولية مجتمعية للحد من هذا الأمر المتشدد الذي يحاول ان يسيطر على عقول الشباب.وثمن الصانع الدور الذي تقوم به وسائل الاعلام من اهتمام على المستويين الحكومي والأهلي الأمر الذي ساهم في تقليص الأعداد المنضمة إلى الفكر المتشدد، مشيراً إلى ان هذا دليل على وعي الشعب الكويتي واهتمام وسائل الاعلام والوسائل المتبعة من قبل المجتمع المدني.وامتدح الصانع الدور الذي يقوم به أئمة المساجد والخطباء في توعية الشباب، قائلا: «عموما شهادتي بمشايخنا مجروحة فهم يقومون بدور كبير لمواجهة الفكر الارهابي»، مشيراً إلى انه يقوم بزيارات دورية للمساجد ويرى الدور الكبير الذي يقوم به هؤلاء المشايخ لمواجهة التطرف.ورأى النائب خليل الصالح أن هناك عوامل عدة تعد من مسببات انتماء الشباب للجماعات الارهابية المتطرفة وأولها البيئة التي يعيشون فيها إذ تعد البيئة هي الركيزة لخروج الشباب والتهيئة لاستقطابهم من قبل الجماعات الضالة، مشيراً إلى ان المحيط يتمثل بالأهل والأصدقاء والزملاء في المدرسة والعمل فكلهم يؤثرون بالشخص ان كان بالشكل الايجابي أو السلبي.وقال الصالح لـ «الراي» إن الشباب في عمر المراهقة يكونون أكثر تقبلاً للأفكار المحيطة به مهما كانت وهذا الكلام لا يطبق على أهل الكويت لوحدهم فهو موجود في شتى انحاء العالم، مبيناً ان الدعاة من مشايخ الدين لهم دور كبير في زيادة التطرف، متسائلاً: لماذا هؤلاء الدعاة إذا كانوا يريدون الخير والجنة لا يبعثون أبناءهم للقيام باعمال ارهابية ؟!.وأكد الصالح ان البيئة المحيطة إذا كانت متفتحة وواعية وتربي النشء بشكل سليم فلن يخرج الشاب عن طاعة والديه، مؤكداً على دور الاسرة والدولة في تحمل مسؤولياتهما تجاه الشباب.وأضاف الصالح ان من أسباب انتشار أعمال العنف والأفكار المتطرفة وقت الفراغ الكبير الذي يعيشه شبابنا لدرجة أن الموظف لا يختلف عن غيره بسبب البطالة المقنعة التي أصبحت لإثبات الراتب فقط ما يتسبب في زيادة وقت الفراغ لدى الشباب مطالبا بزيادة المراكز الرياضية والندوات التثقيفية والعلمية وغيرها من الأمور الجيدة.وأوضح الصالح ان من أسباب انتشار الافكار الارهابية العولمة التي لم تستغل كما ينبغي والفضاء المفتوح الذي سيرتد سلبا إن لم تكن هناك رقابة لطروحاته فضلا عن التواصل مع أصحاب سوابق من خارج البلاد.وذكر الصالح أن المشكلة الحقيقية تقع على كاهل الحكومة التي لم ترع الناشئة بحواضن مثالية حتى لا يكونوا عرضة لأصحاب الافكار المتطرفة والإرهابية داعيا إلى إعادة تقييم لإستراتيجيتنا بجميع مفاصل الدولة، فمن غير المعقول أن كل وزير يعين ينسف عمل من سبقه ما يدلل على عدم وجود الاستراتيجية والرؤية بعيدة المدى والتي من خلالها نستطيع تحقيق أهدافنا.وأشار الصالح إلى ان القضية التعليمية حالها كحال غيرها فلا تزال من دون رؤية نتيجة الضغوط السياسية، وعلى الوزارة تقديم برنامج وخطة عمل واضحة للتعامل مع برامج التطرّف بغية حماية الشباب من الأفكار الهدامة على شرط ألا تنسف الخطة مع رحيل وزير وتعيين آخر معتبرا وزارة التربية مطبخ أجيال المستقبل إن كان من خلال تأهيلهم تربوياً او تعليمياً لإبعادهم عن أي مظاهر تحتوي على العنف والارهاب.ورأى الصالح أن وزارة الاعلام لا تقوم بدورها في مواجهة الافكار المتطرفة مطالبا بايجاد تعاون بين الجميع خصوصا أن الحرية التي يتمتع بها المجتمع الكويتي أصبحت جزءا من كيانه، بالإضافة إلى التداخل بين تكوينات المجتمع من خلال التجمعات الشبابية والديوانيات والمخيمات والشاليهات وغيرها فهذه التقاليد الموجود في الكويت لو استغلت استغلالاً جيداً يمكن ان نؤسس شباباً واعيا، ولا ريب أن عدم التغيير في الاستراتيجيات لدى الدولة يمنعنا من ان نعرف من اين نبدأ بعملية التأهيل والإصلاح لمواجهة أصحاب الافكار المتطرفة والارهابية.وطالب الصالح الحكومة بالتصدي لأصحاب الفكر المتطرف من خلال تطبيقها للقوانين والتعزير بشكل فوري، متسائلا باستغراب «ما الفائدة من إلقاء القبض عليهم وبعد عشر سنوات تتم محاكمتهم؟»، مؤكداً على أن الوضع الحالي يتطلب تطبيق الاحكام مباشرة والا تكون لدينا مفارقات سياسية، وعلى الجميع التفكير بمصلحة البلد.وأوضح النائب فيصل الشايع أن هناك أسبابا عدة تساهم في انضمام الشباب للجماعات المتطرفة وأولها البيت فالتربية لها دور الكبير بتحديد توجه الشباب، ودور التعليم في ما يخص المناهج، إضافة إلى دور وسائل الاعلام.وقال الشايع لـ «الراي» ان وسائل الاعلام حتى اللحظة لا تقوم بدورها الكامل في توعية الشباب لأن التوعية الكاملة تحتاج للجنة كاملة للاهتمام بالشباب من خلال التلفزيون والإذاعة، متمنياً من وزير الاعلام والشباب الشيخ سلمان الحمود ان يكون له دور أكبر في هذا الشأن وتوعية الشباب.وأوضح الشايع ان غياب الاندية الرياضية لا يعني ان تكون سبباً رئيسياً في تنامي الفكر الارهابي والمتطرف، مؤكداً على ضرورة ايجاد مثل هذه المراكز لملء اوقات الفراغ لدى الشباب.وبين الشايع ان مشايخ الدين ينقسمون إلى قسمين: مشايخ من الممكن ان يكونوا سبباً في زيادة التطرف هؤلاء يجب مراقبتهم ومتابعتهم، ومشايخ دين يساعدون في الحد من التطرف وهؤلاء يجب ان نشد على ايديهم، مشيراً إلى الدور الكبير الذي يقع على عاتق وزارة الاوقاف في اختيار وضبط مشايخ الدين على اعتبار انهم يتبعون لها لذلك عليها تحمل مسؤولياتها في مواجهة الافكار المتطرفة.وشدد الشايع على ضرورة توعية أولياء الامور في كيفية متابعة الابناء، وزيادة الجرعة الاعلامية في التلفزيون والإذاعة، ولا ريب أن وزارة التربية لها دور كبير في مواجهة التطرّف من خلال مراجعة المناهج وحسن اختيار المدرسين وأهمية تحلّيهم بالوعي الكافي.وأوضح النائب الدكتور عبدالرحمن الجيران أن التطرّف الديني كانت بدايته في أوروبا وتحديدا في عصور الظلام حيث استغلوا الدين، واخذوا يقتلون الناس بلا حق بحجة انهم يتعاملون مع الشيطان، وعانت الشعوب الاوروبية الويلات، واستمر التطرّف فيهم إلى اليوم ولكن بصورة مغايرة تجلت في مادية بحتة ذهبت معها قيم الانسانية والمبادئ الاخلاقية وذلك تحديدا بعد الثورة الصناعية في أوروبا وطغيان العولمة الأخلاقية والسلوكية.وقال الجيران لـ «الراي» إن المجتمع الغربي عانى من ضغط الحياة وسرعة عجلتها ما جعل الانسان يقف جامدا من المشاعر لا وزن عنده لمبادئ الاسرة ولا المجتمع بل الشهوة والمادة والمصلحة هي المحركات الأساسية للمجتمعات الغربية.ورأى الجيران أنه بلمحة سريعة لحوادث الانتحار لفئة الشباب من الجنسين في أوروبا واميركا رغم الانفتاح الكبير، تعطينا مؤشرا واضحا لخطورة هذا المدّ من التطرف، وسبب التطرّف ليس واحدا وانما مجموعة أسباب متشابكة تؤثر على سلوك الانسان وفكره، ونجد أن التطرف في كل الثقافات التي عرفتها البشرية في تاريخها الطويل بصور مختلفة لكن مؤداها واحد وهو إقصاء الآخرين، والزعم بامتلاك الحقيقة كاملة، وأن يعتبر الانسان نفسه ممثلا عن الله تعالى فرأيه هو الشرع وخلافه خلافا للشرع؟ وتارة يظهر هذا في جزئيات الشريعة وتارة يظهر في كلياتها وهذا كله مؤداه إلى العجب والغرور.وبين الجيران: أن التطرّف السياسي المؤدي إلى انشاء أحزاب تأخذ أقصى اليمين وأقصى اليسار ! ويظهر هذا في السياسات العامة للدول التي تتبنى النظام الحزبي، وهناك التطرّف الوجداني حيث الاندفاع الشخصي نحو الشيء دون بصيرة ما قد يدمر الانسان نفسه، أما التطرّف السلوكي ويظهر هذا في الملبس وطريقة المأكل وطريقة الكلام ويعتادها الشاب بصورة نمطية ويحاول ارغام الآخرين بها.ولاحظ الجيران على أن ضعفا ينتاب دور المشايخ خصوصا مع بروز مشايخ الفضائيات الذين يغلب عليهم طابع الحماسة والاندفاع غير المتوازن، وتضارب الفتاوى بينهم ما أثر على تربية الشباب، وعامّةً، الشباب المتطرفون ليس لهم علماء ولا شيوخ إلا غوغل ! وتويتر؟وأكد الجيران أن القدوة اليوم مفقودة للأسف على مستوى العالم الاسلامي، فكم عندنا سنويا من خريج من كليات الشريعة؟ وأين منهم المعتمد في دينه وعلمه وخلقه؟ وذلك يوضح لنا عمق الخلل في التربية الإسلامية اليوم على مستوى العالم الإسلامي.وشدد الجيران على أن الفراغ مشكلة المجتمعات كلها، نعم فالشباب مليء حماسة وطاقة واندفاع وحيوية والانشطة المتاحة اليوم لا تستوعب كل طاقة الشباب المتجددة، وفي الغرب يفتحون الديسكوات على مدار الساعة لسد فراغ الشباب من الجنسين لكن النتيجة عكسية وسلبية على مستقبلهم جميعا مع زيادة جرائم الأحداث، وزيادة اللقطاء وعمليات الإجهاض والمخدرات.وذكر الجيران أن الإعلام السلبي يؤثر سلبا على الشباب، لاسيما الأفلام الهابطة، والمسرحيات المليئة بالصراخ، والمظاهر الشاذة الغريبة على المجتمع، والتي تعطي صورة سيئة عن الكويت في الخارج، واليوم زاد من هذه السلبيات الفضاء المفتوح لوسائل التواصل الاجتماعي، ولعل غرف الشات توضح جانبا مما نقول.وأكد الجيران على أن الشباب الكويتي ليس محصنا من التطرّف ويتضح هذا من حوادث القتل المروعة التي شهدتها المجمعات التجارية أخيرا، وإذا نظرنا إلى الأسباب المؤدية لذلك... نجد الخلاف على موقف السيارة ؟ أو النظرة (الخز) أو التحرش في المجمعات، وكلها أسباب لا ترقي إلى مستوى هذه الجريمة المروعة أمام أعين الناس، وكذلك مظاهر العنف في المدارس التي بدأت بالتصاعد سواء داخل أو خارج المدرسة.