على وقع استعادة لبنان بعض «توازنه الخارجي» من خلال السياسة التي اعتمدها رئيس رئيس الحكومة تمام سلام في قمة اسطنبول والتي واءمت بين مقتضيات التضامن العربي وموجبات الوحدة الداخلية، تستقبل بيروت اليوم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي يقوم بزيارة عمل لها تستمر حتى الأحد في مستهلّ جولة له في المنطقة ستشمل ايضاً مصر والأردن.وعاد سلام الى بيروت، امس، مُطْمَئناً الى ما حملته مشاركته في قمة اسطنبول من تصويبٍ لمسار الموقف الرسمي اللبناني وعودته مجدداً الى الحضن العربي من خلال تأييد رئيس الحكومة ما ورد في مسودّة البيان الختامي لجهة رفض تدخل ايران في شؤون دول المنطقة، وما قاله في كلمته أمام القمة لجهة تأكيد «وقوفنا الدائم الى جانب الاجماع العربي»، والإعراب عن «التضامن الكامل مع العرب في كل ما يمس امنهم واستقرارهم وسيادة أوطانهم ووحدة مجتمعاتهم».واعتُبر هذا الموقف لسلام، رغم التحفُّظ عن البند المتعلق بإدانة أعمال «حزب الله الارهابية في سورية واليمن والبحرين والكويت وزعزته استقرار الدول الاعضاء»، بمثابة تعبيدٍ للطريق أمام تبريد الأزمة غير المسبوقة التي دهمت علاقات لبنان مع دول الخليج ولا سيما السعودية منذ ان خرجت وزارة الخارجية اللبنانية عن الإجماع العربي في إدانة الهجوم على السفارة السعودية في طهران والتدخل الايراني في الشؤون العربية.واذا كان سلام لم ينجح في تأمين لقاء مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز على هامش قمة اسطنبول، الأمر الذي تم التعاطي معه على انه في سياق عدم نضوج كل الظروف لالتئام مثل هذا اللقاء، فإن رئيس الحكومة عقد اجتماعاً مهماً، امس، مع امير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني الذي اكد لسلام: «اننا نتفهم كل اوضاع لبنان ومكوّناته»، مشدّداً على ان «المهم تأكيد الوحدة وانتخاب رئيس للجمهورية، والكل سواسية».كما كان لسلام لقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تمنى ان يتجاوز اللبنانيون «مشكلة عدم انتخاب رئيس الجمهورية، ونحن نتشارك بتحمل وطأة النازحين السوريين».وفيما كانت دوائر سياسية تتوقف عند دعم القمة الاسلامية للبنان في ملف النازحين وتأكيد الطابع الموقت لاستضافتهم مع الدعوة الى الاسراع بانتخاب رئيس للجمهورية، فإن صدى الاعتراض الايراني في اسطنبول على البندين المعتلقين بالجمهورية الاسلامية و«حزب الله» وصولاً الى انسحاب الرئيس حسن روحاني من جلسة تلاوة البيان الختامي، كان يتردّد في بيروت من خلال موقفٍ بارز للكتلة النيابية للحزب بدا برسم سلام وقرار الاكتفاء بالتحفظ عن البند المتصل به في البيان الختامي، بما أنذر بتفاعلات سياسية وإن من دون توقُّع ان تطيح بالستاتيكو الداخلي.ذلك ان كتلة «حزب الله» كانت دانت، اول من امس، «الضغوط التي تمارسها السعودية في الاجتماعات المتصلة بالقمة الاسلامية من أجل الإساءة الى حزب الله وسمعة مقاومته، وهو ما يوجب على الحكومة اللبنانية الوقوف ضدها بحزم ودون تردد، باعتبار ان حزب الله المقاوم هو مكوّن أساسي في الحكومة وفي البلاد، وبأن الافتراء عليه بتهمة الإرهاب هو توجه كيدي وطعن يطالها ويجب الاعتراض عليه»، مشيرة الى ان «مؤتمر رؤساء البرلمانات العربية أقر في القاهرة قبل أيام حق المقاومة في تحرير اراضيها واستعادة حقوقها المشروعة، ولا يجوز للحكومة اللبنانية ان تقبل بإسقاط هذا الحق، عبر السكوت او مجرد التحفظ عن أي اساءة للمقاومة يحاول البعض تمريرها في اي محفل أو مؤتمر، خصوصاً تلك التي يكون لبنان مشاركاً فيها»، ومعتبرة «ان التسامح او المجاملة في هذا المجال يجب ان يوضع له حد منعاً للتمادي وحرصاً على مصلحة بلادنا العليا».وستشكل زيارة هولاند لبيروت اليوم وغداً فسحة لـ «التقاط الأنفاس» من تفاعلات قمة اسطنبول وقبل جلسة الـ «لا انتخاب الرئاسية» الجديدة بعد غد.وبات واضحاً ان هذه الزيارة، وهي الثانية للرئيس الفرنسي منذ نوفمبر 2012، تأتي في سياق تأكيد استمرار الاهتمام الدولي الكبير بلبنان وملف النازحين السوريين، والحض على إنهاء الشغور الرئاسي بمعزل عن انتظار مآل الأزمات الساخنة في المنطقة، وسط اقتناع بأنه رغم التواصل الفرنسي مع كل من الرياض وطهران، الا ان اي حلّ لهذا الملف لن يلوح قبل بلورة حد أدنى من التفاهم الايراني - السعودي على ملفات الاشباك بينهما.واذا كانت محطات هولاند في بيروت (لن يقام له استقبال رسمي في المطار نظراً الى غياب رئيس جمهورية) باتت معروفة وتبدأ بلقاء رئيس البرلمان نبيه بري، ثم سلام قبل التوجه الى قصر الصنوبر حيث يقيم عشاء ضيقاً يحضره بري وسلام وعدد من الوزراء والشخصيات الى جانب لقاءات مع رؤساء الأحزاب، فان الأنظار تتجه الى ما اذا كان سيلتقي اي وفد من «حزب الله» وفق ما كانت اشارت بعض التقارير، قبل ان تتلاشى إمكانات حصول مثل هذا اللقاء.يُذكر ان الرئيس الفرنسي الذي تجاوز في زيارته البروتوكول (لان لا رئيس في لبنان) يلتقي غداً البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في قصر الصنوبر، ثم جميع ممثلي الطوائف اللبنانية قبل ان يتوجه الى البقاع حيث يلتقي في مكان محدد المنظمات غير الحكومية الفرنسية العاملة الى جانب اللاجئين أو الى جانب المجتمعات المضيفة من اللبنانيين.