كثيرة هي المصطلحات والمفاهيم التي يتداولها الناس، وهي في الحقيقة تحتوي على مضامين خاطئة تنم عن ضحالة في التفكير وسطحيّة في القراءة والتقييم.فمصطلح (الرُقي) كثير من الناس في مجتمعنا يصف أسلوب الحياة والتعاطي مع الماديات الباهظة الثمن بالرُقي، فطالما كنت ترتدي ثياباً من الماركات العالمية فهذا يعني أنك إنسان راقٍ، وإذا كنت تقود سيارة آخر موديل معنى هذا أنك راقٍ، والشخص الذي يستخدم المصطلحات الإنكليزية في حديثه فهو راقٍ أيضاً، وكذلك السلوكيات التي تحاكي السلوك الغربي نطلق عليه راقيا.الواقع المؤسف هو أننا كلما ذبنا في حب الماديات وزخارف الحياة كلما ابتعدنا عن القيم الأخلاقية والروحيّة، فالذي يحدث على أرض الواقع تفكك في علاقاتنا الاجتماعية واضمحلال في روابطنا الإنسانية بسبب الجفاف العاطفي والجفاء النفسي، حتى صلة الأرحام لم تعد ذات قيمة أمام سعار التطور والرقي الموهوم، فقد انعدمت البساطة وتعقدت العلاقات وأضحت المصالح الشخصية هي الدافع الذي يحرّك الإنسان نحو أخيه الإنسان، وتفشت أخلاقيات سلبية وقبيحة كسوء الظن والحسد، التكبّر، الغرور، الجفاء والقطيعة، انحدار كبير في قيمنا الإنسانية التي تضفي الرقي الحقيقي لحياتنا والقائمة على المحبة والسلام والتسامح والتواصل الفعَّال مع الناس.التقييم الحقيقي للإنسان لا يُبنى على ثيابه أو مأكله ومسكنه بل على شخصيته بشكل كامل وبالذات سلوكه وتعامله مع الآخرين، فنصفه بالرقي، عندما يتعامل مع الناس بأدب وأخلاق واحترام بل ويخاطب كل شرائح المجتمع من منطلق إنساني راقٍ حتى لو كان يرتدي الثياب البسيطة ويعيش بعقلية قديمة... فالمهم في هذا كله سلوكه الإنساني الذي يعكس احترامه لذاته، فما قيمة المقتنيات الثمينة بينما نتصرف بجفاء وفظاظة مع الناس؟! ما قيمة الثياب إن كان تحت الثوب إنسان كالذئب في شراسته؟! إلى متى نعيش هذه العقلية؟ وإلى متى نخطئ في تشخيص معيار الرُقي الحقيقي؟صادفتني ذات يوم فتاة أنيقة دخلت أحد المحال في مجمع تجاري، لفتت الأنظار بثيابها وزينتها كأنها إحدى عارضات باريس، فجأة دخلت في مشادة مع البائع لأنه تأخر في إصلاح ثوبها، كانت تصرخ عليه بهمجيَّة وسوقيَّة مخجلة، هذه الفتاة يطلق عليها المجتمع (فتاة راقية) بمقتضى ثيابها وتبرجها ولكن في الحقيقة هي أبعد ما تكون عن الرُقي الإنساني.كم نحتاج إلى استبدال هذا المعيار بمعيار الأخلاق والسلوك وإلا كنَّا أبعد ما نكون عن المجتمعات المتحضَّرة.* أديبة وروائية كويتيةwww.khawlaalqazwini.com
متفرقات
الرُقي الإنساني
08:18 ص