رغم التحويلات المالية الضخمة لأبناء الجالية المصرية في دول مجلس التعاون إلى «أم الدنيا»، إلا أن بلادهم تعاني أزمة متفاقمة من شح العملة الصعبة. ثمة قطبة مخفية تحول دون استفادة القاهرة من كم التحويلات الهائل، ولكن ما هي هذه القطبة؟مصدر صيرفي يؤكد لـ «الراي» أن «ما يجري هو عملية منفعة متبادلة بين الشركة والعميل، فالأولى تقدم خدمات وإغراءات بينها سعر صرف (أرخص من الرسمي)، والتوصيل إلى المنزل، فضلاً عن التحويل الآني، في حين لا يستطيع الجهاز المصرفي تأمين كل هذه الخدمات».ويقول المصدر «من هنا يلجأ المصريون لشركات الصيرفة، التي تستفيد بدورها من تحويلات هؤلاء لتلبية احتياجات (طرف ثالث) أي مستثمرين ورجال أعمال مصريين، لا يستطيعون الحصول على الدولار من مصر، فيقوم المستثمرون ورجال الأعمال بالتواصل مع شركات الصيرفة في الخارج، والاستفادة من الدولارات الموجودة بحوزتها، مقابل تأمين المبالغ المطلوبة منها بالجنيه في داخل مصر».يتابع المصدر«باختصار، يموّل التاجر بالاتفاق مع شركة الصيرفة، تحويلات المصري إلى ذويه في مصر من دون أن تتم عملية التحويل فعلياً، ويستفيد في المقابل من العملة الصعبة لتمويل نشاطهم التشغيلي في الخارج، كونه لا يستطيع تأمين هذه العملة من بلده».وبهذا يتبين أن 75 في المئة من التحويلات المالية للمصريين المقيمين في الكويت وأخواتها، لا تصل إلى بلادهم. فقد أكد المصدر أن 7 شركات صيرفة محلية، تستحوذ على النسبة الأكبر من تلك التحويلات، فيما تصل النسبة المتبقية والبالغة 25 في المئة مباشرة إلى النظام المصرفي المصري.وقدّر المصدر متوسط تحويلات المصريين بنحو 8 ملايين دولار يومياً، بما يعادل 240 مليون دولار شهريا، تستحوذ الشركات السبع على نحو 180 مليون دولار منها، فيما لا يتعدى متوسط ما يصل إلى مصر من تلك الأموال 60 مليون دولار شهريا، وهي نسبة ضئيلة جدا.ولفت إلى أن فرق سعر الصرف التنافسي بين الشركات الـ7 وغيرها، يمثل عامل جذب كبيرا جدا للعملاء، ما يصب في صالحها وصالح المستوردين المصريين المستفيدين والمتعاملين معها على حساب الاحتياطي المصري من العملة الأجنبية، والذي يتأثر سلبا، خصوصاً مع الخدمات التي تستطيع تلك الشركات تقديمها بعيدا عن البنوك، وتمثل ميزة تنافسية لها في السعر والخدمة خصوصاً التحويل بنظام الكاش.وبين انه في حال كانت الشركات التي تعمل بالطرق التقليدية عبر البنوك، ستحول ما قيمته مليون جنيه مصري بنحو 34 ألف دينار، تستطيع الشركات الـ 7 تحويله بـ 32 ألف دينار فقط بنظام الكاش، وهو فارق سعر مغر للكثيرين، ويحقق لها ميزة تنافسية لدى العملاء الباحثين عن عائد أكبر.وشرح المصدر آلية فرق التحويلات بأن السياسات المصرفية الخاصة بالعملة الأجنبية في مصر أجبرت المستوردين المصريين العاملين في السلع الكمالية وغير الأساسية أو غير الضرورية في الحياة اليومية إلى اللجوء للخارج من أجل الحصول على ما يحتاجونه من الدولار لاستمرار نشاطهم التشغيلي بسعر أعلى من سعر الصرف الرسمي في مصر، وهو ما يرفع أرباح الشركات السبع.ولفت إلى ان«الشركات السبع تحقق الربح مرتين الأولى بفارق السعر الذي تمول به المستورد المصري، فلو كان سعر الصرف الرسمي على سبيل المثال 8.8 جنيه مصري للدولار، يشتريه المستورد بـ 9 جنيهات، يسددها هو بآليات مختلفة للعميل في مصر، بالإضافة إلى تحقيق الشركة لهامش ربح آخر، إثر تحويلها الدينار الكويتي المحصل من العملاء في الكويت إلى دولار والاستفادة أحيانا من سعر صرف الدولار مقابل الجنيه أيضا».وذكر المصدر أن موقف تلك الشركات قانوني وسليم لكونها مرخصة، وتمارس النشاط وفقا لاشتراطات البنك المركزي، إلا ان ما أفسح لهم المجال هو السياسة المصرفية المصرية في التعامل مع المستوردين، الذين يبحثون عن الدولار لتسيير أعمالهم ليصطدموا بقائمة الأولويات التي تحدد أهمية نوع المنتجات المستوردة، حيث تهمل الكثير من الكماليات في الوقت الراهن، بالإضافة إلى ان العاملين في السلع غير المشروعة لا سبيل لهم للحصول على الدولار في مصر، ويلجأون إلى التعامل مع كيانات مصرفية في الخارج بصورة غير مباشرة لتمويل عملياتهم.وذكر المصدر أن آلية عمل الشركات الكويتية، تتمثل في توفيرها خدمات تحويل بعيدا عن الجهاز المصرفي المصري عبر وسطاء هناك، فالمستوردون المصريون يوفرون لتلك الشركات أرصدة مليونية بالجنيه المصري يوميا، تكون جاهزة لسداد قيمة تحويلات المواطنين هناك، فيما يحصلون على الدينار الكويتي محليا، ويحول إلى دولار لحسابات المستوردين المصريين وعملائهم المرتبطين معهم بأنشطة تجارية أو تشغيلية خارج الكويت.وأوضح أن ما يدعم تنافسية الشركات الـ 7 أيضا، هو تقديمها لخدمات أخرى في مصر والكويت مثل:1 - التحويل في اللحظة نفسها2 - التوصيل حتى باب المنزل3 - عدم وجود حد أقصى للتحويلات في نظام الكاش4 - عدم وجود عمولة تحويل5 - سعر تفاوضي حال زيادة المبلغوحول بداية تلك الشركات في اللسيطرة على هذه الحصة، أشار المصدر إلى أن الأمر بدأ يظهر بقوة منذ مطلع 2015، إذ توغلت تلك الشركات من خلال الأسعار الزهيدة التي تعلن عنها، وفي النهاية يقبل عليها المصريون، كونهم يبحثون عن السعر فقط، دون أن يعوا آلية التحويل أو خلافة، ما جعل هذه الشركات تسيطر على تلك الحصة السوقية الكبيرة، ومازالت في تزايد على حساب غيرها من الشركات التي تحوّل أموالها عبر البنوك.