الأمل كبير في أن تنتهي المحادثات بين الأطراف اليمنية في الكويت هذا الشهر، إلى حلّ سياسي ليس فقط يضع حدا للحروب العسكرية التي عاشتها البلاد منذ الإطاحة بالرئيس السابق علي عبدالله صالح خلال ثورة 2011، بل يستكمل أيضا ما لم تنجزه المبادرة الخليجية نتيجة هذه الحروب، من خلال وضع البلاد على السكة الطبيعية في انتاج السلطة وتداولها.اللحظة تبدو مناسبة جدا. لم يعد أمام الحوثيين إلا القبول بالحل السلمي، بعد وصول خيارهم العسكري إلى طريق مسدود. فالحقائق التي سعوا إلى فرضها على الارض بالتحالف مع صالح، لم تصمد طويلا، بعد دخول التحالف العربي المعركة، فضلا عن أنها في الأساس لم تستطع تحقيق اي هدف سياسي.هذا لا يعني أن الحوثيين آتون إلى الكويت لإعلان الاستسلام. فأي عملية سياسية في اليمن ستكون مفتوحة أمام الجميع للقيام بأدوارهم من خلال المشاركة في السلطة أو في المعارضة، ولكن وفق الآليات الطبيعية والسلمية لذلك.كانت هناك أكثر من إشارة من جانب الحوثيين في الآونة الأخيرة تفيد بأنهم أدركوا هذا الواقع، وأنهم تخلّوا عن الرهان على القوة العسكرية، لكن أكثرها وضوحا كان ذلك التصريح الذي رد فيه عضو المجلس السياسي لجماعة الحوثي يوسف الفيشي على كلام لنائب رئيس الأركان الإيراني مسعود جزائري عن إن إيران قد ترسل مستشارين عسكريين إلى اليمن لمساندة الحوثيين، إذ قال له: "كفى استغلالا ومزايدات".لا أحد يستهين بالخلافات اليمنية الداخلية، فلطالما أثار الموزاييك القبلي صراعات على السلطة، وارتبط بطموحات بانفصال الجنوب عن الشمال، ولا أحد يستهين ايضا بالأبعاد التاريخية لهذه الصراعات، ولا بالتدخلات الخارجية فيها عبر مراحلها المختلفة. لكن إخراج أي ملف اليوم من دائرة الصراع مع إيران، يسّهل حله كثيرا لأنه ينزع الكثير من الأبعاد الإقليمية عنه ويعيده إلى حجمه الحقيقي، ويحقّق مطلبا رئيسيا من مطالب دول الخليج بوقف التدخل الإيراني في الشؤون العربية، بغض النظر عما إذا كان ذلك برغبة من طهران نفسها، أم من الطرف المتحالف معها.مهمة الديبلوماسية الكويتية ستكون رعاية اتفاق بين الأطراف اليمنية، إلى جانب وساطة الأمم المتحدة. والثنائي الكويتي - الأممي قد يكون من أفضل الخيارات المتاحة حاليا أمام اليمن للوصول إلى تسوية سلمية. فهذا ليس أول ملف يعمل عليه هذا الثنائي الذي سبق له أن أدار بنجاح ملفت ملف اللاجئين السوريين، رغم تعقيداته الكبيرة التي تضاف إلى المآسي الانسانية الناجمة عنه، والتي - أي التعقيدات - ظهرت لاحقا حين هدّد تدفق اللاجئين بمئات الآلاف على أوروبا بتغيير وجه القارة، وفرض نفسه بندا رئيسيا في الحملة الانتخابية الأميركية من باب الذعر من أن تكون أميركا مقصدا محتملا لهم.جولة الكويت مرشحة للوصول إلى نتائج، لأنها تأتي مسبوقة ببادرات حسن نية منها التهدئة المستمرة على الحدود اليمنية - السعودية، وعمليتا تبادل للأسرى والجثامين، واتفاق شامل لوقف النار يفترض أن يدخل حيز التنفيذ في 10 الجاري. ولكن الأهم من ذلك كله المحادثات التي يجريها وفد حوثي رفيع المستوى منذ أسابيع في السعودية، والتي أكدت الرياض أنها تحرز تقدما.ولا يمنع كون الكويت جزءا من التحالف لدعم الشرعية في اليمن، أن تؤدي دور مضيف وراعي المفاوضات، ما دام هذا الدور مقبولا من الطرف الآخر، أي الحوثيين، وما دام التحالف قد حقق كثيرا من الأهداف التي نشأ من أجلها، والباقي يمكن تحقيقه في المفاوضات، ولا سيما هدف إعادة الحكومة الشرعية إلى صنعاء، سواء الحكومة الحالية أو أي حكومة قد تتفق عليها الأطراف اليمنية في المفاوضات.وإذا قدّر لمسيرة السلام أن تنطلق في اليمن، فسيُسجل للديبلوماسية الكويتية أنها فتحت كوة كبيرة في الجدار العربي المسدود على الأزمات منذ سنوات، والأهم أنها ساهمت في تعزيز أمن واستقرار الخليج العربي، الذي تعتبر المشكلة اليمنية أزمة في خاصرة دوله.
مقالات
المحادثات اليمنية ... نهاية أزمة؟
07:21 ص