تبدو صورة الوضع الداخلي في لبنان أمام مرحلة جمود طويلة نسبياً، لن تحصل خلالها تطورات مهمة او ذات طبيعة بارزة، وإن كانت معظم المؤشرات تنبئ باحتمال تصاعد التجاذبات بين القوى السياسية في الاسابيع القليلة المقبلة. ذلك أن البلاد بدأت تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في حمّى الاستعدادات للانتخابات البلدية والاختيارية في معظم المناطق، بعدما أنجزت وزارة الداخلية الاسبوع الماضي، إصدار كل المراسيم التي تحدّد مواعيد العمليات الانتخابية في المحافظات اللبنانية، على اربع مراحل، ابتداء من الثامن من مايو المقبل، وحتى نهايته.واعربت مصادر سياسية مطلعة عن اعتقادها أن «الانتخابات البلدية والاختيارية ستشكّل فرصة جيدة للدولة، كما للقوى السياسية بمجموعها، للنفاذ بمساحة زمنية تمتد زهاء شهرين من الان، تتركّز فيها الأنظار على هذا الاستحقاق وتخفّف بعض الشيء من التوتّرات السياسية العقيمة التي يدور لبنان في حلقاتها دون طائل».وقالت هذه الاوساط لـ «الراي» إنه «ثبت أن كل الشكوك التي أحاطت بالانتخابات البلدية لم تكن في مكانها، وأن هذا الاستحقاق سيجري في مواعيده المحددة، وليس هناك واقعياً اي سبب يحول دون إجرائه، إلا إذا حصلت تطورات أمنية غير متوقعة، وهو امر مستبعد تماماً».واضافت الاوساط عينها ان «المرحلة الآتية ستجعل القوى السياسية تفسح امام الاستحقاق الانتخابي البلدي لجملة عوامل، أولها ان كلاً من هذه القوى ستكون معنيّة بخوض المعارك او التوافقات في مختلف المناطق، وإن كان المناخ الغالب على هذا الاستحقاق يجعل الكلمة الحاسمة في نتائجه للعائلات والطابع المحلي، الذي يتصل بخصوصيات البلدات والقرى. فالعامل الحزبي او التحالفات العريضة لا تؤثر واقعياً إلا في المدن والبلدات الكبيرة مثل بيروت وطرابلس وصيدا وزحلة وجونية والكورة، حيث يمكن توقّع معارك او تحالفات ذات طابع متداخل، أما معظم مناطق التحالف الشيعي جنوباً وبقاعاً فلن تشهد واقعاً مماثلاً».والعامل الثاني هو أن «الأسابيع القليلة المقبلة، وقبل الثامن من مايو تحديداً، يفترض ان يحصل فيها حسم لملفات خلافية كبيرة، أبرزها موضوع عقد جلسات تشريعية لمجلس النواب، وهو موضوع عاد ينذر بانقسام واسع ولن يُبتّ قبل جولة الحوار النيابي الموسّع المقبلة في 20 الجاري. وفي حال الاتفاق على عقد جلسات تشريعية فإن هناك جلسة واحدة متوقّعة في مطلع مايو، أما في حال استمرار الخلاف فإن الامر سيشكّل عامل تعميق للجمود المؤسساتي الى ما بعد الاستحقاق البلدي».وفي اي حال، تقول الاوساط المطلعة ان «الواقع الداخلي يبدو من دون بوصلة أو برمجة محددة، وسمات العجز السياسي تتصاعد بقوة غير مسبوقة، في انتظار تطورات الازمة السورية، التي يخشى ان تكون الازمة الرئاسية اللبنانية رُبطت بها بإحكام. ولا يبدو الوسط السياسي اللبناني مالكاً لأي مبادرة، من شأنها وقْف الازمات التي تُغرق لبنان في تداعياتها، ولا شيء يؤشر ايضاً الى وجود اي معطيات خارجية تتصل بجهد فعلي لمساعدة لبنان على انتخاب رئيس له. واذا كانت الأنظار ستتجه الى زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى بيروت بعد منتصف الشهر الجاري، فإن الامال المعلقة على قدرة فرنسا على اختراق الازمة الرئاسية ضئيلة ومحدودة جداً، حتى أن زيارة الرئيس سعد الحريري إلى موسكو ولقاءه الرئيس فلاديمير بوتين لم يخرجا بنتائج خارقة ايضاً على الصعيد الرئاسي في لبنان. وتبعاً لذلك ستتمدّد مفاعيل العجز والجمود وستكون الانتخابات البلدية أفضل فرصة لتحييد الأنظار لفسحة من الزمن عن هذا المأزق السياسي الكبير».